دور جزائري محـوري في تطوير التبـادل التجـاري

إياتياف 2025.. فرص متعدّدة وشراكات غنية

قصر المعارض: فضيلة بودريش

 آليات متعدّدة لتشجيع المشاريع الثنائية والتجارة البينية

محطة إستراتيجية تحمل زخما من الفرص الاستثمارية وتوفر شركاء متنوّعين

إرادة إفريقية متحمّسة لتكثيف التعاون ومنح دفعة قوية لمنطقة التجارة الحرّة القارية

 أكّد مستثمرون ورجال أعمال أفارقةّ أنّ طبعة معرض التجارة البينية الإفريقية 2025 بالجزائر، تمثل محطة إستراتيجية تحمل زخما من الفرص الاستثمارية وتوفّر شركاء متنوّعين، كما تتيح إبرام عقود بسقوف عالية من التمويلات. واعتبر هؤلاء أنّ بصمة الجزائر واضحة على صعيد التنظيم واستقطاب المستثمرين والزبائن، تماما كما عوّدت القارّة في محطات سابقة، لأنها بلد كبير يسير بسرعة وثقة نحو مراكز متقدمة من التطور الاقتصادي. وبهذه القناعة الراسخة التي تحمل الكثير من الإعجاب والاهتمام، شدّدوا على وجود إرادة إفريقية متحمّسة لتكثيف التعاون وتوسيع الاستثمار، ومنح دفعة قوية لمنطقة التجارة الحرّة القارية.

 قال مستثمرون ومستوردون ومصدّرون أفارقة، في استطلاع أجرته “الشّعب”، إنّ الجزائر المستضيفة لمعرض التجارة البينية، فتحت لهم عبر طبعتها الناجحة آفاقا أوسع لبناء جسور تعاون حقيقية. وأوضحوا أنّ تنظيم العديد من الفعاليات الاقتصادية والتجارية بالمعرض، إضافة إلى التأسيس لمنصات موجّهة لرواد الأعمال الشباب، جعل من الطبعة الجزائرية حدثا نوعيا يختلف عن سابقاته. كما أنّ الحضور القوي للبنك الإفريقي للاستيراد والتصدير ومنطقة التجارة الحرّة “زليكاف” أعطى زخما إضافيا، من خلال دعم الاستثمارات والتحول الاقتصادي القاري وتشجيع المشاريع الثنائية والتجارة البينية، بما يحرّك قدرات القارة ويدفعها نحو الحيوية والنشاط لتتحول إلى قيمة مضافة حقيقية.
يرى المراقبون أنّ احتضان الجزائر للطبعة الرابعة من المعرض الإفريقي للتجارة البينية لم يكن محض صدفة، بل هو امتداد لدورها الرّيادي في دعم التكامل القاري منذ استقلالها، حيث ظلت وفية لفكرة “إفريقيا الواحدة”. وقد حرصت على توجيه مواردها وخبراتها في مجالات الصناعة والطاقة والبنية التحتية، لتكون رافعة للتنمية المشتركة. ويشير خبراء الاقتصاد إلى أنّ الجزائر اليوم، بحكم موقعها الجغرافي الرابط بين شمال القارّة وعمقها الإفريقي، تملك قدرة مضاعفة على أن تصبح منصة استراتيجية للتجارة البينية، خاصة مع توافر الموانئ وشبكات الطرق والسكك الحديدية، التي يتم تطويرها بوتيرة سريعة.

