المواطن اليوم يشعـر بالتحسّن..وعمـل حكومـي يومـي للتحكّم فــي الأسعـار
بلغرســة: السياسـة الاقتصاديـة الجزائريـة امتداد عملــي لمضمـون بيــان أول نوفمبر
مشتــة: الزيــادات تعـزّز معيشـة المواطنــين وتحمي الفئـــات الهشة
أعلن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أمس، خلال لقائه الدوري مع أسرة الإعلام الوطني، عن الشروع في إدراج زيادات جديدة في الأجور والمنح ابتداءً من سنة 2026، في خطوة تهدف إلى تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين وتحسين المستوى المعيشي للفئات الهشّة. وتشمل الزيادات التي أعلن عنها الرئيس كل من الطلبة، المستفيدين من منحة البطالة، والمتقاعدين، مع التأكيد على أنّ المراجعات ستتمّ وفق إمكانات الدولة ومواردها المالية المتاحة.
وأوضح رئيس الجمهورية أنّ هذه الخطوة تندرج ضمن سياسة متواصلة لتحسين الوضع المعيشي لمختلف الشرائح الاجتماعية، مضيفًا: “بداية من السنة القادمة سنواصل مراجعة منح مختلف الفئات حسب إمكانات الدولة، وسنواصل تحسين القدرة الشرائية للمواطن في 2026 و2027”.
وفي لقائه الإعلامي الدوري الذي بثّ، يوم الجمعة، على القنوات التلفزيونية والإذاعية الوطنية، تطرّق رئيس الجمهورية إلى الشقّ المتعلّق بتعزيز المكتسبات الاجتماعية، حيث قال في هذا الشأن إنه “متمسّك بالتزاماته التي قطعها للشعب الجزائري”، وأضاف أنّ “الفرق بين الوعود والالتزامات أمر معروف، والتزاماتي هذه كانت مكتوبة، وسيتمّ المضي فيها”.
وبخصوص ذلك، صرّح رئيس الجمهورية قائلا: “كنت قد التزمت بالشروع، بدءا من سنة 2026، في مراجعة الزيادات في الأجور ومنحتي الطالب والبطالة، والتي يمكن أن تشمل أيضا منحة المتقاعدين، حسب إمكانات الدولة وهو ما سيتم فعلا”، ليردف بالقول: “الغرض من كل هذا هو تحسين القدرة الشرائية لمواطنينا، وأعتقد أنّ الجزائري اليوم يشعر بهذا التحسّن”، وأشار إلى أن تحقيق هذه الغاية “يندرج ضمن العمل اليومي الجاري مع الوزير الأول وأعضاء الحكومة”.
وتأتي هذه القرارات في وقت يشهد فيه الاقتصاد الوطني تحديات مرتبطة بارتفاع أسعار المواد الأساسية عالميًا، وتصاعد بعض المؤشّرات التضخّمية التي تؤثّر على القوة الشرائية للأسر الجزائرية.
كما تعكس خطوة الرّئيس تبون إدراكًا لضرورة موازنة الإصلاح الاجتماعي مع الاستقرار المالي للبلاد، في ظل محدودية الموارد وضرورة ترشيد الإنفاق العمومي.
وجاء هذا الإعلان في سياق حرص الدولة على ضمان استقرار القدرة الشرائية للأسر الجزائرية، ومواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الناجمة عن التضخّم وارتفاع الأسعار، مع الاستمرار في سياسة الدعم الاجتماعي التي تعكس التوجّه العام للدولة نحو حماية المواطنين ومساندة الفئات الأكثر تضرّرا.
في تعليقه على هذه القرارات، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي عبد اللطيف بلغرسة، إنّ السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الجزائر في المرحلة الراهنة تأتي امتدادا عمليا لما تضمّنه بيان أول نوفمبر 1954، خاصة في شقّه المتعلّق ببناء دولة اجتماعية تكفل العدالة وتضمن التوازن بين متطلّبات التنمية الاقتصادية وحاجات الفئات الشعبية الواسعة.
