الخبـير فـي الرّقمنـة والإحصاء..حسـان درار لــ “الشعـب”:

الالتـزام بالآجــال..ضمـان التّحـوّل إلى منظومـة ذكيّة

سعاد بوعبوش

تنسيـق الجهـود واستشراف الحاجيــات وتحديـد الأولويات

 أكّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على اندماج كل القطاعات في الرقمنة قبل نهاية العام الجاري، وغير ذلك سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، مشيرا إلى وجود بعض القطاعات المتأخّرة عن الركب، ولم تتأقلم بعد مع التحول الرقمي المنشود الذي يعوّل عليه في محاربة المال الفاسد، وإضفاء الشفافية في عملية التسيير وتحقيق النجاعة.

 أوضح الرّئيس تبون في لقائه الإعلامي الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، أنّ من يعمل بنزاهة لن تخيفه الأرقام، واصفا من يتخوّفون من العمل بالرّقمنة بـ “الخفافيش”، الذين يحبّون العمل في الظلام ما ساهم في غياب الأرقام الحقيقية في بعض الأحيان، وهو ما جعله يتّخذ عدة قرارات سياسية شجاعة في هذا الشأن.
وأشار رئيس الجمهورية إلى أنّ تعميم استعمالات الرّقمنة بات ضرورة لا بد منها، ما يجعل اندماج جميع القطاعات إلزاميا وليس خيارا، معربا عن رفضه لكل المبرّرات التي يمكن تقديمها لتعطيل التحول الرقمي، مبرزا أهمية العملية من خلال استدلاله ببعض الأمثلة على غرار ملف العقار وتسديد الضرائب المتعلقة به، وكذا إلزام الموثقين بالعمل بالرقمنة، مستغربا كيف يتساوى صاحب عقار به مسبح مع مواطن آخر منزله بسيط في دفع نفس الضريبة الخاصة بالسكن، مؤكّدا أنّ العمل متواصل وقائم لمحاربة هذه الممارسات لآخر نفس.
وشدّد المسؤول الأعلى للبلاد على ضرورة تكيّف القطاعات المتبقية وتحقيق المطلوب من خلال رقمنة كل خدماتها وعملياتها، ما من شأنه تحقيق نهضة بها وإقلاع حقيقي، خاصة وأنّ الرقمنة بإمكانها المساهمة في وضع مخططات قطاعية عملية مشتركة، وترفع من نسبة تنسيق الجهود واستشراف الحاجيات، وتحديد الأولويات جعلها ركيزة أساسية للحوكمة العصرية ومحاربة البيروقراطية.

مشروع اقتصـــادي واجتماعـي متكامــل

 يرى الأستاذ المحاضر في المدرسة الوطنية العليا للتسيير والأمين العام السابق بوزارة الرقمنة والإحصاء حسان درار، أنّ رئيس الجمهورية من خلال تحديده للآجال في كل مرة، كان لإدراكه بأنّ تعميم عملية الرقمنة ليست مسألة سهلة تتعلق بعملية تقنية وتكنولوجية بحتة أو منصّة رقمية يمكن تنصيبها في شهر أو سنة، بل هي مشروع مجتمعي كامل مرتبطة بسلوكيات وذهنيات تستدعي كل الوقت ورفع التحديات، لا سيما ما تعلق بمواجهة مقاومة التغيير، مشيرا إلى أنّها عملية جد صعبة خاصة وأنّ البيروقراطية كانت متفشية في غياب الشفافية.
وأوضح درار في تصريح لـ “الشعب”، أنّ مشروع الرّقمنة يعني الانتقال من نموذج اقتصادي واجتماعي تقليدي إلى نموذج اقتصادي واجتماعي متطوّر يتطلّب مشاركة الجميع وخاصة المواطن، وهو ما جعل رئيس الجمهورية في كل مرة يتساهل فيما تعلق بالآجال، حتّى أنه أعطى من قبل أجلين للانتهاء من مشروع الرقمنة واستلام المركز الوطني الحكومي للبيانات.
وحسب المتحدّث فإنّ رئيس الجمهورية هذه المرة قد أوضح بصريح العبارة بأنّه أعطى الوقت الكافي، ومن ثم ستكون قبل نهاية السنة حوصلة نهائية حول مدى تقدم الرقمنة، وأهم العراقيل التي حالت دون تجسيدها، ومن ثم سيتم اتخاذ الإجراءات الصارمة للدفع بالتحول الرقمي، ما يعني أنه حان وقت المحاسبة.
وبخصوص تحديد بعض القطاعات وربطها بإضفاء الشفافية، أرجع درار ذلك إلى إيلاء رئيس الجمهورية الأهمية لقطاعين أساسيين وهما المالية والعقار الوطني، فلا يمكن الحديث عن اقتصاد رقمي هادف دون اندماج هذين القطاعين، سيما وأن الجزائر تصبو في إطار إستراتيجيتها الوطنية للتحول الرقمي بالوصول بنسبة نمو الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي إلى 20 % في حدود سنة 2030، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تمّ رقمنة قطاع المالية والضرائب، الدفع الالكتروني والمعاملات المالية.
وتكتسي رقمنة أملاك الدولة أيضا أهمية كبيرة - حسب المتحدث - في رسم نظرة استشرافية، والتأسيس لسياسة عمومية في مجال النسيج الصناعي ككل، وهذا ما يدركه جيدا رئيس الجمهورية وتأكيده في كل مرة أن التحول الرقمي لا يقتصر فقط على الإدارة من خلال تسهيل إجراءات وتبسيط الإجراءات الإدارية للمواطن، بل يتعداه إلى المجال الاقتصادي والمالي من خلال إضفاء الشفافية ومحاربة البيروقراطية.