هنري روبرتس: تكثيف التبادل البيني وانفتاح الأسواق

 لم يخف هنري روبرتس، المنحدر من ليبيريا والذي يشغل منصب الرّئيس التنفيذي لشركة “براندكو” في قطاع الزراعة، إعجابه بهذا المعرض الضّخم كما وصفه، متوقّعا أن يحقّق نجاحا باهرا بفضل تعدّد وتنوع الشراكات. وأعرب عن أمله في بناء علاقات متينة مع شركات جزائرية وإفريقية، مؤكّدا أنّ الجزائر تحوّلت من خلال المعرض إلى قبلة اقتصادية للقارة.
أوضح روبرتس أنّ شركته تركّز على المعدات الزراعية ومعالجة المنتجات الغذائية، مشيرا إلى أنّ حلم التكامل الاقتصادي الإفريقي يلوح في الأفق، مع بروز منطقة التبادل الحرّ “زليكاف”، لكنه مشروط بإزالة الحواجز التجارية وغير التجارية، خاصة ما يتعلّق بحرية تنقل البضائع والأشخاص. وأضاف: “إنّ نجاح أي مشروع قاري يتطلّب عاملين أساسيّين: الثقة والنزاهة المتبادلة بين الشركاء، إلى جانب وجود تمويلات مرنة تغذي المشاريع المنتجة”.
في سياق متصل، أبدى إعجابه بالتطور الكبير للبنية التحتية الجزائرية، معتبرا أنّ هذه التجربة يمكن أن تُستلهم في بلدان أخرى. وقال: “من غير الممكن أن تنهض إفريقيا دون تكثيف التبادل البيني وفتح أسواقها أمام بعضها البعض، فالانتماء الإفريقي هو الخطوة الأولى نحو التكامل”.

إيغوسا أومولغوي: للجزائر دور خاص ومؤثر

 من جانبه، أكّد إيغوسا أومولغوي، رئيس قسم الاستثمار في منتدى حوكمة نيجيريا، أنّ مشاركته الثانية في المعرض تجعله أكثر ثقة في نجاح الطبعة الجزائرية، خاصة مع اقتراب التطبيق الكامل لاتفاقية التجارة الحرهة القارية. وقال: “أنا مؤمن بأنّ الأفارقة يملكون قارّة بلا حدود، وقادرون على تحريك منتجاتهم وخبراتهم بحرية في مختلف أسواقها”.
أضاف المتحدث أنّ المستقبل المشرق للقارّة يكمن في ضخامة أعداد سكانها، ما يجعلها سوقا ضخمة تستقطب الاستثمارات. وأشار إلى أنّ الجزائر تملك دورا مؤثّرا بفضل خبرتها وتجاربها الناجحة، لاسيما في مجال البنى التحتية وشركات الإنجاز المحلية، التي يمكّنها تصدير خبراتها إلى بلدان إفريقية تحتاج بشدة إلى هذا النوع من المشاريع.

ألفريد نهليما: المزيد من الحلول التجارية لإفريقيا

 بدوره، اعتبر ألفريد نهليما، المستثمر المصرفي من مالاوي، أنّ المعرض حدث استثنائي لأنه جمع أكبر عدد من الفاعلين الاقتصاديّين في فضاء واحد، ممّا أتاح فرصا غير مسبوقة للتبادل. وأشاد بدور بنك إفريقيا في دعم التجارة والاستثمار، معتبرا أنّ هذه الخطوة تسرّع من وتيرة التنمية.
أوضح أنّ بلاده مالاوي، ذات الطبيعة الزراعية، بحاجة إلى شراكات مكثفة لزيادة الإنتاج، خاصة عبر تطوير الصناعات الغذائية التحويلية. وقال: “لا يمكن أن تظل إفريقيا أسيرة لتجارة خارجية تفوق تجارتها البينية، بينما تملك من القدرات ما يكفي لإنتاج معظم احتياجاتها”.
كما أكّد أنّ تعزيز التعاون يمرّ، عبر تشجيع تنقل البضائع والخدمات داخل أسواق القارّة. وأضاف أنّ الجزائر قادرة على لعب دور حاسم من خلال نقل خبراتها في مجالات الصناعة والطاقة والمعادن والبنى التحتية، بما يُسهم في مضاعفة القيمة المضافة وتنمية القارّة.

