وفـد رسمـي يتقـدمـــه مدير ديوان الرئاسة ووزراء الداخلية والنقــل والري بمكـان الكارثـة
تجديـد الحظيرة المرورية وتكــويــن الـســائقــين.. ضــرورة لحمــايـــة الأرواح
الملازم نسيم برناوي لـ «الشعب»: تسخـير 25 سيــارة إسعاف و16 غطاسا و4 زوارق وفرق متخصصة
محمد كـواش لـ «الشعــب»: إرهـاب الطرق وغيــاب التكويـن.. سببـان خــلــف المـأساة
تعيش الجزائر حالة من الحزن بعد الفاجعة المأساوية التي شهدتها منطقة المحمدية، حيث انحرفت حافلة وسقطت من على جسر إلى مجرى وادي الحراش، ما أسفر عن وفاة 18 شخصا وإصابة 24 آخرين بجروح متفاوتة، بينهم حالتان خطيرتان.
هذا الحادث الأليم هزّ مشاعر المواطنين، وأعلن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أمس، حدادا وطنيا ليوم واحد، مع تنكيس الأعلام، تعبيرا عن التضامن مع عائلات الضحايا.
بحسب مصادر من عين المكان لـ «الشعب»، فإن الحافلة تربط بين الخطوط الداخلية لولاية الجزائر وكان على متنها ركاب متجهين نحو وسط المدينة عندما فقد السائق السيطرة عليها، لتسقط في المجرى بشكل مأساوي.
فرق الإنقاذ والأمن وصلت بسرعة إلى الموقع، ونقلوا المصابين إلى المستشفيات القريبة لتلقي العلاج اللازم.
كما أضاف أحد الشهود بالمنطقة، أنهم رأوا الحافلة تنحرف فجأة قبل سقوطها في المجرى وأن الصرخات والهلع سيطرا على الركاب، بعضهم من أبناء المنطقة حاولوا تقديم المساعدة مباشرة، بينما انتظر آخرون وصول فرق الإسعاف، خاصة وأن مكان سقوط الحافلة كان عبارة عن بلوعة صعبة. وأشار شهود آخرون إلى أن سرعة الحافلة كانت عالية نسبيا، ما جعل الحادث أكثر مأساوية.
حصيلة ثقيلة
من جهته، قال الملازم برناوي نسيم، المكلف بالإعلام على مستوى المديرية العامة للحماية المدنية، في تصريح لـ»الشعب»، إن الحادث الذي وقع، مساء الجمعة، حوالي الساعة 17:45، تمثل في انحراف حافلة كانت تربط بين خط الرغاية والعاصمة، وسقوطها من على جسر إلى مجرى وادي الحراش، وكانت تقل 42 راكبا، توفي منهم 18، فيما أصيب 24 آخرون، منهم 2 في حالة خطيرة.
وأوضح برناوي، أن المصابين تلقوا الإسعافات الأولية، وتم نقلهم بسرعة إلى المستشفيات القريبة، وهي مستشفى سليم زميرلي بالحراش والمستشفى الجامعي مصطفى باشا. وأضاف، أن عمليات الإنقاذ سخرت لها 25 سيارة إسعاف، و5 زوارق مطاطية، و16 غطاسا، بالإضافة إلى كل المعدات الضرورية.
وبالنسبة للجانب الوقائي، أوضح برناوي أن المديرية العامة للحماية المدنية ستخصص برامج توعوية مكثفة بعد هذا الحادث، وتشمل هذه البرامج تنظيم حملات إعلامية حول مخاطر السرعة المفرطة أثناء القيادة، وطرق التصرف في الحالات الطارئة، وتدريب السائقين على تقنيات السلامة، إلى جانب جلسات تحسيسية للركاب حول أهمية الالتزام بإجراءات الأمن والسلامة.
متابعة دقيقة وتكفل صحي شامل
بدورها وزارة الصحة أصدرت آخر المستجدات حول الحادثة، أين أكد وزير الصحة أن ضحايا حادثة وادي الحراش كانوا من مختلف الولايات، وتم أمس نقل جثامينهم لتشييعها. وأوضح، أن 13 من الضحايا تشيع جنازاتهم بالعاصمة والآخرون بولاياتهم، وحضر الوزير شخصيا مراسم التأبين.
