مشاركــة تميزيــة لـ”سيـال” في المعـرض الإفريقـي للتجــارة البينيــة
يشكّل المعرض الإفريقي للتجارة البينية (IATF 2025)، أحد أهم الفضاءات الاقتصادية في القارة، حيث يجتمع فيه صانعو القرار وممثلو المؤسّسات والشركات من مختلف الدول، لمناقشة التحديات واستكشاف فرص التعاون وبناء شراكات استراتيجية. وتكمن أهمية هذا الحدث في كونه ليس مجرّد سوق للعرض والطلب، بل فضاءً لتبادل التجارب والخبرات، واستعراض النماذج الناجحة التي يمكن أن تُلهم باقي دول القارة في مساراتها التنموية.
تبرز مشاركة شركة المياه والتطهير للجزائر “سيال”، باعتبارها تجربة مميّزة تستحق العرض أمام الأشقاء الأفارقة. فهي تمثل صورة عن قدرة المؤسّسات الوطنية الجزائرية على الصمود في وجه التحديات، وضمان استمرارية خدمة عمومية حيوية ترتبط مباشرة بالحياة اليومية للمواطن. وجود “سيال” في هذا الحدث يترجم التزام الجزائر بمرافقة جهود التكامل الاقتصادي الإفريقي، من خلال تصدير الخبرة الوطنية وتوسيع مجالات التعاون مع مؤسّسات مماثلة في القارة.
أربع سنوات من التسيير الوطني
لم يكن انتقال “سيال” إلى التسيير الجزائري الخالص عام 2021 مجرّد خطوة إدارية، بل رهاناً استراتيجياً على قدرة الكفاءات الوطنية. ففي ظرف اتسم بندرة المياه وتراجع نسبة امتلاء السدود إلى مستويات خطيرة وصلت أحياناً إلى 3%، كان التحدي الأكبر يتمثل في ضمان استمرارية التزويد بالمياه الشروب لملايين السكان في ولايتي الجزائر وتيبازة.
بفضل التعبئة الكاملة لطاقمها الشاب، وضعت “سيال” برامج توزيع مرنة تميّزت بالعدالة والانتظام، كما أطلقت خططاً استعجالية لتعبئة الموارد البديلة عبر إعادة تهيئة الآبار وحفر أخرى جديدة، بالتوازي مع استغلال محطات تحلية المياه التي أنجزت بدعم السلطات العليا للبلاد. هذه الإجراءات ساعدت على تجاوز مرحلة حرجة، وجعلت من “سيال” مرجعاً في إدارة الأزمات المائية.
ابتكارات تقنية وحلول ذكية
لم تكتف “سيال” بالحلول التقليدية، بل استثمرت في التكنولوجيا الحديثة لتقليص الخسائر وتحسين الأداء. ومن أبرز ابتكاراتها اعتماد الصمامات الذكية والمستشعرات للتحكّم عن بعد في الشبكة، وتجريب حلول رائدة مثل “الكرة الذكية” لتحديد التسرّبات وإصلاحها. وقد مكّن ذلك من معالجة ما يفوق 24 ألف تسرّب سنوياً والوصول إلى صفر تسرّب في أنظمة التحويل الكبرى.
هذه الحلول المبتكرة تمثل قيمة مضافة يمكن أن تنقلها “سيال” إلى المؤسّسات الإفريقية خلال المعرض، حيث تواجه غالبية بلدان القارة تحديات مشابهة مرتبطة بندرة المياه وضعف البنى التحتية.
جانب آخر من تجربة “سيال” يتمثل في استراتيجيتها لتثمين المياه المطهّرة، حيث أصبحت مورداً بديلاً يستعمل في مشاريع كبرى مثل مترو الجزائر وسقي المساحات الخضراء على الطرقات السريعة. إلى جانب ذلك، تعمل الشركة على صيانة شبكة التطهير بمختلف أحجامها ومحطاتها، بما يسمح باستغلال أمثل للموارد المائية.
