عقود ستتيـح للجزائر نقل التكنولوجيـا وتكوين اليـد العاملة

اتفاقيـات بمليـارات الدولارات.. أولــى ثمار “ إياتيـاف 2025”

سارة بوسنة

فتـح أسواق جديــدة أمــام الــدواء الجزائــري للتسويـق في  إفريقيـا

تميزت فعاليات الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، بإبرام الجزائر العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية مع شركاء أفارقة في مختلف القطاعات، بلغت قيمتها الإجمالية ما بين 44 و48 مليار دولار. وحسب التقديرات الرسمية، فإن نصيب الجزائر من هذه العقود يقارب 10 بالمئة، أي ما يعادل 4.4 مليار دولار ستدخل مباشرة في الدورة الاقتصادية الوطنية، ما يجعل هذه المشاركة واحدة من أبرز المكاسب الاقتصادية للبلاد في السنوات الأخيرة.

يسجل المعرض مشاركة أكثر من 2000 عارض من نحو 140 دولة إفريقية، إضافة إلى حضور ما يزيد عن 35 ألف زائر، بين رجال أعمال ومستثمرين ومهنيين وخبراء، ما حوّل الجزائر إلى قطب إقليمي للحوار الاقتصادي والتجاري على مدار أسبوع كامل. المساحة المخصصة للعرض، التي تجاوزت 100 ألف متر مربع، عكست حجم الحدث الذي لم يكن مجرد فضاء للترويج، بل منصة لتوقيع عقود فعلية لها أثر ملموس على الاقتصاد.
وفي هذا السياق، صرّح وزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية طيب زيتوني، أن “قيمة الاتفاقيات المبرمة خلال المعرض ستتجاوز 48 مليار دولار”، معتبرًا أن هذه النتيجة دليل على نجاح الجزائر في جمع هذا العدد الكبير من الفاعلين الاقتصاديين الأفارقة وتعزيز التكامل القاري.
في قطاع الزراعة والصناعات الغذائية، شكلت الاتفاقيات المبرمة نقطة تحول بارزة، حيث اتفقت الجزائر مع عدة دول إفريقية على تصدير منتجات الحبوب والتمور وزيت الزيتون والمنتجات الزراعية المصنعة، مقابل استيراد بعض المواد الأولية التي تعزز الأمن الغذائي. هذا التبادل ينسجم مع سعي الجزائر إلى تنويع صادراتها خارج المحروقات، خاصة أن القطاع الفلاحي بات يحقق أرقامًا قياسية في الإنتاج خلال السنوات الأخيرة. وبفضل هذه العقود، يُتوقع أن ترتفع قيمة الصادرات الزراعية الجزائرية إلى ما يقارب 1.2 مليار دولار سنويًا نحو الأسواق الإفريقية.
أما في قطاع الطاقة، فقد كان الحضور الجزائري قويًا من خلال مجمع “سوناطراك” الذي أبرم عدة مذكرات تفاهم مع شركات إفريقية لتطوير مشاريع مشتركة في مجال المحروقات والطاقة المتجددة. وتشمل هذه المشاريع تبادل الخبرات التقنية، إنشاء محطات كهربائية، وتوسيع التعاون في مجالات النقل والتوزيع. الاتفاقيات الطاقوية تعزز مكانة الجزائر كفاعل إقليمي أساسي في أمن الطاقة بالقارة، خصوصًا وأنها تملك بنية تحتية متقدمة وأنابيب تربطها بأوروبا، ما يجعلها جسرًا استراتيجيًا بين إفريقيا وأوروبا.
وفي مجال الصناعة والتحويلات، انصبت الاتفاقيات على فتح آفاق للتكامل الصناعي بين الجزائر ودول الجوار، من خلال إقامة مصانع مشتركة لتجميع السيارات والآلات الفلاحية، إلى جانب مشاريع في الصناعات الكيماوية والدوائية. هذه العقود ستتيح للجزائر ليس فقط جلب استثمارات، بل أيضًا نقل التكنولوجيا وتكوين اليد العاملة المحلية، مما يعزز قاعدة الإنتاج الوطني ويخفض من فاتورة الاستيراد.
القطاع الصحي والدوائي حظي هو الآخر بحصة معتبرة من الاتفاقيات، حيث وقّعت الجزائر عقودًا مع شركاء من غرب وشرق إفريقيا لتصدير الأدوية والمستلزمات الطبية المصنعة محليًا، خاصة وأن الصناعة الصيدلانية الجزائرية حققت في السنوات الأخيرة اكتفاءً ذاتيًا بنسبة تقارب 70 بالمئة. ومن المنتظر أن تفتح هذه العقود أسواقًا جديدة أمام الدواء الجزائري في إفريقيا، مع ما يعنيه ذلك من عائدات مالية إضافية وتشجيع للابتكار في هذا المجال الحساس.
كما لم يكن قطاع النقل والخدمات اللوجستية غائبًا، فقد وُقعت اتفاقيات لتطوير الموانئ وخطوط النقل البحري والجوي بين الجزائر وعدة عواصم إفريقية، بما يساهم في خفض تكاليف التبادل التجاري ويزيد من انسيابية حركة البضائع.
ومن المنتظر أن يشكل ميناء الوسط الجديد بالجزائر، عند دخوله حيز الخدمة، نقطة ارتكاز لهذه الديناميكية، ما يعزز موقع الجزائر كممر تجاري بين إفريقيا وأوروبا.
ولم يخلُ المعرض من حضور قوي لقطاع المالية والبنوك، حيث تم الإعلان عن اتفاقيات لفتح فروع لبنوك جزائرية في عدد من الدول الإفريقية، بهدف مرافقة المستثمرين وتسهيل التحويلات المالية بالعملة المحلية أو الإقليمية، ما يقلل من الاعتماد على العملات الأجنبية.
هذا التوجه ينسجم مع مشروع “منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية” الذي يسعى إلى توحيد القوانين وتسهيل المعاملات.
من جهة أخرى، عرفت الشركات الناشئة والتكنولوجيا حضورًا بارزًا من خلال جناح الابتكار، حيث تم توقيع عقود تعاون بين حاضنات جزائرية وأخرى إفريقية في مجالات الذكاء الاصطناعي، الرقمنة، والتطبيقات المالية الإلكترونية. هذه الشراكات تفتح أمام الشباب الجزائري فرصًا للاندماج في السوق الإفريقية المتنامية، وتساهم في دفع عجلة الاقتصاد الرقمي الذي تراهن عليه الدولة كأحد محركات النمو.
يتجاوز الأثر الاقتصادي لهذه الاتفاقيات الأرقام المعلنة، إذ يعكس بداية مسار جديد للجزائر نحو تعزيز انفتاحها على القارة الإفريقية، بعد سنوات من الاكتفاء بالسوق الأوروبية. هذا التوجه نحو إفريقيا يضمن للجزائر فضاءً اقتصاديًا أرحب، ويتيح فرصًا حقيقية لزيادة الصادرات، جذب الاستثمارات، وتوفير مناصب شغل جديدة. كما أنه يتماشى مع رؤية الدولة الرامية إلى تقليص التبعية للمحروقات وتنويع الاقتصاد الوطني.

