الأشقـاء الأفارقة أشـادوا بتجربتهـا الناجحـة

الجزائـر المنتصـرة.. خطوات واثقـة نحــو الريــادة

سمية بوخاري

لم تعد التجربة الجزائرية مرجعا اقتصاديا يستحق التوقف عنده، من فراغ، ففي خضم التحولات الدولية المتسارعة، وتحت وطأة التحديات الهيكلية التي تواجهها القارة، راهنت، بفضل رؤية استشرافية للرئيس تبون، في التنويع الاقتصادي وتبني سياسة صناعية متكاملة.

هذا ما أكد الأمين العام لمنطقة التبادل الحر القارية الإفريقية (زليكاف)، وامكيلي ميني، الذي وصف التجربة الجزائرية بأنها “نموذج ناجح” يعكس قدرة الدول الإفريقية على بناء استراتيجيات فعالة للنمو، تدعم مسار التكامل القاري.
إن انتقال الجزائر من اقتصاد ريعي يعتمد بشكل أساسي على المحروقات، إلى اقتصاد متنوع يقوم على الصناعة والفلاحة والتكنولوجيات الحديثة والطاقات المتجددة، يمثل قفزة نوعية، لم تأت من فراغ، بل من خلال إصلاحات مؤسساتية وتشريعية، ومنظومة جديدة لترقية الاستثمار، جعلت من الجزائر بلدا يمتلك مؤسسات قادرة على توجيه الإنتاج والتجارة نحو الأسواق الداخلية والإفريقية، بدل الارتهان إلى الخارج.

رهان على المستقبل

لقد تبنت الجزائر في السنوات الأخيرة سياسة صناعية طموحة، أعادت الاعتبار لقطاعات استراتيجية كالصناعة الميكانيكية، والصناعات الصيدلانية، والصناعات التحويلية، إلى جانب مشاريع كبرى في الفلاحة والطاقة النظيفة. وبهذا، لم يعد الحديث عن اقتصاد أحادي البعد، بل عن اقتصاد متكامل قادر على خلق القيمة المضافة، وتعزيز مكانة الجزائر في سلاسل القيمة الإفريقية والدولية.
ويبرز هنا التلاقي بين الرؤية الجزائرية والمشروع القاري الإفريقي. فكما أشار ميني، فإن تفعيل منطقة “زليكاف” لا يمكن أن يتحقق من دون تجارب واقعية على الأرض، والجزائر تقدم اليوم أحد أبرز هذه النماذج، فهي لا تكتفي بالمشاركة في صياغة الأطر السياسية والاقتصادية القارية، بل تجسدها بمشاريع استثمارية فعلية، سواء في الصناعة أو في البنية التحتية، تجعلها بوابة اقتصادية حقيقية لإفريقيا نحو المتوسط وأوروبا.

استقلالية القرار الاقتصادي الإفريقي

واحدة من أبرز النقاط التي توقف عندها الأمين العام لـ«زليكاف” تتعلق بضرورة تقليص الاعتماد المفرط على منصات الدفع العالمية، والتي تستنزف موارد مالية معتبرة من القارة. فالجزائر، من خلال شراكاتها مع البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد (أفريكسيم-بنك)، كانت من أوائل الدول التي دعمت فكرة بناء منصات دفع إفريقية بديلة، بما يوفر آليات آمنة وفعالة للمعاملات المالية، وهي خطوة، وإن بدت تقنية في ظاهرها، إلا أنها تحمل بعدا سياديا واستراتيجيا، لأنها تمنح إفريقيا استقلالية أكبر في إدارة مواردها وتوجيه استثماراتها.
ولا تقف التجربة الجزائرية عند حدود الإصلاح الاقتصادي، بل تمتد إلى بناء مؤسسات قادرة على تسوية النزاعات التجارية والاستثمارية في إطار القوانين العصرية، وهو ما يجعل بيئة الأعمال أكثر شفافية واستقرارا، وهذا الجانب حيوي لجذب الاستثمارات الأجنبية، كما أنه يوفر الثقة للمستثمرين الأفارقة الباحثين عن أسواق مستقرة.
وقد أكد المشاركون في منتدى التجارة والاستثمار المنعقد بالجزائر، أن المشاريع ذات البعد القاري التي أطلقتها الجزائر، جعلتها “فاعلا محوريا” في مسار التبادل التجاري الإفريقي، فبقدر ما تعول الجزائر على مواردها الطبيعية والبشرية، فإنها تراهن أكثر على الشراكات الإفريقية- الإفريقية لبناء اقتصاد قاري متكامل.

من الخطاب إلى الممارسة

لقد أظهرت الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية التي تحتضنها الجزائر، أن بلد الشهداء لم يعد يكتفي بالخطاب السياسي الداعم للوحدة الاقتصادية الإفريقية، فقد تحول هذا الخطاب إلى مختبر عملي، حيث تعرض الجزائر منتجاتها الصناعية، وتبرم اتفاقيات تجارية، وتفتح أبوابها أمام المستثمرين الأفارقة، في مشهد يعكس إرادة سياسية قوية في الانتقال من القول إلى الفعل.

نحو ريادة إفريقية جديدة

وإذا كانت الجزائر قد قادت القارة نحو التحرر السياسي في ستينيات القرن الماضي، فإنها اليوم تساهم في قيادتها نحو التحرر الاقتصادي. فالتجربة الجزائرية تقدم للدول الإفريقية درسا في أن الاعتماد على الذات، وبناء مؤسسات قوية، وتبني سياسات صناعية جريئة، هو السبيل الأنجع لمواجهة التحديات العالمية.
إن المكاسب المنتظرة من منطقة زليكاف، وفي قلبها التجربة الجزائرية، ستسمح للقارة على المديين المتوسط والبعيد بتعزيز استقلاليتها الاقتصادية وتوسيع قاعدة تنافسيتها. ومع استثمار مشترك في التكنولوجيا، الاقتصاد الدائري، والطاقات المتجددة، ستجد إفريقيا نفسها أمام فرصة تاريخية لتتحول من سوق للمواد الأولية إلى قطب صناعي وتجاري عالمي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19867

العدد 19867

الخميس 04 سبتمبر 2025
العدد 19866

العدد 19866

الأربعاء 03 سبتمبر 2025
العدد 19865

العدد 19865

الثلاثاء 02 سبتمبر 2025
العدد 19864

العدد 19864

الإثنين 01 سبتمبر 2025