مجــازر8 مــاي... الحقيقـــــــة

حكيم بوغرارة

تعتبر مجازر 8 ماي 1945، محطة حاسمة في تاريخ الشعب الجزائري، ارتكبتها فرنسا العار في حق الشعب الجزائري، فكانت منعرجا للكثير من العوامل التي عملت على تنمية وتطوير الوعي لدى الجزائريين الذين اكتسبوا تجارب كبيرة من تعاملهم مع خبث فرنسا، ليتأكدوا بأن قذارة فرنسا لن تنتهي وهي تتطور كلما دام استيطانها في الجزائر.
لقد انتقمت ذليلة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية من الجزائريين، فالذل والقهر الذي لحقها من ألمانيا النازية حاولت ممارسته على الجزائريين لكن هيهات... وتروي الحقائق، أن ألمانيا أسرت سجيني حرب، واحد فرنسي وآخر جزائري، وبعد التحقيق معهم قال الفرنسي للمستجوبين الألمان بأنه يحارب من أجل بلده الأم. وقال الجزائري إني أحارب على أمّ هذا، مشيرا بيده إلى السجين الفرنسي، ليتأكد الجميع من عقدة فرنسا العاجزة عن الدفاع عن نفسها، وتفجر حقدها تجاه الشعوب المضطهدة، لكن الأمر لم يكن مع الجزائر.
تؤكد الإحصائيات الفرنسية التي سلمت للجزائر أو التي اطلع عليها جزائريون، بأن فرنسا أبادت 100 ألف جزائري بين 1830 و1870 وحتى تطور عدد السكان في الجزائر لم يكن كبيرا في السنوات الأخرى، فعند الاستقلال لم نكن سوى 8 ملايين نسمة وبالتالي الحديث عن 1.5 مليون شهيد بين 1954 و1962 يجعلنا نتنكر للملايين الأخرى التي أبادتها فرنسا ومنه ضرورة تصحيح المفاهيم والإحصائيات وتصحيح مطالبنا تجاه فرنسا الخبيثة التي لم تتعامل أبدا بحسن نوايا مع الجزائر ولن تتعامل معنا كذلك.
لقد تطورت عقدة فرنسا من الجزائريين بعد أن أبلوا البلاء الحسن في الحربين العالميتين، حيث دافعوا عن فرنسا وأوروبا والحلفاء وهو ما لم تتحمّله فرنسا، حيث كان ديغول يسير المعارك من العاصمة البريطانية لندن، بينما كان الجزائريون والأفارقة في الصفوف الأولى. وبما أن التاريخ لا يرحم، فقد قررت فرنسا إبادة كل الذين ساهموا في استرجاع سيادتها بعد أن سقطت بعد 13 يوما في الحرب العالمية الثانية في يد الألمان، وأصبح الفرنسيون يبررون استسلامهم بخوفهم على جمال عاصمتهم باريس.
لقد قبل الفرنسيون العيش في ذل تحت راية الألمان وهم يتمتعون بالنظر لجمال العاصمة باريس، وبعدها حاولوا إسقاط ما حدث لهم على الجزائر في صورة مخزية جدا.
...إسألوا محور سكيكدة - نابولي - روما - باريس، سيحدثكم عن جزائريين قطعوا البحار من أجل تحرير أوروبا، ولم يكتفوا بالجانب العسكري، بل تعلموا فنّ السياسة والدفاع عن الحقوق ومحاربة المستعمر، حيث يؤكد التاريخ اتصال فرحات عباس بالقنصل الأمريكي “مرفي” في 1944 وطالبه بأحقية الجزائر في تقرير المصير. كما نظم الجزائريون أنفسهم في مجتمع مدني انتظارا لساعة الحسم والمطالبة بالحق في الاستقلال ومعرفة جس نبض فرنسا التي ردت بمجازر وحشية تعكس الحقد والغل الدفينين تجاه الجزائر.
وحتى بعد توبة فرنسا الذئب بعد مجازرها بفتح المجال السياسي أمام الجزائريين والسماح لهم بالمشاركة في الانتخابات التي فاز بها الجزائريون بين 1947 و1950، ولكن التزوير وتمكين الموالين لفرنسا من القياد والحركى من دخول المجالس المنتخبة، جعل الجزائر تتأكد بأن خيار الكفاح المسلح هو الحل.
نعمة المنظمة السرية
كانت المنظمة الخاصة لحزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية، التي قادها أبو الحركة الوطنية مصالي الحاج إلى غاية صيف 1954، نعمة مما حدث في 1945 حيث جسد الجزائريون طموحهم ورغبتهم في خوض الكفاح المسلح بعد أن خاضوا الحرب العالمية الثانية وشاهدوا ووقفوا على جبن فرنسا فبدأوا يكوّنون الكوادر الشابة وتأطيرها، وأنجزوا طريق السلاح الذي يمر عبر ليبيا - الوادي إلى منطقة الأوراس، حيث استغلوا حقد ألمانيا وإيطاليا على فرنسا وورّدوا السلاح عبر ليبيا، التي قدمت لنا مساعدات عظمية دون أدنى طمع وتعززت قدرات الجزائر بقوة وكانت ذخيرة لإنجاح اندلاع الثورة التي كانت تحتاج لأسلحة كبيرة.
وحتى بعد اكتشاف المنظمة السرية في 1950، لم تتوقف مجهودات التحضير للكفاح المسلح الذي بدأ يتنامى أكثر فأكثر، خاصة بعد الذي حدث في مصر في 1952 بعد ثورة الضباط الأحرار، واستقلال تونس والمغرب في 1954 وحتى مصطفى بن بولعيد تنقل إلى بلجيكا لعرض أمر الكفاح المسلح على مصالي الحاج، الذي رفض رفضا قاطعا الفكرة بحجة فتوة مختلف المناضلين.
ومن الأسباب التي مهدت لنجاح الثورة، رغبة بن بولعيد في الاتصال بمنطقة القبائل وإقناع كريم بلقاسم وعمر أوعمران بالانضمام للثورة، بعد أن كانوا أقرب المقرّبين من مصالي الحاج وقد تم الاتفاق فيما بعد على تفجير الثورة.
وعليه، فمجازر 8 ماي 1945 كانت الحسم والمنعرج في تاريخ الجزائر للتخلص من الاستعمار الذي كان خبيثاو حيث حاول حتى قبل خروجه العمل على ضمان تواجده الدائم في الجزائرو من خلال مخططات واستراتيجيات استهدفت ضعاف النفوس وهو ما حققت فيه فرنسا بعض النجاح من خلال شنّها هجمات متتالية وبأسلحة مختلفة تبصم على نجاح مخططاتها في التشكيك الدائم في الجزائر واللعب على الحبل النفسي وهو ما يجب أن نتفطن له.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025