وأوضح أنّ الحكومة الجديدة، شأنها شأن الحكومات التي تعاقبت منذ تولي رئيس الجمهورية قيادة البلاد سنة 2019، تسعى إلى تكريس هذا الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية، مع الحرص في الوقت نفسه على ترسيخ مبادئ الرشادة الاقتصادية والحوكمة الرشيدة في تسيير الأموال والموارد العمومية.
وأكّد بلغرسة أنّ هذا التوجّه يتجلّى أساسا في تبني سياسة مالية ونقدية ذات بعد اجتماعي، هدفها المركزي هو تحسين المستوى المعيشي للمواطن بشكل مستمرّ، عبر جملة من الآليات والإجراءات العملية، فمن جهة، تعمل الدولة على ضمان وفرة المواد الاستهلاكية الأساسية، وخاصة المواد الغذائية، وتوفيرها بأسعار مناسبة تراعي مستوى مداخيل أغلب الجزائريّين، مع اللّجوء إلى سياسة دعم مباشر أو غير مباشر للمواد ذات الاستهلاك الواسع، وذلك عبر تسقيف أسعارها ومنع المضاربة والاحتكار.
ولفت إلى أنّ هذه الأخيرة تعد من أبرز العوامل التي تتسبّب في خلق الندرة المصطنعة ومن ثمّ رفع الأسعار بشكل غير مبرّر، وهو ما تحرص الحكومة على مواجهته بصرامة.
وفي السياق ذاته، أشار المتحدث إلى أنّ السياسات الاجتماعية للدولة لم تقتصر على ضبط السوق وحماية القدرة الشرائية، بل شملت أيضا إجراءات ملموسة لرفع الأجور والرواتب تدريجيا، خاصة بالنسبة لعمّال وموظفي القطاع العمومي، إلى جانب مراجعة منظومة الضرائب بتخفيض نسب الاقتطاعات المفروضة على الأجور، وهو ما انعكس مباشرة في شكل زيادات محسوسة في صافي المداخيل.
وأضاف أنّ هذه السياسة ستتواصل بداية من السنة المقبلة لتشمل فئات أخرى، على غرار الطلبة والبطّالين والمتقاعدين، وذلك عبر مراجعة المنح وتحسينها بشكل يتماشى مع تطور الأسعار في السوق الوطنية.
وأوضح بلغرسة أنّ رفع المداخيل ليست له انعكاسات اجتماعية فحسب، بل يمتد أثره إلى الدورة الاقتصادية برمّتها، حيث يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي للأسر، ما يحفّز بدوره الإنتاج الوطني ويشجّع المؤسّسات على توسيع نشاطها واستحداث المزيد من مناصب العمل.
وفي المقابل، فإنّ ارتفاع مداخيل المواطنين ينعكس أيضا على ارتفاع حجم الادخار، ممّا يعزّز موارد البنوك ويفتح أمامها فرصًا أكبر لتمويل المشاريع الاستثمارية، وهو ما يخلق ديناميكية اقتصادية متكاملة تصبّ في خدمة التنمية المستدامة.
وشدّد الخبير الاقتصادي عبد اللطيف بلغرسة، على أنّ هذه الحركية الاقتصادية الاجتماعية تهدف في جوهرها إلى تحقيق معادلة التوازن بين المدخول والمصروف لدى الأسر الجزائرية، بما يكفل للمواطن حياة كريمة تحفظ كرامته وتحقّق الاستقرار الاجتماعي، مع المحافظة في الوقت ذاته على التوازنات الكبرى للاقتصاد الوطني.
التـزام سياسـي واجتماعـي
قال الأستاذ المحاضر بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، ياسين مشتة، إنّ اللقاء الدوري لرئيس الجمهورية مع أسرة الإعلام شكّل محطة بارزة لتوضيح توجّهات الدولة واستعراض أولوياتها، في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الجزائر.
