لا تنازل ولا تهاون ولا مساومة مع السيادة واستقلالية القرار.. خبراء لـ “الشعب“:

نديّة وجرأة الجزائــر تفجر “العلبة السـوداء“ لفرنسـا

سفيان حشيفة

 الدبلوماسية الجزائرية تكسب مزيدا من المناصرين داخل “الدولة الفرنسية“ نفسها 

لوك ميلونشون: أسلوب الصدمة مع الجانب الجزائري خيار فاشل وخائب 

“ميديا بارت“: باريس تخسر شريكا استراتيجيا بإفريقيا والمتوسط

دخلت العلاقات الجزائرية- الفرنسية مرحلة جديدة من التصعيد، بنقض الجزائر للاتفاق الجزائري- الفرنسي لعام 2013، المتعلق بالإعفاء المتبادل من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر لمهمة، وإنهاء وجوده بحد ذاته، وذلك بعد تعليق باريس المعاهدة من جانب واحد وبشكل استفزازي، قبل أيام قليلة.

يرى خبراء سياسيون، أن إنهاء اتفاق سنة 2013 الخاص بالإعفاء المتبادل من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر لمهمة، قرار جزائري سيادي لا رجعة فيه، نتج عن تمادي الجانب الفرنسي في خرق المعاهدات بين الطرفين، ومحاولة باريس التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر.
في هذا الخصوص، أكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة 20 أوت 1955 في سكيكدة، الدكتور عزالدين نميري، أن ندية الجزائر وحصافة دبلوماسيتها أربك صناع القرار في فرنسا، وجعلت تصرفاتهم مجرد مادة استهلاكية موجهة للرأي العام المحلي السّاخط على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في هذا البلد.
وقال الدكتور عزالدين نميري، في تصريح خص به «الشعب»، إن التصعيد الفرنسي اليومي، وآخره محاولة استفزاز الجزائر باتفاقية سنة 2013، لا يعدو كونه سلوكا فرنسيا مستهلكا وخرجات أقل ما يقال عنها إنها صبيانية، تُعبِّر عن مستوى سياسي منحط لساسة باريس، لم تعرفه الجمهورية الخامسة قط منذ عقود.
وأوضح نميري، أن جميع المتابعين صاروا يلاحظون أن أيّ عمل تقوم به الحكومة الفرنسية تجاه الجزائر، هو في الحقيقة ينطوي على دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، من خلاله تحاول توجيه وإلهاء الرأي العام الداخلي وصرفه نحو مشاكل خارجية مصطنعة، حيث وصل الأمر بالإليزيه إلى تحريض بعض دول الاتحاد الأوروبي على الوقوف ضد مصالح الجزائر والمساس بسيادتها في الكثير من المحطات.
وفي ما تعلق بفرض التأشيرة على الدبلوماسيين الجزائريين من طرف السلطات الفرنسية، فقد قابلته ندية ومعاملة صارمة بالمثل من طرف الحكومة الجزائرية، التي لم تتوان أبدًا في ردّ الصاع صاعين عن أي محاولة يائسة وبائسة تطالها من خلال الضغط أو الابتزاز أو الاستفزاز، من منطلق دولة محورية ذات سيادة لا يمكن أن تقبل بأي مساومة على استقلالية قرارها وحرمة إرادتها، وفقا للمتحدث ذاته.
وأضاف نميري، أن سبب العداء الفرنسي للجزائر في الآونة الأخيرة، يندرج في شقين أساسيين؛ الأول داخلي ويرتبط بالمشاكل المهنية والاجتماعية التي يعانيها المجتمع الفرنسي، خاصة الطبقة الشغيلة نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، وغلق الكثير من المؤسسات، وتوقف أغلب الاستثمارات، وزيادة حدة البطالة، وعدم التوافق بين أعضاء الحكومة، وكذا زيادة حجم الاختلاف داخل الائتلاف الحاكم.
وفي الشق الخارجي، هُمِّشت فرنسا وأصبحت بعيدة عن كونها لاعبا مهمّا في النظام العالمي، وتراجع دورها على كافة الأصعدة، بدليل أنها صارت غائبة عن صناعة القرار في المحافل الدولية، ولم تجد بديلا للتغطية عن ذلك إلا اصطناع أزمة مع الجزائر لإلهاء الرأي العام المحلي بها.
وتابع الأستاذ، «ظلت الدبلوماسية الجزائرية تمارس مهامها بفعالية ونجاح باهر على المستويَيْـن الإقليمي والدولي، لاسيما مع مساهمتها في حلحلة الكثير من القضايا والأزمات، ودورها الريادي في مجلس الأمن الدولي، وبعض الهيئات القارية مثل الاتحاد الأفريقي، أين طالب الكثير من الأفارقة بانخراطها بشكل أكبر في تسوية النزاعات بين الأفارقة، في ضوء خروج فرنسا وفقدانها امتيازاتها المالية والاقتصادية من المنطقة، مما انعكس سلبا على معيشة الشعب الفرنسي، وأصبح لا يعيش حياة الرفاه مثلما كان عليه الحال في السابق».
