معرض التجارة البينية فرصة تاريخية لتعزيز الاستثمار المشترك
ينتظر من الجزائر أن تضطلع بدور ريادي في بناء التكامل التجاري والاقتصادي الإفريقي المنشود، وتحويل الطموح إلى واقع ملموس، باعتبار أن الرهان قائم على التجسيد. ويمثل المعرض الإفريقي للتجارة البينية في طبعته الرابعة بوابة للفرص المتعددة والثمينة، بفضل أجندة مكثفة وبرنامج استثنائي ومشاركة قياسية مرتقبة تمتد على مدار أسبوع كامل. ويتوقع أن يدعم هذا المعرض اندماج الجزائر في سلاسل القيمة الإفريقية، لأنه يشكل فرصة لترسيم محور الجزائر- إفريقيا كخيار استراتيجي بديل عن أسواق أخرى.
اعتبر الخبير الاقتصادي نبيل جمعة، في قراءة مستفيضة لأهمية التظاهرة الاقتصادية الإفريقية، المرتقب تنظيمها بالجزائر مع بداية الدخول الاجتماعي المقبل، أن المعرض الإفريقي للتجارة البينية يحمل جملة من الأهداف الإستراتيجية، مؤكداً أنه ليس مجرد تظاهرة اقتصادية، بل يكتسي أبعاداً إستراتيجية ثقيلة الوزن، بصفته همزة وصل بين الاقتصاد والتجارة والدبلوماسية الاقتصادية. ويتواجد المعرض في قلب مشروع التكامل القاري الإفريقي، الذي يقوده الاتحاد الإفريقي من خلال منطقة التجارة الحرة «زليكاف». وأوضح الخبير، أن الرهان يرفعه الجميع من أجل إنجاح الحدث، في ظل وعي كبير بضرورة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة حتى لا تبقى حبراً على ورق.
ومن بين الأهداف التي أشار إليها الخبير، رفع حجم التجارة البينية الإفريقية-الإفريقية، التي لا تتجاوز حالياً 15٪ من حجم التجارة الكلية للقارة، مع السعي لزيادتها إلى ما بين 30 و40٪.
بناء شبكات توزيع جديدة
وأشار الخبير جمعة، إلى أن المعرض من شأنه تعزيز الاستثمار المشترك. موضحاً أن الأفارقة، بخلاف الأوروبيين، لم يكونوا في السابق يبرمون اتفاقيات شراكة إلا في حالات قليلة، في حين أن الطموح اليوم كبير لجذب شراكات في قطاعات حيوية، مثل الفلاحة والصناعة والخدمات بين الشركات الإفريقية. وأكد أن الهدف هو ولادة شركات جزائرية- إفريقية جديدة، بعيداً عن النمط التقليدي للتجارة والتعاون، الذي كان يتم غالباً مع دول خارج القارة. كما شدّد على أن هذه التظاهرة ستعزز الاستثمار المشترك.
ويحمل المعرض في طبعته الرابعة فرصاً متكافئة لمختلف الدول الإفريقية، حيث ستتمكن الجزائر وعدة دول أخرى من فتح أسواق جديدة لمنتجاتها الوطنية، خاصة أنها تبحث عن منافذ بديلة للأسواق الأوروبية التقليدية، في ظل تطور قاعدتها الصناعية والفلاحية وجودة منتوجها. ومن بين هذه الفرص، ذكر الخبير إدماج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلاسل القارية للتوريد، بما يرفع من فرص التشغيل ويقلص التبعية للأسواق العالمية. كما أشار إلى حرص الجزائر ودول إفريقية أخرى، على عرض منتجاتها بقدرة تنافسية معتبرة، وبناء شبكات توزيع جديدة، وتوقيع عقود اقتصادية وتجارية، منها عقود تصدير، وهو ما سيسمح بإعادة رسم خارطة اقتصادية ناشئة للقارة، معوّلاً على الجزائر كبوابة رئيسية للتبادل بين شمال وجنوب إفريقيا.
