استضافة الجزائر لفعاليات معرض التجارة البينية الإفريقية، يجعل من عاصمتها مركزا اقتصاديًا نابضا بالحركة، لاسيما وسط حضور لافت لأكثر من ألف عارض من 35 دولة إفريقية، ومشاركة ما يزيد عن 5000 متعامل اقتصادي. ويعد النجاح الذي طبع اليوم الأول مؤشرًا قويا على أن الجزائر بصدد ترسيخ مكانتها كجسر اقتصادي يربط شمال القارة بجنوبها.
التحضيرات التي باشرتها الجزائر على مدار أسابيع سبقت الافتتاح، كانت حاسمة في ضمان انطلاقة سلسة. فقد جرى تحسين الطرق المؤدية إلى موقع المعرض، وإعادة تهيئة الأرصفة والإنارة العمومية، فضلًا عن تعزيز خدمات النقل العمومي والخاص لتسهيل حركة الوفود. كما تم التنسيق مع مختلف الفنادق لضمان جاهزية استقبال البعثات الإفريقية والدولية، وهو ما انعكس على ارتفاع نسبة الإشغال الفندقي منذ الساعات الأولى لانطلاق الحدث.
إلى جانب الجوانب التنظيمية، أولت الولاية اهتمامًا خاصًا بالجوانب الاقتصادية الموازية. فقد جرى تخصيص فضاءات عرض داخل المعرض لفائدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة النشطة في العاصمة، إضافة إلى أجنحة للحرفيين ومؤسسات ناشئة. هذه الفضاءات تحولت، منذ اليوم الأول، إلى نقاط جذب رئيسية للزوار الأفارقة، الذين أبدوا اهتماما بالمنتجات المحلية وبتنوع القدرات الإنتاجية للجزائر العاصمة.
ولم تقتصر التحضيرات على توفير الأجنحة، بل امتدت لتشمل برمجة سلسلة من اللقاءات الثنائية المباشرة بين المتعاملين الاقتصاديين المحليين ونظرائهم من مختلف الدول الإفريقية.
هذه اللقاءات، التي تنظم على مدار أيام المعرض، توفر أرضية للتفاوض حول مشاريع تعاون واستثمارات محتملة، وتفتح المجال أمام إبرام عقود شراكة تمتد آثارها إلى ما بعد التظاهرة. كما تنظم ورش عمل تقنية، بالتنسيق مع هيئات اقتصادية وطنية، تتناول مواضيع مرتبطة بالتمويل، تسهيل المبادلات التجارية وسبل دعم المؤسسات الناشئة الراغبة في دخول السوق الإفريقية.
الأجواء التي سادت اليوم الأول من المعرض، أكدت نجاح الرهانات التي وضعتها ولاية الجزائر. فقد توافد الزوار بأعداد معتبرة منذ ساعات الافتتاح، وشهدت مختلف الأجنحة حركية مكثفة بين رجال أعمال وباحثين عن فرص استثمارية.
على صعيد الأثر الاقتصادي المباشر، ينعكس المعرض بوضوح على الحياة اليومية للعاصمة. فقد سجلت الفنادق نسبة شغل شبه كاملة، بينما تعرف قطاعات النقل، المطاعم وخدمات الاستقبال نشاطًا مضاعفًا مقارنة بالأيام العادية. ويُتوقع أن تستفيد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص من هذه الديناميكية، حيث يشكل المعرض فرصة عملية للترويج لمنتجاتها على نطاق أوسع وربطها بشبكات توزيع جديدة داخل وخارج الوطن.
وستسجل مداخيل إضافية لعدد من الأنشطة المرتبطة مباشرة بالمعرض، مثل شركات النقل وفنادق الإيواء، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن الحركة الاقتصادية في العاصمة ارتفعت بنحو 30% خلال اليوم الأول فقط، مع توقعات بتضاعف هذه النسبة خلال أيام المعرض واقتراب موعد اختتامه.
هذه الأرقام تعكس أهمية التظاهرة، ليس فقط على مستوى العلاقات التجارية بين الدول الإفريقية، بل أيضًا على النسيج الاقتصادي المحلي، الذي يستفيد من التدفق الكبير للزوار والوفود الرسمية.
للإشارة، تضم طبعة 2025 أجنحة تغطي أكثر من 12 قطاعا اقتصاديا، تشمل الصناعة، الطاقة، الزراعة، البناء والخدمات. كما قُدّر عدد اللقاءات الثنائية المجدولة بمئات الجلسات، ما يعكس حجم الرهانات المعلقة على هذا الموعد الإفريقي. هذه المؤشرات توحي بأن النتائج المنتظرة لن تقتصر على أيام المعرض، بل ستمتد إلى فتح آفاق جديدة للتعاون التجاري والاستثماري بين الجزائر وشركائها الأفارقة.
ومع تواصل أشغال المعرض، الذي يختتم في العاشر من سبتمبر، تتجه الأنظار إلى ما ستسفر عنه اللقاءات الثنائية والورشات الموازية من صفقات ومذكرات تفاهم عملية قد تشكل نقطة انطلاق جديدة للتجارة الجزائرية- الإفريقية.
في المحصلة، لا يقتصر المعرض على كونه موعدًا اقتصاديًا قاريًا، بل يمثل فرصة لولاية الجزائر لإبراز قدرتها على احتضان تظاهرات دولية بهذا الحجم، وتعزيز موقعها كعاصمة إفريقية للتجارة والاستثمار.