تحذير أممي من تدهور الأوضاع في الأراضي المحتلة

اعتداءات مغربية ممنهجة برتبة جرائم حرب

علي مجالدي

 تجاوزات صارخة لكل المواثيق والأعراف الدولية

تتصاعد نبرة التحذير الأممي من تدهور الأوضاع في الأراضي الصحراوية المحتلة، إذ عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلقه «البالغ» إزاء استمرار انتهاكات الاحتلال المغربي لحقوق الإنسان في الإقليم.

الموقف الأممي ليس مجرد صياغة دبلوماسية اعتيادية، بل هو مؤشر على انسداد أفق طال أمده، حيث تتراكم شهادات الضحايا وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، لتؤكد أن الممارسات في الصحراء الغربية تتجاوز حدود التضييق العابر لتدخل في خانة ممنهجة تطمس معالم الحق في الحرية والكرامة. وما يجري في المدن الصحراوية المحتلة ليس فقط ملفا حقوقياً، بل هو مرآة لصراع إرادات دولية وإقليمية، تتقاطع فيها المصالح مع حسابات الاحتلال المغربي، تاركة الشعب الصحراوي في عزلة مزدوجة؛ عزلة المكان وعزلة الحقوق.
في هذا السياق، يوضح تقرير الأمين العام الأخير، الذي يغطي الفترة من جوان 2024 إلى جويلية 2025، أن السلطات المغربية لاتزال ترفض، منذ سنة 2015، دخول بعثة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى الأراضي المحتلة، في خرق مباشر لقرارات مجلس الأمن وآخرها القرار 2756 لسنة 2024.
 ويكشف هذا الرفض رغبة واضحة في إغلاق المجال أمام أي رصد مستقل ومحايد، وهو ما يجعل تقييم الوضع الحقوقي مهمة شاقة، تعتمد بالأساس على شهادات محلية وتقارير منظمات صحراوية ودولية نجحت في تجاوز القيود.
 في سياق متصل، أظهرت المعطيات أن عشرات المراقبين الدوليين، من برلمانيين وباحثين وصحفيين ومحامين، تعرضوا للمنع من الدخول أو الطرد، مما يعكس عزماً على التعتيم وحجب الحقائق.
ولا يقتصر التوثيق على الأمم المتحدة، بل إن منظمات مستقلة قدّمت أرقاماً صادمة تؤكد حجم الانتهاكات. فقد سجلت رابطة أسر السجناء والمختفين الصحراويين (AFAPREDESA) نحو 890 حالة اختفاء قسري منذ عام 1975، بينها ما لا يقل عن 530 مفقوداً لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم، فيما توفي نحو 50 معتقلاً أثناء الاحتجاز.
كذلك تشير تقارير «هيومن رايتس ووتش» إلى أن 19 سجيناً صحراوياً من مجموعة أكديم إزيك لايزالون يقضون أحكاماً طويلة منذ محاكمات 2013 و2017، بعضها بالسجن المؤبد، في محاكمات غير عادلة واعتمدت على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب.
في نفس السياق، توثق «أمنيستي» ظروفاً مروعة داخل السجون، تشمل التعذيب، العزلة الطويلة، الحرمان من العلاج الطبي والتضييق على العائلات. أما «فريدم هاوس» فقد سجلت عام 2017 محاكمة 23 مدنياً صحراوياً على أساس اعترافات منتزعة تحت التعذيب، مؤكدة غياب استقلالية القضاء في الأراضي المحتلة.
بالإضافة إلى ذلك، تكشف تقارير المنظمات الحقوقية عن تقلص متزايد في الحيز المدني، حيث جرى قمع احتجاجات سلمية وملاحقة فعاليات داعمة لتقرير المصير، في حين تعرضت المدافعات الصحراويات عن حقوق الإنسان لاستهداف خاص، يجمع بين المضايقات الأمنية والوصم الاجتماعي. ويبرز مثال النشطة الصحراوية التي وُضعت رهن الإقامة الجبرية منذ نوفمبر 2020 وتعرضت لاعتداءات بدنية وجنسية خطيرة، ما يعكس حجم المخاطر التي يواجهها المدافعون عن الحقوق.
هذا الواقع يتناقض بشكل صارخ مع المواثيق الدولية التي تكفل الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، وهو ما يثير تساؤلات حول جدوى عضوية المغرب في مجالس وهيئات حقوقية دولية، بينما يمارس سياسة متناقضة على أرض الواقع.
وإلى جانب هذه الانتهاكات المباشرة، يبرز البعد الاقتصادي بوصفه وجهاً آخر من أوجه الطمس الممنهج للحقوق، إذ يجري نهب الثروات الطبيعية للإقليم من فوسفات وصيد بحري، في الوقت الذي يعيش فيه السكان الأصليون على هامش التنمية المزعومة. وتُشير منظمات متخصصة إلى أن عقود الاستثمار التي يبرمها الاحتلال مع شركات متعددة الجنسيات لا تراعي أبسط معايير استشارة الشعب الصحراوي، بل تفرض واقعاً اقتصادياً يعمق من التبعية والحرمان.
الإصرار المغربي على ربط الأمن بالسيطرة، والاقتصاد بالنهب، والشرعية بالدعاية، يجعل من الأراضي الصحراوية المحتلة مختبراً لسياسات قمعية معقدة. علاوة على ذلك، فإن الحصار الإعلامي المضروب على الإقليم يزيد من تعقيد الموقف، حيث يندر وصول المعلومة الدقيقة من الداخل، فيما يُجرّم النشاط الرقمي ويُلاحق المدونون لمجرد نشرهم صوراً أو شهادات عن التظاهرات.
في نفس السياق، يشدد غوتيريش على أن غياب رصد مستقل لحقوق الإنسان لا يمكن أن يستمر، داعياً إلى تغيير المسار بشكل عاجل. لكن، وبالعودة إلى موازين القوى، يتضح أن مجرد الدعوات لن تكون كافية ما لم يقترن الأمر بإرادة سياسية دولية تدفع نحو فرض آلية مراقبة أممية دائمة وملزمة، وتضع حدًّا لسياسة الإفلات من العقاب.
هكذا، ومع اقتراب النزاع من ذكراه الخمسين، يتأكد أن القضية الصحراوية لم تعد مجرد ملف إقليمي، بل تحولت إلى اختبار لمصداقية النظام الدولي ذاته في حماية الشعوب من الاستعمار المقنع. وبالطبع، فإن استمرار هذا الوضع لن يفضي إلا إلى مزيد من التوترات وعدم الاستقرار في منطقة الساحل والمغرب العربي. وتدهور أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة ليس مجرد عرض جانبي لنزاع طويل، بل هو جوهر الأزمة ومفتاح الحل في الآن ذاته، إذ لا يمكن لأي تسوية سياسية أن تكتسب مشروعيتها ما لم تكفل للشعب الصحراوي حقوقه الأساسية في الحرية والكرامة وتقرير المصير.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19857

العدد 19857

الأحد 24 أوث 2025
العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025
العدد 19854

العدد 19854

الأربعاء 20 أوث 2025