وأضاف ذات المصدر، أن الضحايا المصابين يتلقون حاليا الرعاية اللازمة على مستوى أكبر المستشفيات بالعاصمة، مشيرا إلى أن وضعهم الصحي مستقر. كما أشار إلى أن عدد المواطنين الذين دخلوا الوادي لتقديم المساعدة وصل إلى عشرة أشخاص، وتم التكفل بهم في مستشفى القطار وجميعهم بصحة جيدة ولا خطر عليهم.
كما أشاد وزير الصحة بالدور الفعال والفوري الذي قامت به المؤسسة العسكرية في التكفل بجرحى الحادث على مستوى مستشفى عين النعجة، مؤكدا تجند جميع الطواقم الطبية وشبه الطبية قصد ضمان التكفل الأمثل بجميع الجرحى.
تطوير منظومة التكوين
من جهته، قال رئيس الأكاديمية الوطنية للسلامة المرورية والأمن عبر الطرق شقيان علي، في تصريح لـ»الشعب»، إن الجزائر تشهد اليوم خسائر كبيرة بسبب حوادث المرور، حيث تجاوز عدد الضحايا 3700 شخص خلال سنة واحدة، أي بمعدل يزيد عن 300 وفاة شهريا، كما تكلف هذه الحوادث الخزينة العمومية أكثر من 140 مليون دولار سنويا نتيجة الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية.
وأوضح المتحدث، أن حوادث المرور تعتبر من أخطر التحديات التي تواجه بلادنا اليوم، إذ أن أغلب أسبابها مرتبطة بالسلوك البشري، خاصة عند الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و29 سنة، وهم الفئة الأكثر تورطا في هذه الحوادث، ويرجع ذلك غالبا إلى قلة الخبرة في السياقة، إذ أن كثيرا منهم لا يملكون سوى بضع سنوات فقط في ممارسة القيادة.
من بين أبرز العوامل المسببة لهذه الحوادث، نذكر السرعة المفرطة، المناورات الخطيرة، نقص الوعي المروري، إضافة إلى غياب تكوين شامل للسائقين، لذلك أصبح من الضروري تطوير منظومة التكوين لتكون أكثر فعالية، من خلال إدراج برامج تقنية ونظرية حديثة، والاستفادة من الرقمنة في الامتحانات والمسابقات الخاصة برخص السياقة، بدل الاعتماد فقط على الطرق الكلاسيكية.
كما أن فئة سائقي النقل الجماعي تحتاج إلى تكوين خاص ومكثف، نظير مسؤوليتهم الكبيرة في نقل عشرات الركاب يوميا، ولهذا جاء القانون 17-05 ليفرض عليهم شهادة كفاءة مهنية إضافية تضمن تكوينا أوسع يشمل السياقة الدفاعية والاحترافية، وهو ما يساهم في رفع مستوى السلامة على الطرق.
إضافة إلى ذلك، تعمل وزارة الداخلية على تفعيل نظام رخص السياقة بالتنقيط، الذي أثبت نجاحه في عدة دول، هذا النظام يتيح مراقبة أفضل لسلوك السائقين، حيث يتم سحب النقاط عند ارتكاب مخالفات، مع فرض تكوينات إضافية أو غرامات مالية قد تصل إلى مبالغ كبيرة، أما في حالة المخالفات الخطيرة، فقد يصل الأمر إلى تدخل العدالة بعقوبات رادعة.
في هذا الإطار، يشدّد المتحدث على ضرورة إعادة النظر في تصنيف بعض المخالفات واعتبارها جرائم ضد الأمن المروري، مع اعتماد نظام معلوماتي وطني لتصنيف السائقين ومعالجة كل فئة على حدة. هذه الإصلاحات ستساهم في تقليص حوادث المرور وحماية الأرواح وضمان انضباط أكبر في الطرق.
ويعد الإرهاق من أبرز أسباب حوادث المرور لدى سائقي الحافلات، خاصة في الرحلات الطويلة ومع ارتفاع درجات الحرارة، لذلك يوصى بوجود سائق مرافق للتناوب على القيادة، مع تحديد مسافة قصوى لا تتجاوز 450 إلى 500 كيلومتر للسياقة المتواصلة، ما يضمن راحة السائق ويقلل من خطر الحوادث.
تجديد الحظيرة المرورية
كما أن حالة المركبات تؤثر بشكل مباشر على سلوك السائقين، فالحافلات القديمة أو غير المطابقة لمعايير السلامة، خصوصا إذا كانت تتعرض لأعطال في المكابح أو أنظمة الأمان، تزيد من الضغط النفسي وتدفع إلى سلوكيات خطيرة أثناء القيادة ومن هنا تأتي أهمية الجمع بين توفير سائقين مرافقين وصيانة المركبات لضمان سلامة الركاب والطريق.
