إن المتتبع لأزمات “الربيع العربي”، يقتنع بأن أسباب ما يسمى بـ«الثورات العربية” كانت عبارة عن سيناريوهات مفبركة ومطبوخة في أكبر مخابر الاستخبارات الأجنبية، للوصول إلى واقع جديد للمنطقة الحيوية المعروفة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبدا للعيان استثمار الغرب وإسرائيل في ملف الأقليات الاثنية، وقلب موازين الدول واستهداف الجبهات الداخلية من خلال إثارة النعرات وحشد الدعم الدولي للأقليات، حتى تضخم إعلاميا ويصبح تقسيم الدول مبررا.
فالسيناريوهات تثبت بأن قضية ومسألة تقسيم العراق غير مستبعدة، في ظل استعداد الأكراد للانفصال، غير أن التطورات في الملف السوري والترويج لإمكانية تقسيم سوريا لدولة علوية وأخرى للأكراد وأخرى للعرب السنة، سيجعل مشاكل هذه الدول تتواصل إلى غاية الاستقرار على حل يرضي الأمريكان والروس ومختلف القوى التي تسير في فلكهم ومن دون إسرائيل.
والذي يعرف الواقع الليبي يتيقن أن مشاكل ليبيا وتعطيل الحلول السياسية، يعود للتركيبة الاثنية للمجتمع الليبي الذي ينقسم لقبائل ورفلة وترهونة، ناهيك عن وجود الأمازيع في منطقة “الزوارة” شرق ليبيا والتوارق في الجنوب، ويظهر أن الكثير من الدول الغربية قد درست تركيبة المجتمع الليبي، وهي تراهن على الانحياز لقبائل ضد أخرى ومحاولة خلق قلاقل بين القبائل مع إقحام ما يسمى “داعش” الإرهابي، لتمهيد الطريق للتدخل الخارجي، فلم نسمع بأية دولة يدخلها تنظيم «داعش» دون أن يكون هناك تدخلا خارجيا بعد سنوات من التطاحن الداخلي، فالخارج يتدخل في نهاية الأزمات ليفرض حلوله ويستفيد من المصالح ومناطق النفوذ.
وسيكون التدخل العسكري في ليبيا وشيكا بالنظر للعديد من الاعتبارات، وهي مواصلة عملية الفوضى الخلاقة التي انطلقت في 2010 وتستهدف كل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ولكن تبقى تقوية الجبهات الداخلية مثلما تعمل عليه الجزائر من أجل غلق كل المنافذ التي تؤدي إلى تجنيد ما يسمى الخلايا النائمة داخليا، فبقدر ما كان «الربيع العربي» عاملا لإثارة مشكل الأقليات أدخل الغرب الشيعة كفاعل أساسي من خلال جر إيران للتدخل في عديد الدول العربية وتضخيمها إعلاميا مع تحريض السنة على الثورة ضد الشيعة، وهكذا تم خوض حرب بالوكالة مع رفع مستوى البغض والضغينة حتى تكون هناك حروبا برية تستنزف ما تبقى من قدرات الدول، وهو ما يحدث باليمن ومصر ولبنان وليبيا.
وتبقى الجزائر بفضل سياستها الحكيمة واستشرافها، تخرج سالمة من مختلف الأزمات، وسيعود إليها الجميع في النهاية لفض النزاعات مثلما حدث في مالي.