الخبير الاقتصادي البروفيسور لعلـى رمضاني لـ «الشعـب»:

رئيس الجمهورية يرسـمُ معالم نمـوذج اقتصــادي إفريقــي جديـد

خالدة بن تركي

استشراف فــرص استثماريــة واعـدة وتوحيد الموقف القـاري في المحافـل الدوليـة

 في الكلمة الافتتاحية للطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية 2025، قام رئيس الجمهورية بتشخيص التحديات واستشراف الفرص المتاحة أمام إفريقيا، كما رسم معالم نموذج اقتصادي إفريقي جديد يقوم على رؤية موحّدة وإرادة جماعية. وقد ارتكزت هذه الرؤية على محورين أساسيين: التحديات والرهانات التي تواجهها الدول الإفريقية، والدور المحوري للجزائر في صياغة هذا النموذج.

 أكّد الخبير الاقتصادي البروفيسور لعلى رمضاني في تصريح لـ «الشعب»، أنّ رئيس الجمهورية ركّز في خطابه على محورين أساسيين، خاصة في الجانب الاقتصادي، إذ أوضح الرئيس أن هذه الطبعة ذات طابع اقتصادي بامتياز. ويتمثل المحور الأول في التحديات والرهانات التي تواجهها الدول الإفريقية لبناء نموذج اقتصادي جديد، بينما يتعلق المحور الثاني بدور الجزائر كدولة محورية في هذا البناء.
وقال رمضاني إنّ الرئيس أشار إلى التحديات في ظل التحولات الدولية السياسية والاقتصادية والأمنية، موضحا أن إفريقيا، منذ مطلع القرن الـ 21، تعيش تحوّلات إقليمية ودولية كبرى، لكنها تبقى مغيبة عن صنع هذه التحولات الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية. كما أشار إلى أن القارة تواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية وسياسية، أبرزها تدني معدلات النمو، وضعف القطاع الفلاحي والأمن الغذائي، إلى جانب مشاكل الصناعة والسياحة والبنية التحتية، فضلا عن ضعف إدماج التكنولوجيا الحديثة.
وأوضح الخبير أنّ إفريقيا لا تتجاوز حقوق سحبها في صندوق النقد الدولي 6.5 بالمائة، ولا تتعدى 11 بالمائة في البنك الدولي، كما أن حصتها في التجارة العالمية لا تتجاوز 3 بالمائة رغم أن سكانها يفوقون 1.5 مليار نسمة، ويمثّلون سوقا استهلاكية واسعة. أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة فلا تتعدى 94 مليار دولار، وهو رقم ضئيل مقارنة بآسيا أو أوروبا أو أمريكا. كما أن التجارة البينية الإفريقية لا تتجاوز 15 بالمائة، بينما تصل في أوروبا إلى أكثر من 60 بالمائة. هذه أهم النقاط بخصوص التحديات التي تواجه إفريقيا.
وفيما يتعلق بالرهانات، قال رمضاني إنّ الرئيس تبون أبرز أن إفريقيا تملك موارد طبيعية هامة، حيث تحتضن 40 بالمائة من احتياطي الذهب العالمي، و12 بالمائة من احتياطي النفط والغاز، إضافة إلى 65 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة، فضلا عن موقعها الاستراتيجي القريب من أوروبا وآسيا وأمريكا. كما تملك القارة، حسب ما جاء في تصريح الرئيس، موارد بشرية هائلة، حيث يشكّل الشباب أكثر من 70 بالمائة من سكانها، بما يحملونه من طاقات ابتكارية وقدرة على إنشاء مؤسسات ناشئة واستخدام التكنولوجيا الحديثة.
كما تمّ الحديث – يقول الخبير – عن وجود بوادر فعلية لبناء هذا النموذج الاقتصادي الجديد، من خلال فتح الحوار الاقتصادي بين الدول الإفريقية، تبادل الخبرات، وتعزيز الاستثمارات في التكنولوجيا، إلى جانب فتح الحوار السياسي بين الدول الإفريقية لتذليل العقبات السياسية.
وأكّد لعلى رمضاني، بحسب ما جاء في تصريح الرئيس مؤخرا، وجود وعي جماعي لبناء قارة متكاملة وفاعلة في المحيطين الإقليمي والدولي، لاسيما مع تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية، وانضمام إفريقيا إلى مجموعة العشرين للدول الكبرى، وربط شراكات مع كبرى الشركات والمنظمات العالمية. وهي رهانات جعلت إفريقيا تنخرط في بناء النموذج الاقتصادي وصولا إلى تعزيز التكامل.
وعرج البروفيسور لعلى رمضاني إلى المحور الثاني، الذي أشار إليه رئيس الجمهورية في كلمته الافتتاحية، والمتعلق بدور الجزائر كدولة محورية في صياغة النموذج الاقتصادي الإفريقي الجديد، والذي يهدف أساسا إلى تعزيز التكامل الاقتصادي عبر خارطة طريق واضحة طرحها خلال هذه الطبعة.