زيمسال تيكلو لوقاس: طبعة الجزائر متعدّدة الفرص وواعدة

 أمّا زيمسال تيكلو لوقاس، خبير التكنولوجيا من نيجيريا، فقد توقّع أن تكون طبعة الجزائر نقطة تحول في تاريخ التعاون الإفريقي، قائلا: “نحن أمام فرصة لفتح صفحة جديدة تجعل إفريقيا أكثر اعتمادا على نفسها”.
كما شدّد على ضرورة إدخال تغييرات جذرية على مستوى الأعمال، لتقوية الروابط بين بلدان القارة، مؤكّدا أنّ منطقة التجارة الحرّة هي الخيار الاستراتيجي لتجاوز الحواجز. وأوضح أنّ البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير، لن يتأخّر في تمويل المشاريع الكبيرة القادرة على إحداث نهضة حقيقية. وأشار إلى أنّ بلاده حريصة على إقامة شراكات مع الجزائر، في التجارة والخدمات اللوجستية والبناء والصناعات الزراعية، مؤكّدا أنّ الجزائر متطوّرة بشكل لافت في هذا المجال. واعتبر أنّ، التنظيم المبهر للمعرض منذ أيامه الأولى، دليل على أنّ طبعة الجزائر ستكون ناجعة ومتعدّدة الفرص.

البروفيسور أيمن أبو شحلي: فرصة جديدة للتكامل

 أكّد البروفيسور المصري أيمن أبو شحلي، المتخصّص في هندسة الاتصالات وصاحب شركة برمجيات، أنّ مشاركته تهدف إلى استكشاف فرص الاستثمار في الجزائر وأسواق إفريقية أخرى، ونقل خبراته في التكنولوجيا المتقدمة.
قال المتحدث، إنّ معرض الجزائر لا يمثل مجرّد تظاهرة اقتصادية عابرة، بل يعد فرصة استراتيجية جديدة للتكامل الإفريقي، في ظل التغيرات الجذرية التي يعرفها العالم على مستوى التكتلات الاقتصادية. وأوضح أنّ النظام الدولي يشهد اليوم تفكّكًا تدريجيًا في بعض الكتل الاقتصادية التقليدية، نتيجة الأزمات الجيوسياسية وتباطؤ النمو وتفاقم النزاعات التجارية، وهو ما يفتح أمام إفريقيا نافذة تاريخية لتبرز كتكّتل موحّد وقوي، قادر على فرض نفسه كفاعل رئيسي في الاقتصاد العالمي.
وأضاف أنّ الوزن الديمغرافي الهائل للقارّة، حيث يتوقّع أن يتجاوز عدد سكانها مليارين ونصف المليار نسمة في أفق 2050، يمنحها ميزة استراتيجية لا تملكها معظم القوى المتقدمة التي تواجه اليوم، تراجعًا سكانيًا شيخوخةً وانكماشًا. كما اعتبر أنّ هذه الديناميكية السكانية تشكّل محرّكًا للنمو الداخلي، وسوقًا استهلاكية ضخمة، وفرصة لتطوير صناعات محلية قادرة على تغطية الاحتياجات المتزايدة.
وأكّد أنّ الأفارقة هم الأقدر على الاستثمار في قارتهم، لأنهم الأدرى بخصوصياتها وتحدياتها، مضيفًا أنّ منح فرص أكبر لرؤوس الأموال الإفريقية سيعزّز استقلالية القرار الاقتصادي، ويُمكّن القارّة من التخلّص تدريجيًا من التبعية للمؤسّسات المالية الدولية، التي غالبًا ما تربط مساعداتها بإملاءات سياسية واقتصادية لا تخدم التنمية المستدامة.
كما شدّد على أنّ المشاكل الإفريقية، من بطالة وفقر وهشاشة البنى التحتية، لا يمكن أن تُحل إلّا بإرادة أبناء القارّة أنفسهم، وبمنطق “حلول إفريقية لمشاكل إفريقية”.
في السياق ذاته، توقّع أن يكون للجزائر دور محوري وحاسم في رسم خارطة الاستثمار الإفريقي خلال السنوات المقبلة، بفضل موقعها الاستراتيجي كبوابة إلى أوروبا والساحل والصّحراء، وبفضل استثماراتها الضخمة في البنية التحتية من موانئ وطرق سريعة وشبكات طاقة، إضافة إلى التزامها السياسي الثابت بدعم التكامل الإفريقي. وخلص إلى أنّ الجزائر بمساهمتها الكبيرة ليست مجرّد فاعل وطني، بل قاطرة إقليمية تدفع نحو بناء اقتصاد إفريقي متماسك يواجه التحديات العالمية بثقة وندية.

