انتصار دائم لجميع القضايا الإفريقية والعربية والإسلامية والإنسانية العادلة
يحمل تكريم رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لمندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، بوسام الاستحقاق الوطني من درجة «عشير»، دلالة على الرضا عن أداء الدبلوماسية الجزائرية ونجاحها في تشريف التزاماتها والوفاء بمبادئ الإنسانية، خلال الولاية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي.
قُلِّد بن جامع، في نيويورك، وفي خضم مجريات أشغال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وسام الاستحقاق الوطني من قبل وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، بتكليف من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون.
ويُعد هذا التقليد عرفانًا بما بذله السفير عمار بن جامع، على رأس البعثة الجزائرية داخل مجلس الأمن الدولي، حيث أكد الرئيس تبون أن ما تحقق على مستوى هذه الهيئة «يُشرّف الدبلوماسية الجزائرية ويُشرّف الخارجية الجزائرية».
ويحمل، في الوقت ذاته، عدة دلالات، أهمها رضا رئيس الجمهورية، باعتباره المسؤول الأول عن السياسة الخارجية للبلاد، عن أداء البعثة الجزائرية الدائمة في الأمم المتحدة، في ظرف دولي استثنائي يتسم بعودة مؤشرات الانزلاق نحو منطق القوة وتصاعد مجازر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزّة.
وأمام هذه الظروف، وطوال 21 شهرًا، تمكن السفير عمار بن جامع من تقديم صورة مشرقة عن مهنية الدبلوماسية الجزائرية وانتصارها للقضايا العادلة وللقانون الدولي، وأكد في كل مرة يلقي فيها كلمة أن الجزائر لا تتردد في الدفاع عن الحقائق وطرحها كما هي.
ولا بد من الإشارة إلى أن عضوية الجزائر في مجلس الأمن، التي بدأت في جانفي 2024، لا تمثل نفسها فحسب، بل تمثل المجموعات الإفريقية والعربية والإسلامية التي زكّتها بالإجماع لشغل المقعد، قبل أن يتم انتخابها بالأغلبية الساحقة من قبل أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد وضعت الجزائر على عاتقها المرافعة والانتصار لجميع القضايا الإفريقية والعربية والإسلامية، وتصدرت القضية الفلسطينية الأولويات في ظل حرب الإبادة الصهيونية.
وطوال هذه المدة، أبان أداء البعثة الجزائرية عن مستوى راقٍ للغاية في مناقشة القضايا الدولية الملحّة، وتقديم المواقف وبنائها على حجج وعناصر قوية تصب كلها في اتجاه الاحتكام للقانون الدولي واستعادة مكانة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتحميلهما المسؤولية الواجبة في إدارة الصراعات العالمية بما يؤدي إلى السلم والاستقرار.
الجزائر، على مستوى مجلس الأمن، وبصفتها ممثل المجموعة العربية والإسلامية، لم تنتظر طويلًا للدخول في صلب موضوع العدوان الصهيوني على قطاع غزّة، حيث دعت إلى عقد عدة اجتماعات عاجلة وبادرت بطرح مشاريع قرارات لوقف إطلاق النار.
فلسطين..أولوية
نالت طريقة عمل الوفد الجزائري، بقيادة بن جامع، تقدير جميع الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين داخل المجلس، حيث خاضت البعثة مشاورات مكثفة مدعّمة بقوة الإقناع قبل طرح مشاريع القرارات باللون الأزرق.
وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر الأعضاء استخدامًا للفيتو، فتحت قنوات التواصل المباشر على مستوى وزيري الشؤون الخارجية في البلدين، لمناقشة مسودة مشروع القرار الخاص بغزّة.
وكلّلت هذه الجهود، مع ابتكار أسلوب تقديم المشروع باسم مجموعة العشرة للأعضاء غير الدائمين، بتحييد الفيتو الأمريكي في إحدى المرات وتمرير قرار يقضي بوقف إطلاق النار، غير أن تمتع الاحتلال الصهيوني بالحماية أمام القانون الدولي دفعه لمواصلة جرائمه.
ورغم ذلك، لم تستكن الجزائر ولم تتوقف، ويُذكر لبن جامع خطاب شهير قال فيه: «إننا سندفن شهداءها هذا المساء، في رفح، في غزّة، في كل فلسطين، وإن الجزائر ستعود غدًا باسم الأمة العربية وباسم الأمة الإسلامية وباسم أحرار العالم، ومعنا أرواح الآلاف من الأبرياء التي أزهقها المحتل الصهيوني دون عقاب...ستعود الجزائر لتدق أبواب مجلس الأمن مرة أخرى وتطالب بوقف حمّام الدم في فلسطين، ولن نتوقف حتى يتحمل هذا المجلس مسؤوليته».
كانت هذه من أقوى العبارات التي قيلت في مجلس الأمن على الإطلاق، وجذبت أنظار العالم أجمع إلى ما يجري في غزّة، وكانت بداية انتباه العالم وانقلاب المواقف وسط الجماهير الغربية تجاه ما يرتكبه الكيان الصهيوني.
وما دافعت عنه الجزائر، وما طالبت به مجلس الأمن والمجتمع الدولي منذ أن بدأت شغل عضويتها الحالية، أخذ طريقه نحو التحقق، خاصة ما تعلق باعتراف الدول بدولة فلسطين، حيث انضمت عديد الدول إلى هذا المسار ليرتفع العدد إلى 160 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.
ولم يتوقف دور البعثة الجزائرية الدائمة عند الدعم القوي للقضية الفلسطينية، إذ ساهمت في إبراز القضايا ذات الأولوية بالنسبة للقارة الإفريقية والعالمين العربي والإسلامي، على غرار مكافحة الإرهاب وقضايا الهجرة والذكاء الاصطناعي وعدالة النظام الاقتصادي العالمي.
وفي هذا السياق، تمكنت الجزائر من إنهاء «أبارتيد الوثائق»، حيث تم إقرار مبدأ المساواة في الاطلاع على وثائق مجلس الأمن لجميع أعضائه دون تمييز، وهو ما يعد إصلاحًا جذريًا بفضل التحركات الجزائرية، منهية بذلك إجراءً دام لعقود.
إن تكريم رئيس الجمهورية للسفير بن جامع يعد تكريسًا لانتصار الدبلوماسية في الوفاء بالتزاماتها ومبادئها تجاه القضايا العادلة وتجاه القانون الدولي، الذي تراه السبيل الوحيد للابتعاد عن أخطار الانزلاق نحو الفوضى.