أعاد رئيس المجلس الشعبي الوطني محمد العربي ولد خليفة، طرح إشكالية تغيب النواب عن جلسات المجلس الشعبي الوطني، ظاهرة لم يغفلها دستور 2016 الذي شدد في المادة 100 مكرر التي جاء فيها «ينبغي أن ينص النظامان الداخليان للمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة على أحكام تتعلق بوجوب المشاركة الفعلية لأعضائهما في أشغال اللجان وفي الجلسات العامة، تحت طائلة العقوبات المطبقة في حالة الغياب».
إشكالية تغيب ممثلي الشعب بالمجلس الشعبي الوطني إلى الواجهة، طرحت هذه المرة من قبل رئيس الغرفة البرلمانية السفلى، الذي لم يخف امتعاضه من الظاهرة التي وصلت إلى حد يفوق فيه عدد الصحافيين المكلفين بتغطية الجلسات عدد النواب، وإن كان البعض يوعز ذلك إلى اقتراب انتهاء العهدة التي لم يتبق منها إلا سنة، إضافة إلى ما تبقى من عمر الدورة الربيعية الجارية، إلا أنها لا تبرر غيابهم لاسيما وأنهم يمثلون الشعب، كما أن الأمر الأكيد أنها باتت تسبب «حرجا».
ولم يخف المسؤول الأول على الغرفة البرلمانية الثانية امتعاضه من غياب النواب في الجلستين المخصصتين لعرض ومناقشة التقرير السنوي المتضمن «التطورات الاقتصادية والنقدية لسنة 2014 من قبل محافظ بنك الجزائر»، الظاهرة وبعدما كانت تقتصر لدى بروزها على الجلسات المخصصة للأسئلة الشفوية، امتدت في السنوات الأخيرة إلى الجلسات المخصصة لمشاريع القوانين والتقارير التي تكتسي أهمية بالغة، وباتت تطرح إشكالا حقيقيا إلى درجة إثارتها من قبل ولد خليفة.
ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بقسم العلوم السياسية بجامعة باجي مختار بعنابة عبد السلام فيلالي، في تصريح خص به «الشعب»، أن الأمر «يعالج أمر تغيب النواب من زاويتين، أولا من حيث هو سلوك فردي يتعلق بظروف خاصة، و ثانيا من حيث أنه عمل مؤسساتي جد هام لأنه يتعلق بمؤسسة سياسية تمثل جوهر الممارسة السياسية والتشريعية»، مضيفا «ومن ثم لا يجب النظر إليه كسلوك عابر..خاصة ونحن نعلم أن دورات اجتماع الهيئة البرلمانية محدد زمنيا بدورات كانت في السابق خريفية و ربيعية، من هنا لا يمكن النظر إلى ظاهرة التغيب كما ننظر إلى ما يشابهها».
وقال في سياق تحليله للظاهرة السلبية، التي كانت مقتصرة في بادئ الأمر على جلسات الأسئلة الشفوية، قبل أن تمتد إلى جلسات مناقشة مشاريع القوانين والتقارير أن «الواقع كما تم استقصائها، أن ظاهرة تغيب البرلماني عن مناقشة والتصويت على مشاريع القوانين، يعود إلى عدم القدرة على ممارسة فعل التشريع»، لكنه بالمقابل وبخصوص ما يتم تداوله بخصوص انشغالهم بأمور تخصهم ودحرجة انشغالات ممثليهم إلى المرتبة الثانية في قائمة الأولويات، قال أنه «لا مانع من متابعة انشغالاتهم، لكن مع عدم التفريط في انشغالات المواطنين».
واقترح الأستاذ فيلالي حل المشكلة «عبر تفعيل قوانين ردع التغيب»، والأهم من ذلك كمرحلة قبلية «انتخاب نواب يكونون بمستوى هذه المهمة، وباختصار ينظر إلى عملية وضع القوانين من حيث أن مصير الدولة مرتبط بسلامة سيرها».
ويعول على دستور 2016 الذي أصبح نافذا منذ السابع مارس الجاري على معالجة الوضع، وفق ما تضمنته المادة الجديدة 100 مكرر، والتي تنص على أن «يتفرغ النائب أو عضو مجلس الأمة كليا لممارسة عهدته. ينبغي أن ينص النظامان الداخليان للمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة على أحكام تتعلق بوجوب المشاركة الفعلية لأعضائهما في أشغال اللجان وفي الجلسات العامة، تحت طائلة العقوبات المطبقة في حالة الغياب»، وإذا كانت الدورة الموحدة لن تنطلق، إلا في الثاني سبتمبر المقبل حسب ما ورد في الدستور، فإن أحكام الدستور الأخرى باتت نافذة بمجرد صدوره في الجريدة الرسمية، مثلما هو الشأن بالنسبة لأحكام المادة 100 مكرر.