أما في مجال مراقبة الجودة، فقد نجحت “سيال” في الحفاظ على شهادات دولية مرموقة مثل ISO 9001 للسنة 14 على التوالي، وISO 17025 للسنة العاشرة. ويستند هذا الإنجاز إلى برنامج مراقبة صارم يشمل أكثر من 170 ألف تحليل سنوياً، يضمن وصول مياه مطابقة للمواصفات العالمية إلى المستهلك.
استثمار في الكفاءات الوطنية
إحدى نقاط قوة “سيال” التي تعرضها بفخر في المعرض، هي استثمارها في العنصر البشري. فمركز التكوين التابع لها، المجهّز بأحدث الوسائل البيداغوجية، يستقبل يومياً نحو 250 متربصاً، ويوفّر ما يعادل 15 ألف يوم تكويني سنوياً. كما يتمّ إدماج أكثر من 400 متمهّن سنوياً، إلى جانب استقبال المئات من طلبة الجامعات لإجراء تربّصات ميدانية.
هذا الاستثمار لا يضمن فقط استمرارية الخدمة العمومية، بل يساهم في بناء جيل جديد من الكفاءات المتخصّصة القادرة على قيادة القطاع مستقبلاً. وهي رسالة قوية تبعث بها “سيال” إلى نظرائها الأفارقة حول أهمية الاستثمار في الإنسان كشرط أساسي للتنمية المستدامة.
تماشياً مع التوجه الوطني نحو الرّقمنة، أطلقت “سيال” مجموعة من المنصّات الرّقمية مثل “فاتورتي”، “وكالتي”، “خدماتي”، إضافة إلى مشروع العدادات الذكية والبوابة الجغرافية. هذه الأدوات سمحت برقمنة جزء كبير من الخدمات، خصوصاً ما يتعلّق بعلاقة الشركة مع زبائنها، بما في ذلك الدفع الإلكتروني، متابعة الفواتير، ومعرفة الأشغال الجارية في الشبكة.
من خلال هذه التحولات الرّقمية، لم تعد العلاقة مع الزبون تقتصر على الاستجابة للشكاوى، بل أصبحت أداة تحليلية تستفيد منها المؤسسة لتحسين أدائها بشكل استباقي، عبر دراسات رضا الزبائن، ما يعزّز الثقة والشفافية.
مؤسسة مواطنة بحضور دولي
إلى جانب دورها الخدمي، تؤكّد “سيال” من خلال مشاركتها في IATF 2025 أنها شركة مواطنة تضع بصمتها في كل مناسبة دولية كبرى. فقد سبق أن شاركت في قمم اقتصادية وسياسية وفعاليات رياضية عالمية، فضلاً عن تنظيم حملات تحسيسية في الجزائر للتوعية بترشيد استهلاك المياه وحماية الموارد الطبيعية.
هذا الحضور المتعدّد الأبعاد يجعل من “سيال” واجهة حقيقية للمؤسّسة الجزائرية القادرة على الجمع بين الصرامة التقنية والبعد الاجتماعي والالتزام البيئي، وهو ما يعزّز إشعاع الجزائر في المحافل القارية.
إنّ المعرض الإفريقي للتجارة البينية ليس مجرّد منصة للترويج للمنتجات والخدمات، بل فضاء لبناء شراكات استراتيجية طويلة المدى. ومشاركة “سيال” في هذه الطبعة تعني أنها لا تعرض تجربتها فحسب، بل تبحث أيضاً عن فرص تعاون مع مؤسّسات إفريقية تواجه تحديات مماثلة في قطاع المياه والتطهير. هذه الشراكات المحتملة قد تفتح الباب أمام مشاريع مشتركة، ونقل خبرات، وتبادل تقنيات، بما يساهم في تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في التكامل الاقتصادي الإفريقي.