ويرى الخبير أنّ اختيار الجزائر لاحتضان هذه الطبعة الرابعة أمر طبيعي بالنظر إلى عدة معايير أساسية، في مقدمتها السياسة الخارجية الجديدة التي انتهجتها الجزائر مؤخرا، والقائمة على تنويع علاقاتها الاقتصادية مع الدول الإفريقية، إلى جانب سعيها لتعزيز الشراكات الاقتصادية مع القارة، ومعالجة القضايا السياسية وتسوية النزاعات الإفريقية.
كما تمتلك الجزائر مقوّمات اقتصادية وبنى تحتية متطورة تجعلها مؤهلة لهذا الدور المحوري، حيث برزت خلال السنوات الأخيرة شبكة واسعة من الطرقات، ومشاريع في مجال المياه، والسكك الحديدية، والسكن، إلى جانب التطور في قطاع تكنولوجيا الاتصال، والموانئ، ووسائل النقل واللوجستيك. يضاف إلى ذلك سياسة التنويع الاقتصادي التي شهدتها الجزائر مؤخرا في قطاعات الصناعة، الفلاحة والخدمات.
وتمتلك بلادنا – يقول رمضاني – قدرات تنظيمية كبيرة لاحتضان الاجتماعات والفضاءات الدولية الكبرى، وهو ما أثبتته من خلال تنظيمها العديد من الأحداث العالمية. وخلال هذه الطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية الإفريقية، وفّرت الجزائر كل الإمكانيات اللازمة لاستقبال وفود أكثر من 75 دولة.
وفي ذات السياق، صرّح الخبير أن رئيس الجمهورية في كل مرة يجدّد التزامه الثابت بتحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا عبر مشاريع استراتيجية كبرى، على غرار الطريق العابر للصحراء الممتد إلى نيجيريا بطول 4000 كلم، ومشروع أنبوب الغاز الذي يربط نيجيريا بالجزائر لتصدير الغاز نحو أوروبا، وهو مشروع يعزز التنمية المستدامة لعدة دول إفريقية من بينها نيجيريا، النيجر والجزائر. كما أنجز مشروع الألياف البصرية العابرة للصحراء، الذي يعد رافعة أساسية لنقل التكنولوجيا وتطوير الاقتصادات الرقمية، فضلا عن إتاحة فرص للشباب الإفريقي في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.
وتولي الجزائر اهتماما خاصا بتعزيز الروابط اللوجيستية مع دول الجوار الإفريقي، إلى جانب إنشاء منافذ جوية وبحرية إضافية، والشروع في فتح فروع بنكية جزائرية بعدة دول إفريقية. كما ساهمت الجزائر في إنشاء خمس مناطق تبادل حر إفريقية، في إطار التزامها بدفع مسار الاندماج الاقتصادي القاري.
كما أشار البروفيسور لعلى رمضاني إلى تأكيد رئيس الجمهورية، في آخر كلمته، على بلورة وتفعيل مخرجات الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية داخل الجزائر باعتبارها خطوة أساسية لإنجاح وبناء النموذج الاقتصادي الإفريقي الجديد. وقد ركّز على جملة من المحاور:
تتعلق بالإيمان بالقدرة الجماعية للدول الإفريقية، من خلال فتح فضاءات أوسع للتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، وتنظيم لقاءات دورية لتجسيد هذه الأفكار وتعزيز مسار التكامل الاقتصادي، وتهيئة الظروف لتدفق الاستثمار داخل القارة ومع الشركاء الدوليين، مع التأكيد على أن الاستثمار يجب أن يكون مربحا وعادلا لجميع الدول الإفريقية.
تبادل الأفكار بين الشباب، ولا سيما في مجال الابتكار والتكنولوجيا والاتصال والاقتصاد الرقمي، مع إيلاء أهمية خاصة للمؤسسات الناشئة، ومواجهة التحديات والأزمات الدولية عبر بناء إدارة قوية وتحالفات إفريقية مشتركة، بما يسمح بتطوير آليات فعالة للتبادل والدعم في مختلف المجالات، سواء الاقتصادية أو الصحية.
وتسريع وتيرة تفعيل منطقة التجارة الحرة الإفريقية وتحويلها إلى واقع ملموس، وفتح مزيد من المناطق المخصصة للتجارة البينية، وتعزيز الأمن الغذائي الإفريقي باعتباره أحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في القارة، مع توحيد الموقف الإفريقي في المحافل الدولية، سواء المالية أو السياسية، والعمل ككتلة واحدة وفاعلة من أجل تعزيز الحضور الإفريقي، والمساهمة بجدية في بناء النظام العالمي الجديد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19867

العدد 19867

الخميس 04 سبتمبر 2025
العدد 19866

العدد 19866

الأربعاء 03 سبتمبر 2025
العدد 19865

العدد 19865

الثلاثاء 02 سبتمبر 2025
العدد 19864

العدد 19864

الإثنين 01 سبتمبر 2025