كما فتحت الجزائر الباب على مصراعيه لتنويع شراكاتها وتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية مع أصدقائها وحلفائها شرقًا وغربًا، وفق مبدإ الندية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعلى قاعدة رابح- رابح، بالتوازي مع تقزيم وإهمال بعض الدول الأخرى التي لاتزال حبيسة عقدتها الاستعمارية الخبيثة، وأوهامها الرعناء في الهيمنة والسيطرة على الدول، يذكر نميري.
وأردف الباحث: «يمكن القول إن الجزائر من خلال بيانها الأخير حول نقض اتفاقية سنة 2013، وإنهاء وجودها بحد ذاتها، ودعوتها إلى ضرورة إرسال وفد فرنسي لمناقشة إعادة النظر في تسديد حقوق استغلال المقرات التابعة للسفارة الفرنسية على أرض بلد الشهداء، باتت في موقع تفاوضي ندي أقوى، أربك ساسة الإليزيه، سيكون وفق شروطها ومصالحها العليا، خاصة مع اقتناع جميع الدول بأن باريس هي من بحاجة للجزائر وليس العكس».
الدبلوماسية الجزائرية تمارس دورها بهدوء وحكمة في الإقليم والعالم، بعيدًا عن التهريج والضجيج والفولكلور الشعبوي، كما يفعل ساسة الإليزيه ووزراء حكومته المعتوهين، الذين انتهكوا شرف فرنسا وأسقطوا هيبتها إلى الحد الذي صارت فيه دول صغيرة في عمق إفريقيا تقارعهم وتطاردهم بين أدغالها وصحاريها، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة 20 أوت 1955 بسكيكدة، الدكتور عزالدين نميري.
من جهته، أفاد الخبير والباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الثامن ماي 1945 بقالمة، الدكتور وديع مخلوف، بأن الرد الجزائري على استفزاز الرئيس الفرنسي القاضي بتعليق اتفاقية عام 2013، كان بِبُعدٍ سيادي، ومنطلقه الندية في التعاملات الجزائرية الخارجية، فضلاً عن المبدإ الجزائري الدبلوماسي الراسخ المتمثل في المعاملة بالمثل، مهما كان الطرف الآخر صغيرا أو كبيرا.
وأبرز الدكتور وديع مخلوف، في تصريحه لـ «الشعب»، أنه خلال كل مراحل الأزمة بين الجزائر وفرنسا، لم يتراجع بلد الشهداء قيد أنملة عن مبادئه ومنطلقاته التاريخية العريقة في سياسته الخارجية، وبرصيده ومكانته محل احترام في العالم أجمع، لن يرضخ أبدا لهكذا استفزازات فرنسية حمقاء، هدفها إقامة الحجة على الطرف الجزائري. غير أن الواقع يؤكد، بلا أي مجال للشك، أن باريس الرسمية هي التي تخلت عن التزاماتها في السابق وحاليا، إضافة إلى تنصلها من مسؤولياتها وجرائمها الاستعمارية النكراء.
وأشار وديع، إلى أن تصرفات باريس المتهورة وغير المطابقة لمبادئ القانون الدولي، هي التي أوصلت العلاقات الجزائرية- الفرنسية إلى ما هي عليه اليوم من تشنج وتصعيد خطير.
واسترسل الخبير: «بالرجوع للتعاملات الفرنسية نرى أنها تكتسي طابع الاستعلاء، والتدخل في الشؤون الداخلية، والوصاية والهيمنة والتوهم بأمجاد الماضي الاستعماري البغيض. ونلاحظ أن رد الجزائر كان قويًا وقد أرجع باريس الرسمية لموقعها وحجمها الحقيقيين، حتى يبقى ذلك عبرة لصُناع القرار القادمين واللاحقين، ولا تُتَّخذ العلاقات الجزائرية- الفرنسية والجالية الوطنية في الخارج كورقة سياسية داخلية لاستثمارها في أي مسعى داخلي مصلحي، لاسيما من اليمين واليمين المتطرف».
مستقبل العلاقات الجزائرية- الفرنسية، يتّجه إلى مزيد من التصعيد في ظل تعنُّت الجانب الفرنسي ورضوخه لسياسات اليمين المتطرف الانتخابية، مع تغييب أي دور للعقلاء وصوت الحكمة داخل الجمهورية الخامسة المُثقلة بديونها التريليونية، وأزماتها الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، يختم الدكتور وديع مخلوف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19846

العدد 19846

الإثنين 11 أوث 2025
العدد19845

العدد19845

الأحد 10 أوث 2025
العدد 19844

العدد 19844

السبت 09 أوث 2025
العدد 19843

العدد 19843

الخميس 07 أوث 2025