أنيتا أنيسا: الجزائر رائدة في الغذاء والطاقة

 أمّا أنيتا أنيسا، من نيجيريا، فتعمل في شركة “أكواريوم كونسلت” للاستثمار، وأكّدت أنها حريصة على الاستفادة من طبعة الجزائر، خاصة أنّ بلدها سيحتضن الطبعة المقبلة. وأعربت عن حماسها لبناء جسور تعاون مع مستثمرين جزائريّين وأفارقة، مؤكّدة أنّ الجزائر أصبحت رائدة في صناعة الغذاء والطاقة، بما يحقّق الأمن الغذائي والطاقوي للقارّة. وقالت: “الجزائر ليست مجرّد شريك اقتصادي، إنها تمثل الوعي والفخر الإفريقي، وتبادر دائما لاحتضان الأفارقة في التظاهرات الاقتصادية والثقافية والرياضية”.
كما أبدت اهتماما خاصا بالتعاون في قطاعي الصحة والطاقة، معتبرة أنّ الجزائر تملك تجارب يمكن أن تنقلها إلى بلدان القارّة لتحقيق نهضة مشتركة.

من منصة وطنية إلى قاطرة قارية

 من خلال شهادات المستثمرين الأفارقة، الذين حضروا الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، يتّضح أنّ الجزائر لم تعد تُختزل في دور البلد المستضيف للتظاهرة، بل تحوّلت فعليًا إلى منصة قارية رائدة وقاطرة حقيقية لمسار التكامل الاقتصادي الإفريقي. فحجم المشاركة الذي فاق كل التوقّعات، وتنوّع القطاعات التي عرضت منتجاتها من الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والطاقات المتجدّدة، إضافة إلى الحضور القوي للمؤسّسات التمويلية الإفريقية الكبرى، مثل البنك الإفريقي للتنمية والبنك الإفريقي للاستيراد والتصدير، كلها مؤشّرات جعلت من طبعة الجزائر نموذجًا يُحتذى به في تنظيم الفضاءات الاقتصادية القارية.
يرى رجال الأعمال الذين خاضوا تجارب مباشرة في السوق الجزائرية، أنّ هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة إرادة سياسية واضحة عبّر عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة، حين أكّد أنّ الجزائر تعتبر عمقها الإفريقي خيارًا استراتيجيًا لا رجعة فيه. ويجمع الاقتصاديّون على أنّ مستقبل منطقة التجارة الحرّة القارية، التي تُعد المشروع الاقتصادي الأضخم في تاريخ إفريقيا المستقلة، مرهون بقدرة دول محورية، مثل الجزائر على توفير بنية تحتية متطوّرة للطّرق والموانئ واللوجستيك، إلى جانب تسهيل حركة السلع ورؤوس الأموال عبر الحدود.
يذهب خبراء آخرون إلى أبعد من ذلك، معتبرين أنّ الجزائر قدّمت من خلال هذا المعرض رسالة سياسية بليغة، مفادها أنّ القارّة قادرة على الاعتماد على نفسها في بناء جسور التعاون، بعيدًا عن التبعية المطلقة للأسواق الخارجية. كما أنّ روح التضامن الإفريقي التي جسّدتها الجزائر، من خلال فتح أبوابها أمام المستثمرين، وتخصيص فضاءات واسعة لعقد الصفقات والشراكات، أعطت انطباعًا قويًا بأنّ إفريقيا دخلت بالفعل مرحلة جديدة، عنوانها التعاون الاستراتيجي والمصير المشترك.
وبذلك، فإنّ طبعة الجزائر لم تكن مجرّد تظاهرة اقتصادية ظرفية، بل تحولت إلى وثيقة ثقة جديدة في قدرة القارّة على صياغة مستقبلها بأيدي أبنائها. ففي ظلّ عالم يشهد تحولات عميقة وصراعًا محتدمًا على الموارد والأسواق، تبرز إفريقيا اليوم كقوة صاعدة، تملك كل المقوّمات لتكون شريكًا لا يُستهان به في الاقتصاد العالمي، شرط أن تستثمر دولها في التكامل، التضامن، والاستغلال الأمثل للطاقات البشرية والطبيعية الهائلة التي تزخر بها القارّة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025
العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025
19868

19868

السبت 06 سبتمبر 2025
العدد 19867

العدد 19867

الخميس 04 سبتمبر 2025