مأساة واد الحراش كشفت ضعف المنظومة التكوينية
تطوير برامج التكوين وجعلها أكثر شمولية وواقعية.. ضرورة حيوية
احترام قانون المرور مسؤولية أخلاقية وليس التزاما قانونيا فقط
مع تزايد حوادث المرور وما تسبّبه من خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، أصبح التكوين الجيد للسائقين ضرورة أساسية، وليس مجرّد خطوة للحصول على رخصة السياقة، فمدارس تعليم السياقة لم يعد يقتصر دورها على تعليم القيادة فقط، بل يجب أن تسلّط الضوء على نشر ثقافة الحذر والوعي، وتشجيع السائقين على اعتماد “السياقة الوقائية” لحماية أنفسهم والآخرين.
في الجزائر، تسجّل الطرقات كل سنة آلاف الحوادث التي تودي بحياة المئات وتخلّف خسائر مادية كبيرة، هذا الواقع جعل موضوع تكوين السائقين أكثر إلحاحا، حيث أصبح من الضروري تحديث برامج التكوين ومناهج مدارس السياقة، فالتحديات المرورية اليوم تتطلب مقاربة جديدة تقوم على رفع مستوى الوعي، إدخال وسائل حديثة في التكوين، وتشديد الرقابة حتى بعد منح رخص السياقة، من أجل الحد من حوادث الطرقات وحماية الأرواح.
في هذا الصدد، صرّح عضو المكتب الوطني لمدارس تعليم السياقة، الحاج بن صغير، لـ«الشعب” أنّ البرنامج الحالي لتكوين المتربّصين محدود جدا، إذ لا يتجاوز 25 ساعة من التدريب، وهو ما لا يكفي لإعداد سائق قادر على مواجهة مختلف الظروف والمواقف الصعبة، لذلك، “أجدّد الدعوة إلى مراجعة هذا البرنامج من خلال زيادة ساعات التكوين وإدماج دروس تطبيقية مكثفة، خاصة في ظروف حساسة مثل الطرق المبتلة أو المظلمة أو السريعة، بما يتيح للسائقين اكتساب ردود فعل سليمة في المواقف الطارئة”.
وفي السياق، تعمل المنظمة الوطنية لمدارس تعليم السياقة بتنسيق دائم مع مختلف الهيئات الأمنية والوقائية، على غرار الدرك الوطني، الشرطة والحماية المدنية، من أجل تنظيم حملات تحسيسية وتوعوية عبر كامل التراب الوطني، وتهدف هذه الجهود إلى ترسيخ ثقافة وقائية جماعية، حيث يصبح احترام القانون والتحلي باليقظة سلوكا يوميا للسائق، لا مجرّد التزام ظرفي.
أما عن الحوادث المأساوية التي تشهدها الطرقات، وعلى رأسها فاجعة واد الحراش الأخيرة، قال المتحدث إنها أعطت دروسا مؤلمة في أن التكوين النظري وحده لا يكفي، فالكثير من السائقين، خصوصا في قطاع النقل الجماعي، يتحصّلون على رخص القيادة دون أن يمتلكوا الخبرة الكافية أو الوعي بمسؤولياتهم، لهذا، أكّد بن صغير على ضرورة إدماج تكوين إضافي ومتابعة دائمة حتى بعد منح الرخصة، بما يسمح بتطوير مهارات السائقين وضمان تأقلمهم مع مختلف المواقف الصعبة.
وأضاف يقول إنّ العديد من الدول المتقدمة اعتمدت أجهزة محاكاة حديثة ضمن برامج التكوين، تسمح بمحاكاة مواقف خطيرة لا يمكن توفيرها في الواقع، مثل فقدان الفرامل أو الإنزلاق المفاجئ، وقال إنّ هذه التقنيات- رغم غيابها في الجزائر - تمثل أداة فعالة لرفع كفاءة السائقين وتأهيلهم للتعامل مع الحالات الطارئة بأمان.
أما بالنسبة لقطاع النقل الجماعي، فيرى المتحدث أنه يتحمل مسؤولية مضاعفة، إذ يتعلّق الأمر بحياة العشرات من الركاب، وليس بالسائق وحده، ولهذا تعطي مدارس تعليم السياقة في برامجها أهمية خاصة لهذا الجانب، من خلال تعليم السائقين كيفية التعامل مع الأمتعة داخل الحافلة بطريقة آمنة، وتذكيرهم دائما بأنّ حياة المسافرين أمانة في أعناقهم، غير أنّ هذه الجهود - بحسبه - تحتاج إلى متابعة صارمة من السلطات لضمان تطبيقها على أرض الواقع.
وشدّد محدثنا على أنّ نجاح هذه البرامج لا يقتصر على التكوين الأولي للسائقين فقط، بل يتطلّب دورات تدريبية متجدّدة ترافقهم طوال مسارهم المهني، حتى يظلوا مواكبين للتطورات الجديدة في قوانين المرور وأساليب السياقة الحديثة، وهو ما يساهم في رفع مستوى السلامة ويعزّز ثقة الركاب في وسائل النقل الجماعي.
واستطرد الحاج بن صغير يقول إنّ “تحسين تكوين السائقين هو الحل الأمثل للحد من الحوادث المرورية، فكلما كان السائق أكثر وعيا وتكوينا، قلّت الخسائر البشرية والمادية، لذلك أدعو إلى تطوير البرامج الحالية وجعلها أكثر شمولية وواقعية، مع اعتماد وسائل بيداغوجية حديثة تساعد المتربّصين على اكتساب سلوك وقائي دائم”.
وأوضح بن صغير أنّ هذه البرامج يجب أن تكون عملية أكثر، فلا تكفي الدروس النظرية وحدها، بل من المهم تدريب السائقين على مواقف حقيقية قد يواجهونها في الطريق، مثل القيادة تحت المطر أو التعامل مع مفاجآت حركة المرور، فبهذه الطريقة يتعود المتربّص على التصرف بهدوء ومسؤولية، ويصبح أكثر وعيا بخطورة الطريق، ممّا يساعد في التقليل من الحوادث وحماية الأرواح.
في ختام حديثه، دعا عضو المكتب الوطني السائقين إلى التحلي بالوعي والانضباط، مؤكّدا أنّ احترام قوانين المرور ليس مجرّد التزام قانوني، بل هو مسؤولية أخلاقية لحماية حياة الآخرين، وأوضح أنّ أي تهور بسيط أو مخالفة صغيرة قد تتحول في لحظة إلى مأساة تودي بأرواح بريئة.
كما طالب الجهات المعنية بضرورة الإستثمار أكثر في تكوين السائقين، مؤكّدا أنّ هذا التوجّه هو السبيل الأمثل للحد من الحوادث المتكرّرة، فالتكوين الجيد، هو أساس بناء جيل من السائقين المسؤولين القادرين على قيادة آمنة تساهم في تقليل الخسائر البشرية والمادية على الطرقات.