تكثيف شبكة الشركاء
كما تطرق الخبير إلى دور الدبلوماسية الاقتصادية الإستراتيجية في تحويل الجزائر إلى منصة استثمارية للمستثمرين الأفارقة، لتكون نقطة التقاء بين المتعاملين الأفارقة ونظرائهم من قارات أخرى، الأمر الذي يعزز صورة الجزائر كقوة اقتصادية إقليمية، بفضل قدرتها على توفير فرص إبرام العقود، وما تملكه من إمكانات لوجستية وبنى تحتية متطورة. وأكد أن ذلك يساهم في اندماج الجزائر بسلاسل القيمة الإفريقية، باعتبارها بلداً ناشئاً يمتلك فلاحة وصناعة متطورة، إلى جانب الطاقة والموارد البشرية المؤهلة والتكنولوجيا. وسلط الخبير جمعة، الضوء على الآثار الإيجابية المنتظرة من هذا المعرض الإقليمي، مشيراً إلى أنه سيشكل منصة لتسويق المنتجات الجزائرية، مثل الصناعات التحويلية والأدوية والإسمنت والمعادن والمنتجات الفلاحية إلى الأسواق الإفريقية. كما يعزز دور الجزائر كمحرك محوري للتكامل الاقتصادي الإفريقي وممر لوجستي وتجاري رئيسي، بالنظر إلى شبكة الطرق والسكك الحديدية الرابطة بإفريقيا. ومن الطبيعي أن يسهم المعرض في توسيع تموقع الجزائر وتكثيف شبكة شركائها الأفارقة وتعزيز تكتلاتها الاقتصادية مع بلدان إفريقية، على غرار جنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا وإثيوبيا.
على الصعيد الاجتماعي، اعتبر الخبير أن المعرض سيكون منعرجاً حاسماً في خلق فرص العمل ودعم رواد الأعمال الشباب وتعزيز نقل التكنولوجيا، إلى جانب الاستفادة من تجربة الجزائر التي تتصدر القارة في هذا المجال. ويرى أن المعرض ليس فقط منصة للتسويق، بل فرصة لترسيم محور الجزائر-إفريقيا كخيار استراتيجي بديل عن الاعتماد على الأسواق الأوروبية، وإبراز الإرادة الحقيقية في تجسيد التكامل القاري وتحويل اتفاقيات «زليكاف» من نصوص ورقية إلى واقع عملي عبر تدفقات استثمارية وتجارية تخدم مستقبل القارة وتلبي طموحاتها التنموية.
تنظيم معرض ناجح بجميع المقاييس
وأشاد الخبير جمعة، بالأجندة المسطرة لطبعة الجزائر، مؤكداً أنها كفيلة بتنظيم معرض ناجح بجميع المقاييس، إذ يتضمن البرنامج إقامة معرض تجاري تشارك فيه عدة دول وشركات اقتصادية كبرى ورائدة في مختلف المجالات.
ومن المقرر تنظيم منتدى للتجارة والاستثمار على مدار أربعة أيام، بحضور شخصيات قيادية من القارة وأخرى دولية مرموقة. كما استُحدثت منصات موجهة لروابط إفريقيا الإبداعية «كانكس»، فضلاً عن فضاءات مخصصة لعقد لقاءات الأعمال الثنائية والاجتماعات المهمة لتعزيز التبادل التجاري والتوقيع على اتفاقيات استثمارية.
ومن الفعاليات الجاذبة التي يشملها المعرض وتمس 11 قطاعاً، ذكر الخبير معرض سيارات إفريقيا، وتنظيم يوم خاص بالجالية الإفريقية في المهجر لمناقشة مساهمتها في تنمية القارة. كما سيفتح المعرض أبوابه أمام رواد الأعمال الشباب، مخصصاً فضاءات للشركات الناشئة والطلبة الجامعيين والباحثين، إلى جانب أيام مفتوحة أمام الدول والقطاعات الخاصة والعمومية لعرض فرص الاستثمار في مجالات التجارة والسياحة والثقافة.
واعترف البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير (أفريكسيم- بنك)، الجهة المنظمة للمعرض بالشراكة مع مفوضية الاتحاد الإفريقي وأمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية «زليكاف»، بأن جهود الجزائر المبذولة لإنجاح هذه التظاهرة جدّية ومهمة وتبعث على الارتياح والتقدير.