عقـود بقيمــة 4.4 مليــار

ويرى خبراء الاقتصاد أن توقيع عقود بقيمة تصل إلى 4.4 مليار دولار للجزائر يشكل مؤشرًا عمليًا على نجاح استراتيجيتها في اختراق السوق الإفريقية. فالمكاسب لا تتعلق فقط بالعائدات المالية المباشرة، بل أيضًا بتعزيز صورة الجزائر كقوة اقتصادية صاعدة وكمحرك للتكامل الإقليمي. ويؤكد هؤلاء أن استدامة هذه المكاسب مرهونة بمدى قدرة الجزائر على تنفيذ الاتفاقيات على أرض الواقع وتطوير آليات المتابعة والتقييم.
المعرض ليس مجرد تظاهرة اقتصادية عابرة، بل محطة أساسية تظهر أن الجزائر قادرة على أن تكون شريكًا رئيسيًا في بناء فضاء اقتصادي إفريقي متكامل. ومجرد استضافة أكثر من 2000 عارض و35 ألف زائر يبرهن على ثقة الأفارقة في السوق الجزائرية وعلى مكانتها الجغرافية والسياسية في القارة.
وتمثل الاتفاقيات المبرمة في معرض التجارة البينية الإفريقية 2025، خطوة نوعية على طريق تعزيز الاقتصاد الوطني وتكريس الحضور الجزائري في القارة، فهي عقود تحمل في طياتها وعودًا بالنمو والاستثمار، وتفتح المجال أمام الجزائر لتكون ليس فقط سوقًا مستقبلة، بل مصدرًا للابتكار والتصدير نحو عمق إفريقيا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025
العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025
19868

19868

السبت 06 سبتمبر 2025
العدد 19867

العدد 19867

الخميس 04 سبتمبر 2025