صنّفه مكتب الاستشارات الإيطالي في مراتب متقدمة وبمؤشرات صاعدة

الاقتصاد الجزائري الجديد ضمن الأكثر جذبا للمستثمرين

فضيلة بودريش

ضمانات قانونيـة وتشجيعــات مالية وضريبية بالجُملـة

أكد التقرير الدولي الأخير لمكتب الاستشارات الإيطالي «The European House - Ambrosetti» أن الجزائر تواصل ترسيخ مكانتها كأحد أبرز الاقتصادات الصاعدة في القارة الإفريقية، حيث صُنفت ضمن البلدان الثلاثة الأكثر جاذبية للاستثمار في إفريقيا، حسب مؤشر الجاذبية العالمية لسنة 2025. ويعكس هذا الترتيب حجم التحولات العميقة التي يشهدها الاقتصاد الوطني والثقة المتنامية التي أصبحت تحظى بها الجزائر لدى كبريات الشركات العالمية والمستثمرين الدوليين.

أوضح التقرير أن الجزائر احتلت مرتبة متقدمة عالمياً من بين 146 اقتصاداً، متقدمة عن تصنيف سنة 2024، مع تحسن في رصيد نقاطها ليصل إلى 30 نقطة مقابل 27.6 نقطة العام الماضي. وعلى المستوى الإفريقي، جاءت الجزائر ضمن فئة «الجاذبية المتوسطة» التي تضم 63 دولة، ورغم الطابع التقني لهذه المؤشرات، إلا أن دلالاتها عميقة وتؤكد أن الاقتصاد الجزائري أصبح أكثر ديناميكية بفضل الإصلاحات الاقتصادية ومؤشرات النمو الإيجابية التي يسجلها خلال السنوات الأخيرة.
لقد برزت الجزائر في السنوات الماضية كوجهة استثمارية مفضلة بفضل رؤية استراتيجية وضعتها الدولة تحت إشراف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تضمنت خارطة طريق دقيقة لإعادة بعث الاستثمار. هذه الرؤية تقوم على استغلال أمثل للمقدرات الوطنية، فتح السوق أمام القطاع الخاص، تعزيز الشراكات مع مستثمرين كبار، وتحويل الجزائر إلى قاعدة إقليمية للإنتاج والتصدير. كما أن التعديلات التشريعية، خاصة القانون الجديد للاستثمار، ساهمت في استحداث بيئة أعمال أكثر استقراراً وشفافية، قائمة على ضمانات قانونية وتشجيعات مالية وضريبية، وهو ما عزز من ثقة المستثمرين الدوليين ودفعهم إلى توسيع نشاطهم في السوق الجزائرية.
حركية غير مسبوقة
تشهد الجزائر اليوم حركية استثمارية واسعة وغير مسبوقة، تتجلى في تنويع شركائها الاقتصاديين وتوسيع خارطة التعاون. فقد أطلقت الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار آلية عمل مشتركة مع نظيرتها الدانماركية «Invest in Denmark» لتمكين البلدين من تبادل الخبرات وتعزيز التدفقات الاستثمارية. كما برزت تركيا كأحد أبرز الشركاء، حيث بلغت قيمة استثماراتها في الجزائر نحو 7.7 مليارات دولار، مع نشاط حوالي 1600 شركة تركية، في حين قُدرت المبادلات التجارية بين البلدين بـ6.5 مليارات دولار، مع طموح مشترك لبلوغ سقف 10 مليارات دولار قريباً. من جهتها، تسعى الجزائر إلى تعزيز تعاونها مع المجر عبر الدورة الرابعة للجنة الاقتصادية المشتركة الجزائرية - المجرية المرتقب عقدها في ديسمبر المقبل، حيث يتوقع إطلاق برامج جديدة مفتوحة على التعاون في مجالات البحث العلمي والابتكار والغابات وتربية المائيات.
وتتوزع الاستثمارات الأجنبية في الجزائر على عدة شركاء كبار، ما يعكس ثراء المناخ الاقتصادي وتنوع مجالات التعاون. فالصين تعد من أكبر المستثمرين الأجانب بقيمة 4.5 مليارات دولار موزعة على 42 مشروعاً، في حين بلغت الاستثمارات الأمريكية المباشرة 3 مليارات دولار، خاصة في قطاع الطاقة. أما الاتحاد الأوروبي فيبقى شريكاً تقليدياً حيث تستحوذ دوله على 24 بالمائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تقدر بنحو 23 مليار أورو. ويظل الأوروبيون متحمسون لتعزيز حضورهم، خاصة بعد تحسن مناخ الأعمال في الجزائر.