رقمنـــة التّوثيـــق ركيـــزة أساسيــة

  في المقابل أكّد رئيس الجمهورية على ضرورة رقمنة خدمات بعض المهن الحرّة ذات العلاقة الوطيدة بالاقتصاد الوطني، فلا يمكن الحديث عن العقار الوطني دون توثيق، حيث أكّد الخبير في الرقمنة أنّ التوثيق يعد الركيزة الأساسية في هذا المجال، فلا رقمنة دون وثائق من دفتر عقاري وعقود.
ويرى الأستاذ المحاضر في المدرسة الوطنية العليا للتسيير، أنّ الرسالة كانت واضحة، حيث لا تقتصر الرقمنة على بعض المنصات الرقمية لتسهيل وتبسيط الإجراءات الإدارية بل تتعداها إلى المجال الاقتصادي والمالي، مشيرا إلى أنّ مفهوم الرقمنة خرجت عن نطاقها فكثير من القطاعات تعتقد أنها تقتصر على استحداث منصة رقمية ووضع بعض الاستمارات، بعيدا عن المعالجة الآنية للمعطيات التي ما زالت كلاسيكية تقريبية، وهو ما حال دون الحصول على المعلومة الإحصائية المطلوبة، مشيرا إلى أن هذا المفهوم الضيق للرقمنة لا يتماشى وتوجيهات رئيس الجمهورية.
ولفت المتحدّث إلى وجود تحوّل في خطاب رئيس الجمهورية، الذي أكّد بصراحة أن الرقمنة ستكون قاطرة النمو في كافة القطاعات من خلال تخصيص ¾ من اللقاء الإعلامي لموضوع الرقمنة، حيث تكلّم عنها في مجال الفلاحة من خلال إدماج تقنيات جديدة في الفلاحة عن طريق الدرون والذكاء الاصطناعي، فلا يمكن البقاء في النظام المعلوماتي وتسهيل الإجراءات الإدارية، بل يجب الذهاب نحو الإدماج الحقيقي لهذه التقنيات والتكنولوجيات الجديدة سريعة التطور والتغير في أهداف التنمية المستدامة للذهاب تحو تطور أكبر ونمو أسرع.

إجـــراءات صارمـة للدّفــع الإلكتروني

 وفيما يخص تهديده باتخاذ إجراءات صارمة في حال الاستمرار في المماطلة، قال درار إنّ رئيس الجمهورية أعطى فرص كثيرة للمسؤولين القائمين على ملف الرقمنة التي مرّت بعدة مراحل وتحولات، بداية باستحداث وزارة ومن ثم محافظة سامية وإلحاقها مباشرة بالرّئاسة لإعطائها السلطة اللازمة للقيام بمهامها، وممارسة بكل حرية من متابعة وتدقيق، وتوفير كل الوسائل لمراقبة تطوير الرقمنة بالجزائر.
وتوقّع المتحدّث فرض الرقمنة فرضا عن طريق اعتماد إجراءات قانونية وإدارية وليس عن طريق تغيير المسؤولين، وذلك من خلال جعل أي تعامل خارج التعامل الرقمي مرفوضا، ومن دون أي أثر قانوني من خلال إلغاء الخيار الورقي الإداري، وتفعيل التعاملات الالكترونية لا سيما التصديق أو والدفع الالكترونيين، وهي كلّها أمور ستشجع تدريجيا على الخيار الرقمي، حيث ستكون الرقمنة بموجب الإجراءات القانونية الأسلوب والوسيلة الوحيدة لتعامل المواطن والشركات مع الإدارة الجزائرية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19886

العدد 19886

السبت 27 سبتمبر 2025
العدد 19885

العدد 19885

الخميس 25 سبتمبر 2025
العدد 19884

العدد 19884

الأربعاء 24 سبتمبر 2025
العدد 19883

العدد 19883

الثلاثاء 23 سبتمبر 2025