يرى الدكتور إلياس بوكراع المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة خلال استضافته بمنتدى «الشعب» أن مفهوم النزاعات الدولية تغير تغيرا جذريا باتجاه مايعرف بـ «التعقيد» أي «الصراعات المركبة» التي لم تعد محصورة في فضاء معين أو نطاق محدد بل امتدت تداعياتها إلى البلدان المستقرة التي تأثرت مباشرة بما يحدث على حدودها.
ويعود هذا التوجه الحالي إلى مايسمى بـ «عولمة» أو «تدويل» هذا التفكك للبلدان التي كانت تحرص دائما على عدم دخولها هذا المعترك.. ورغما عنها وجدت نفسها تواجه إفرازات لتحركات داخلية لم تكن عفوية أبدا بقدر ما تعرضت لمناورات خارجية أراد أصحابها أن يحدثوا تلك القطيعة مع الأنظمة القائمة.
وفي هذا السياق أقر الدكتور بوكراع بأن سقف التعقيد الذي أشار إليه ليس من السهل التحكم.. لا لشيء سوى لأن تبعات طبيعة مايحدث يشبه تماما عملية «التفريخ» أي أن الأزمة تولد الأزمة بشكل لايمكن السيطرة عليه نظرا لغياب المعالم في تسيير مايقع بالشكل اللائق والطريقة المناسبة.
وهذه التحولات الداخلية هي نتاج للتأثيرات الخارجية وهذا باسم شعارات حاملة للدلالات السياسية أكثر من شيء آخر،، تراهن على قيم لطالما تم تداولها تارة باسم الأقليات وتارة أخرى على أساس حقوق الإنسان وحاليا تضاف إلى كل هذه التسميات عناصر تعتمد على شروحات إقليمية تريد الإطاحة بالدولة المركزية وفي مقابل ذلك دخول «مرحلة الفوضى» مايتبعها من «فراغ مؤسساتي» كما هو الشأن بالنسبة لأمثلة حية موجودة في العالم العربي خاصة.
وعلى ضوء هذا التفسير المبدئي لحالة العلاقات الدولية في الظرف الراهن فإن «الصفة» التي تطلق عليها هي أنظمة من النزاعات المتداخلة التي وصلت إلى مستوى تستدعي الإستعانة بالآخر في حلها بسبب تشابك خيوطها وعدم بروز اللون الأبيض من الأسود عند التدقيق في اتجاهاتها.
وهذا في حد ذاته شكل من أشكال التعجيز الذي يريد الغرب فرضه على الدول المركزية وهذا بإبعادها عن أي حل يصدر من الداخل وهذا مايلاحظ في سوريا وليبيا ونقاط أخرى من العالم العربي التي ماتزال عرضة لحسابات استراتيجية دقيقة يراد منها إعادة صياغة أداء العلاقات الدولية.
ولابد من الاعتراف هنا بأننا في خضم هذه الحركية أي التغيير الحاصل في هذه العلاقات وماهو مطلوب الإنتباه والحذر لخلفيات هذا التحول الخطير الذي قد يؤدي إلى اللاتوازن واللا إستقرار للأسف، غير أن مايسجل هو العودة القوية لروسيا إلى المحفل الدولي والمشهد السياسي قصد صناعة التوازن والاستقرار وعدم ترك المبادرة لنفس «الفاعلين» و«الأبطال» في وضع سيناريوهات والتصورات من أجل تمرير أهدافهم للإجهاز على ماتبقى من الصمود والتصدي.
ونعتقد بأن الجزائريين يدركون تمام الإدراك هذه الصدمة الحاصلة في العلاقات الدولية وبفضل تلك الرؤية المتسمة بالحكمة والتعقل والهدوء في تسيير القضايا الدولية وإبداء الموقف منها سمح ذلك بالذهاب إلى الخيارات السياسية الفعالة التي بإمكانها الإلمام الكامل بالملف ومنحه الوجهة المفضلة ألا وهي «الحل السياسي» الذي يبقى الوحيد الذي يعيد الأوضاع إلى حالتها الطبيعية كبناء المؤسسات وإعادة الشرعية عن طريق الانتخابات هذا هو رهان المرحلة القادمة.
وضمن هذا الإطار فإن النظرة الشاملة في معالجة النزاعات يجب أن تحتكم إلى الأمم المتحدة وهذا ماتؤكد عليه الجزائر دائما رافضة السقوط في مطبات يضعها البعض عبارة عن نزاعات إقليمية اندلعت على خلفية دينية لذلك أخذت تلك الأبعاد المعقدة،، وكلما حاولت الأمم المتحدة الاقتراب منها إلا وتعود بخفي حنين كون المشكل ينظر إليه من زاوية مخالفة لقاعدته الأساسية ألا وهي منطلقاته السياسية.
وإبعاد هذا الخيار وعدم العمل به سيؤزم الصراعات أكثر فأكثر ولن يكون أي حل في الأفق وهذا مانقف عليه اليوم عند القيام بإطلالة على مسرح العالم العربي ويطالب العديد من الكبار «بالحل السياسي» كما اقترحته الجزائر في كل مرة ومهما يكن مضمونه فإنه يمنع الذهاب إلى «الحل العسكري».