وأشار المتحدث إلى أن الحظيرة الوطنية للحافلات تعاني اهتراء كبيرا، حيث أن عددا معتبرا منها أصبح قديما وغير صالح للاستعمال، وهو ما يفسر تزايد حوادث السير المتكررة. وفي ظل وجود ما يقارب 120 ألف حافلة بالعاصمة وحدها، أصبح من الضروري إعادة النظر في وضعية هذه المركبات وتجديد الأسطول لضمان سلامة المواطنين.
كما عرج على حالة الطرق التي تحتاج -بحسبه- إلى بيئة مرورية سليمة، خاصة في موسم الاصطياف، الذي يشهد حركة سير كثيف وحوادث متزايدة، ما يفرض ضرورة تفعيل اللجان الولائية للأمن المروري وتطوير وسائل الرقابة، مثل الإشارات الذكية والرادارات والكاميرات، مع تشجيع مبادرات المواطنين في التبليغ عن المخالفات، غير أن ذلك يبقى غير كاف من دون وعي مروري حقيقي وصرامة في تطبيق القوانين.
وتحدث رئيس الأكاديمية عن مناقشة عدة نقاط مهمة، في هذا السياق، حيث لم يكتف بالحملات التحسيسية فقط، بل تم التركيز على تقديم اقتراحات عملية لمجابهة أخطار الطرق. هذه المقترحات طرحت على المؤسسة التشريعية من خلال المجلس الشعبي الوطني، وعلى مختلف الهيئات بهدف إعادة النظر في المنظومة القانونية الخاصة بالنقل بما يتماشى مع الواقع الحالي. كما تم التطرق إلى دور وزارة النقل ووزارة الأشغال العمومية، واقتراح استحداث منصة رقمية لرصد ومعالجة النقاط السوداء على الطرق.
التكوين والرقابة لوقف المجازر
من جهته أكد الخبير في السلامة المرورية محمد كواش لـ»الشعب»، أن حادثة وادي الحراش تعد من أبشع الحوادث التي عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة، حيث تعكس تطور حوادث المرور من مجرد مخالفات إلى ما يشبه «إرهاب الطرق» والمجازر المرورية التي تحصد عائلات كاملة.
وأوضح الخبير، أن من بين الأسباب الأولية لحوادث الحافلات، قِدَم الحظيرة الوطنية، إذ أن معظمها يتجاوز عمره عشرين سنة، مع غياب قطع الغيار الأصلية وانتشار المقلدة، إضافة إلى سوء حالة العجلات والحافلات بصفة عامة، كما أن الحافلة المعنية كانت صغيرة مخصصة لـ27 مقعدا، لكنها كانت تقل 42 راكبا، بينهم أكثر من عشرة واقفين، ما أثر على توازنها.
وأضاف في ذات السياق، من بين النقاط الخطيرة أيضا أن السائق لم يخضع إلى تكوين في السياقة الاحترافية أو الإسعافات الأولية، بل مجرد شخص ينوب عن السائق الأصلي، وهو ما يخالف تماما شروط الأمن والسلامة، إضافة إلى غياب الصيانة والمراقبة التقنية التي تعد سببا رئيسيا في هذه المآسي.
كما أوضح الخبير، أن غياب التكوين المتخصص في السياقة الاحترافية يعد من أبرز مشاكل النقل في الجزائر، حيث يقتصر التكوين على الأساسيات دون اعتماد السياقة الدفاعية أو الوقائية، في حين أن الدول المتقدمة تخصص برامج تدريبية لكل نوع من النقل، كالحافلات السياحية، سيارات الإسعاف أو نقل المحروقات، لذلك تبرز الحاجة إلى مؤسسات نقل عمومية أو خاصة تخضع لمعايير واضحة ومراقبة صارمة، على غرار ما هو معمول به في المطارات، لضمان نقل أكثر أمانا وتنظيما.
وعليه، رغم ألم الفاجعة، يبقى الأمل في أن تكون درسا يقودنا إلى طرق أكثر أمانا وسلامة، بتكاتف جهود الدولة والمواطنين، وبالوعي والصرامة في احترام القوانين، فحماية الأرواح واجبة إذا عملنا معاً بجد ومسؤولية.