أما إيطاليا، فقد أعلنت عبر شركة «إيني» للطاقة عن رفع استثماراتها إلى 8 مليارات دولار، مع التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. ولم تتخلف عمان عن الركب، إذ تستعد لإقامة مشروع صناعي ضخم يتعلق بتصنيع سيارات «هيونداي»، بينما تواصل قطر تنفيذ مشاريع كبيرة بينها مشروع «بلدنا» في القطاع الزراعي.
إن هذه الشراكات والمشاريع الكبرى تؤكد أن الجزائر ماضية نحو تنويع اقتصادها وتقليص الاعتماد على المحروقات. ففي القطاع الصناعي طُرح أكثر من 55 مشروعاً صناعياً للشراكة في مجالات النسيج والجلود والتكنولوجيا المتقدمة. وفي قطاع الطاقات المتجددة يتم التركيز على إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشاريع إزالة الكربون، بينما يجري العمل على مشاريع تحلية مياه البحر لمواجهة التحديات المناخية وضمان الأمن المائي. أما السياحة والفلاحة فتمثلان رهاناً إضافياً نظراً للإمكانات الكبيرة التي تزخر بها الجزائر، في حين لا تزال مشاريع البنية التحتية تستقطب استثمارات ضخمة مثل مشروع مضاعفة شبكة السكك الحديدية باستثمار يناهز 12 مليار دولار.
ويرى الخبراء أن العوامل التي ساعدت على هذا الانتعاش الاستثماري متعددة، في مقدمتها الإصلاحات التشريعية التي مست قوانين الاستثمار ومنحت ضمانات قانونية وإعفاءات ضريبية وحوافز مالية. كما أن الموقع الجغرافي للجزائر شكل نقطة قوة إضافية، باعتبارها بوابة طبيعية للأسواق الإفريقية والأوروبية، ما يجعلها مركزاً استراتيجياً لسلاسل التوريد والتوزيع. يضاف إلى ذلك الاستقرار السياسي والتحسن الملحوظ في الحوكمة الاقتصادية الذي زاد من ثقة الشركاء الأجانب.
استقطاب استثمارات ضخمة
إن التصنيف الجديد لا يعكس فقط النتائج الاقتصادية الراهنة، بل يعكس بالأساس ثقة المؤسسات الدولية في مستقبل الجزائر الاقتصادي. فالمؤشرات الحالية تثبت أن البلاد تتحرك بخطى ثابتة نحو تنويع اقتصادها، استقطاب استثمارات ضخمة، وتحويل إمكاناتها الطبيعية والبشرية إلى مشاريع ملموسة قادرة على خلق الثروة ومناصب العمل. ويؤكد الخبراء أن استمرار الجزائر في هذا النهج، مع مرافقة فعالة من الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار ومتابعة دقيقة للمشاريع الكبرى، سيجعلها ضمن قائمة الاقتصادات الأكثر جاذبية ليس فقط في إفريقيا بل حتى على الصعيد العالمي.
وهكذا فإن تواجد الجزائر ضمن الاقتصادات الإفريقية الثلاثة الأولى الأكثر جاذبية يمثل اعترافاً دولياً بمكانتها الجديدة كقوة اقتصادية صاعدة، ويعكس نجاح الإصلاحات العميقة التي باشرتها الدولة، ويؤشر إلى أن السنوات المقبلة ستشهد مزيداً من المشاريع الكبرى والشراكات المتنوعة. لقد تجاوزت الجزائر مرحلة الاعتماد المفرط على المحروقات، وبدأت تتحول فعلاً إلى قطب اقتصادي متعدد الأبعاد بفضل الإرادة السياسية والتحولات التشريعية والإستراتيجية الاستثمارية الواضحة. وكل هذه العوامل مجتمعة تمنح المستثمرين ثقة قوية في مستقبل اقتصادي واعد، وتجعل الجزائر لاعباً محورياً في إعادة رسم الخريطة الاقتصادية لإفريقيا والمنطقة المتوسطية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19881

العدد 19881

الأحد 21 سبتمبر 2025
العدد 19880

العدد 19880

السبت 20 سبتمبر 2025
العدد 19879

العدد 19879

الخميس 18 سبتمبر 2025
العدد 19878

العدد 19878

الأربعاء 17 سبتمبر 2025