جسّدت تلاحم الحركة الوطنية وفاوضت تحت لواء واحد

حرب التحرير نجحت لأن بيان نوفمبر مرجعيتها

سعاد بوعبوش

تكمن رمزية مجازر 08 ماي 1945 في نتائجها وانعكاساتها على العلاقات الجزائرية - الفرنسية، لاسيما من حيث التعامل مع المستعمِر والتفاوض معه، حيث كرّست بشكل، لا يدع مجالا للشك، أن الاستقلال لن يُتحصَّل عليه إلا بالثورة المسلحة وأن وعود فرنسا ما هي إلا إغراءات وأكاذيب وأن الحرية ثمنها العمل المسلح، وهو ما أصبح فيما بعد عقيدة المجاهدين الثوار والمنطق الوحيد الذي يفهمه القادة الفرنسيون.
هي حقيقة وواقع معيش، توقف عنده المجاهد صالح ڤوجيل والوزير الأسبق وعضو مجلس الأمة ضيف منبر “الشعب”، عشية إحياء ذكرى مجازر الثامن ماي، حيث قال إن هذه الأحداث الدموية التي طالت الجزائريين عقب انتصار الحلفاء على النازية، كانت منعرجا هاما في اتجاه القضية الجزائرية من خلال مساهمتها في تبلور الوعي الوطني لدى الشعب الجزائري الذي أصبح يؤمن بضرورة الكفاح الثوري لاسترجاع ما أخذ بالغدر والقوة لتحقيق الحرية واستقلال الجزائر بعد التأكد من استحالة تحقيق الأهداف الوطنية.
وبحسب المجاهد ڤوجيل، انعكست هذه الأحداث على تفكير المناضلين الجزائريين السياسيين والعسكريين، بالرغم من اختلافهم وتعدّد الحساسيات آنذاك، حيث انصهرت كل الكتل الوطنية تحت لواء بيان نوفمبر الذي كان المرجع الفيصل الذي جسّد تلاحم الحركة الوطنية ومن ورائها الشعب الجزائري ومطالبتها بالاستقلال واختفاء التيار الاندماجي وكان ذلك بمقاطعة انتخابات جويلية 1945، وهو ما جسّد وعي الجزائريين وقدرتهم على اجتياز المصاعب.
وأوضح قوجيل، أن فرنسا حاولت تبييض صورتها والتخفيف من ذنبها بخصوص المجازر بهدف ربح الشعب الجزائري، خاصة بعدما تزايد ضغط الحركة الوطنية من خلال تبنّي جملة من الإصلاحات بداية بإطلاق المعتقلين السياسيين، وإصدار قانون 20 سبتمبر 1947 أو ما يُعرف بدستور الجزائر، في حين قام الجانب الجزائري بإنشاء المنظمة السرية بعد أن أسندت المهمة لمحمد بلوزداد، فكانت النواة الأولى لميلاد جبهة التحرير الوطني والخطوة الأولى لإعداد الثورة.
وبحسب الوزير، انعكست هذه الأحداث فيما بعد على عقلية المفاوض الجزائري، الذي كان حَذِقاً ومتأهبا لأيّ ألعوبة جديدة من خلال خلفية تفاوضية تستند إلى المحافظة على سيادة القرار السياسي والذي تجسّد في مضمون بيان نوفمبر الذي كان مشبعا بأدبيات الحركة الوطنية، وذلك من خلال حصر التفاوض مع جبهة التحرير الوطني، باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الجزائري، ورفض دخول أيّ وسيط على الخط، لأن ذلك كفيل بخلط أوراق اللعبة ورهن مستقبل القضية الجزائرية وبالتالي خسارة الشعب الذي كان المساند القوي لهم وتم ربحه بكثير من التضحيات، بالإضافة إلى التفريق في التعامل من خلال التأكيد على أن الجزائر ليست ضد الشعب الفرنسي وإنما ضد الاستعمار الفرنسي.
وأشار قوجيل أن نفس العقلية كانت لدى المفاوض الفرنسي، حيث كانت له هو الآخر خلفية ينطلق منها، على اعتبار أن فرنسا كانت تريد البقاء على كل الأصعدة في الجزائر، لاسيما على مستوى قيادة الأركان والحكومة المؤقتة، وبالتالي فهي كانت تريد المحافظة على المليون فرنسي المقيمين بالجزائر والذين يمكن استغلالهم فيما بعد، بالإضافة إلى البترول والغاز الذي كان هدفا استراتيجيا لها، ناهيك عن المراكز العسكرية، على غرار المرسى الكبير وبشار لإجراء تجاربها النووية.
كما حاولت الجهات الفرنسية ضمان مستقبل لها من خلال القوة المحلية لحفظ الأمن ومراقبة وقف إطلاق النار والتي كانت ترى فيها، على حد قول وزير الدفاع الفرنسي، مسمار مستقبل الجيش الجزائري وهو ما تم التنبؤ له، حيث تم نزع سلاح هذه القوات وتسريح مجنّديها من الخدمة وهذا لضمان عودة فرنسا من الباب الواسع.
هي أحداث ومعارك مسلحة وسياسية عكست، بحسب المجاهد ڤوجيل، الحنكة العسكرية والدبلوماسية للجزائري الثوري، كل في مجاله، وكذا معركة الثورة التحريرية التي سالت في سبيلها دماء جزائرية بحته وبعقل مستنير رسم لنفسه هدفا واحدا، رفض المساومة حوله مهما كانت الظروف وأنهت وقضت على عنجهية المستعمِر الفرنسي باستعادة أرض الجزائر دون أن تنقص منها ولو شبرا واحدا.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025