وأوضح أنّ حديث الرّئيس عبد المجيد تبون عن تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، ابتداء من سنة 2026، مثّل النقطة المحورية في خطابه، خاصة وأنه استهدف ثلاث فئات أساسية هي الطلبة، البطّالون، والمتقاعدون.
واعتبر ياسين أنّ هذه التصريحات تعكس في جوهرها التزاما سياسيا واجتماعيًا واضحا تجاه الفئات الهشّة، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن حجم التحديات الاقتصادية والمالية المرتبطة بمداخيل الدولة واحتياطات الخزينة العمومية والتوازنات الكبرى للبلاد.
وأضاف أنّ قراءة الخطاب لا ينبغي أن تنحصر في زاوية الوعود المعلنة، بل يجب أن تمتد إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي يحملها على الأمدين القريب والمتوسّط.
وأشار الأستاذ المحاضر إلى أنّ إعلان الرئيس عن زيادات ابتداء من سنة 2026 يعكس توجّها استباقيا لإدارة توقّعات الرأي العام، إذ لم يحدّد فترة زمنية قصيرة الأمد، بل منح أفقًا متوسّطًا يمتد إلى عام 2026، ما يضفي بعدا سياسيا واجتماعيًا.
وفي تحليله لجوهر القرار، أوضح ياسين أنّ شمول الزيادات لفئات الطلبة، ومنحة البطالة، والمتقاعدين يبرز حساسية اجتماعية عالية، ذلك أنّ استهداف الطلبة يحمل رسالة استثمار في المستقبل وإشارة إلى أنّ الدولة تراهن على الشباب وتدعم مسارهم الجامعي، أما منحة البطالة، فهي استمرار لسياسة التكافل الاجتماعي الموجّهة للشباب العاطل عن العمل في مسعى لتقليص الاحتقان الاجتماعي.
فيما يتعلق بالمتقاعدين، فإنّ استهدافهم بالزيادات له رمزية قوية.
وأضاف أنّ ربط الزيادات بإمكانات الدولة يعدّ عنصرا مهما، إذ أكّد الرئيس أنّ هذه الزيادات ليست مفتوحة بلا حدود وإنما مرتبطة بالموارد الفعلية المتاحة. وهنا، يحمل الخطاب رسالتين مزدوجتين، الأولى موجّهة للمواطنين بأنّ الدولة معهم ولكن وفق قدرتها الواقعية، والثانية للمؤسّسات الاقتصادية بأنّ الإصلاح المالي والاقتصادي مستمرّ لتأمين موارد أكبر.
ويرى الأستاذ أنّ هذا الموقف يعكس حذرا ماليا لتفادي التضخّم المفرط أو العجز الكبير في الميزانية، وهو ما لا ينسجم مع التوجّهات الراهنة لرئيس الجمهورية.
كما توقف الأستاذ المحاضر عند الإشارة إلى آفاق 2026 و2027، واعتبر أنّ ذلك يعكس وجود رؤية اقتصادية متوسّطة الأمد لدى الدولة، تهدف إلى ضمان استدامة التحسينات في القدرة الشرائية.
وأوضح أنّ هذا التوجّه يعكس توقّع الحكومة تحسّن مواردها المالية في السنوات المقبلة بفضل عدة عوامل رئيسية، منها ارتفاع عائدات الطاقة، وتكريس الإصلاحات الاقتصادية التي تباشرها الحكومة الجديدة، وزيادة المداخيل الضريبية، فضلاً عن المداخيل المرتبطة بمشاريع استثمارية طويلة الأمد.
وشدّد على أنّ الرّقمنة كانت أيضا محورا مهما في خطاب الرئيس، حيث أكّد أنّ الرّقمنة تعني الشفافية والوضوح، في حين أنّ غيابها يعادل “العيش في الظلام كالخفافيش”، وهي إشارة صريحة إلى وجود تلاعب في بعض الأرقام والبيانات داخل قطاعات معينة، ورسالة قوية بأنّ الإصلاح الحقيقي يمرّ عبر اعتماد الرّقمنة كخيار استراتيجي لا رجعة فيه.