تهديدات تمس 15 مليون متر مربع يقطنها أزيد من 500 مليون نسمة
صراعات معقدة تغذيها القوى الخارجية حفاظا على مصالحها
حذر المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة، إلياس بوكراع، من تداعيات “الصراعات المعقدة” في ليبيا على المنطقة وعلى الجزائر بشكل أخص، وفق مقاربات جيوسياسية، مبنية على مصالح دول الغرب المتصارعة على الثروات التي تزخر بها الدول العربية ودول من إفريقيا، لتمويل اقتصادياتها في ظل انهيار النظام الرأسمالي
تغيرت طبيعة الصراعات في دول الجنوب منها العربية، بحسب التطورات الجيوسياسية، التي فرضتها العولمة، كما أوضح إلياس بوكراع أمس في منتدى جريدة “الشعب”، من خلال مداخلته في الندوة حول التطورات المحتملة في ليبيا، حيث أصبحت ـ كما قال ـ كل مجتمعات الجنوب عربية كانت أم إفريقية، تمر بوضعيات صعبة تبحث من خلالها معالجة المشاكل الداخلية، وكيفية تحسين المستوى المعيشي لأفرادها التي تعد في الغالب أحد عوامل الاضطرابات والصراعات في الداخل، وفي نفس الوقت تواجه تحديات في كيفية التكيف مع العولمة من خلال إعادة النظر في دور الدولة، وفق تصور جديد للغرب الذي يسعى لإعادة تشكيل مستعمرات جديدة، لتكون له خزان موارد، تضمن له تمويل اقتصاده وديمومة هيمنته على هذه الدول، مما يخلق صراعا جديدا غير مسبوق ومركب يصعب حله.
قال الدكتور أن هذه الصراعات في الأصل داخلية، وهو ما يميز في الأصل الصراعات في الدول العربية، لكنها ما تفتأ أن تتحول بفعل عوامل أخرى متداخلة، لتؤثر على الوضع الإقليمي لتمتد إلى المستوى الدولي، بعدما تتدخل دول الغرب حسب الأهمية الإستراتيجية للمنطقة، كما تثير شهيتها الموارد الطبيعية التي تزخر بها ما يجعل الصراعات “مركبة معقدة “، وهو ما حدث في ليبيا، وتميز الوضع في سوريا والعراق، والتي تحولت إلى أزمات ذات تداعيات دولية، تفتح للسياسات أفق وضع سيناريوهات ووضع احتمالات حول الأزمات، التي يطول أمدها زمنيا، ما يتطلب بحث كيفية إيجاد الحلول لها، بمساعدة التحاليل والقراءات التي يقدمها الخبراء، مؤكدا في هذا الصدد، أن كل الصراعات لن تكون بمفهوم تقليدي.
في ذات السياق، أكد بوكراع أن الغرب فهم بأن الدولة الأمة في العالم العربي هي “الهيكل الفعال” في مقاومة هيمنتهم وأطماعهم كما يشكل أيضا “عنصرا للتنمية الوطنية” لذلك فإنهم يرون بأن هذه الدولة الأمة يجب أن تهدم بأي شكل من الأشكال وضرورة إعادة هيكلة العالم العربي والإسلامي وفق تصور يخدم مصالحها الآنية والمستقبلية.
«ما حدث في غرداية ليس صراعا كلاسيكيا”
وأكد في هذا السياق، أن ما عرفته مدينة غرداية من أحداث دامية، “ليس مشكلا وطنيا” أي أنه ليس نتاج مشاكل داخلية “و لا يمكن اعتباره صراعا كلاسيكيا، أو وطنيا” لافتا أنه عندما نحلل المسألة، نجده يمتد إلى خارج الحدود وقد ساهمت فيه الدول الغربية المتصارعة على المصالح.
تتميز هذه الصراعات بتعددية قطبية، وفق إستراتيجية عسكرية واقتصادية وسياسية، تهدف إلى إعادة تشكيل الأوضاع حسب مصالح جديدة ضمن عولمة رأسمالية، مبنية على مصالح ورهانات، وهو ما تعرفه ليبيا ودول أخرى تعيش الأزمة بجميع أبعادها.
«المغرب يريد لعب دور الأردن.. للحفاظ على مصالحه”
وحدد المتحدث في معرض حديثه 5 أنواع من الصراعات، أولها الصراع الذي تعرفه منطقة المغرب العربي وعمقها الممتد إلى منطقة الساحل، حيث يؤثر الأول على الثاني والعكس صحيح، والصراع المركب بين مصر والسودان وليبيا وامتداده في القرن الإفريقي، والصراع المعقد الجيوستراتيجي بين سوريا ولبنان والأردن، والذي تدخل في مجاله فلسطين، بالإضافة إلى أزمة اليمن وتداعياته على دول الخليج وامتداده إلى الصومال، والمجال الجيوستراتيجي بين إيران والعراق.
وأمام هذا الوضع المعقد في الدول العربية، يحتاج إلى حل يصدر من دولتين عربيتين تقوم إحداهما بدور تركيا والثانية بدور إيران، لإحداث توازن في ظل صراع دولي للإبقاء على المصالح الحيوية للدول العربية، مشير إلى أن المغرب يريد لعب دور الأردن، الذي يريد الإبقاء على الوضع القائم، واستغلالها للسعي برسم خارطة حل الصحراء الغربية بما يتماشى ومصالحه.
وبالنسبة لليبيا فإنها متواجدة بمركز صراعين مركبين معقدين، يتمثل الأول في المجال المغاربي بامتداده في الصحراء والساحل، والصراع المصري السوداني ببعده الممتد في منطقة القرن الإفريقي، مؤكدا أن تحليل الوضع في ليبيا يتطلب بالضرورة، الرجوع لجميع هذه المعطيات، في إطارها الشامل، مشيرا إلى أن الحرب على ليبيا سيكون له انعكاس عابر للأوطان، 15 مليون متر مربع وأزيد من 500 مليون نسمة في إفريقيا لوحدها، بمعنى أن هذا مخطط من الدول الغربية لإعادة رسم خريطة مستعمرات جديدة.