أدى استمرار تهاوي سعر النفط إلى فقدان قرابة 47٪ من سعر البترول الجزائري، ما يجعل التوجه إلى الاقتصاد البديل حتميا وليس خيارا، وهو المطلب الذي كان ملحا من قبل الخبراء في ظل تراجع قيمة الذهب الأسود.
لعل السقوط الحر لأسعار البترول بالسرعة التي شهدها والتي فاقت التوقعات، حسب بعض المختصين، لن يترك الوقت أكثر لمزيد من التخمينات، بقدر ما يتطلب التكيف مع الوضع المستجد، الذي أفرز انعكاسات على الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ما تطلب اتخاذ إجراءات احترازية تضمنها قانون المالية لسنة 2016 متمثلة في ارتفاع سعر الوقود والكهرباء.
هذه التدابير وإن كان لها انعكاس على الناحية الاجتماعية، لكن بالمقابل يمكن أن تساهم على الأقل في ضبط بعض الأمور، منها ما يتعلق بترشيد الاستهلاك، كما هو الحال بالنسبة للكهرباء، حيث التبذير ضرب أطنابه، كما ساهم الرفع في تسعيرة الوقود في لجوء المواطنين أصحاب المركبات، كخطوة أولى التقليل من استعمال السيارات، وهذا ما لوحظ جليا منذ دخول الإجراء الجديد حيز التطبيق، بالإضافة إلى بحث كيفية استغلال «سيرغاز» الوقود الذي لم تطله هذه الزيادات، بالإضافة إلى كونه ليس له تأثير على البيئة والمحيط.
وفي جانب الاستثمار، فإن المشاريع ماعدا تلك المتعلقة بالمنشآت القاعدية الكبرى، التي «امتصت» أموالا كبيرة من الخزينة العمومية، فإن كل مشروع شراكة يتم تجسيده وفق القاعدة 49 -51، على أن يكون التمويل مناصفة بين الشركاء، عوض الاعتماد الكلي على الجزائر، وهو ما حدث في مشروع الشراكة الجزائري الصيني، لإنجاز الميناء التجاري الجديد في موقع الحمدانية شرق مدينة شرشال بتيبازة.
هذا الوضع الاقتصادي الصعب، يتطلب كذلك تضافر الجهود للجميع وكافة الأطراف، كما يعد فرصة لمعالجة بعض الاختلالات والإشكاليات الاقتصادية على غرار السوق الموازية، التي تشغل آلاف من الجزائريين لكن أرباحها لا تدخل البنوك، لأنها وبكل بساطة تنشط في إطار غير قانوني، ما يجعلها تتهرب من دفع الضرائب التي تقع عليها لصالح الخزينة العمومية.
كما يتطلب كذلك نمط جديد من النمو ودفع والتفكير في خلق موارد غير بترولية على المدى المتوسط والطويل، ما يسمح بالتوسيع في الوعاء الضريبي، لضمان مداخيل أخرى خارج النفط، خاصة وأن ذلك ممكن حسب تأكيد الخبراء في المجال، وذلك بالنظر إلى الثروات الطبيعية والموارد البشرية المتوفرة، لإقلاع اقتصادي جديد، خاصة في قطاعات الفلاحة، السياحة والصناعة.