لم يعد خفيا على أحد، أن الجزائر أصبحت محاطة بحدود ملغمة بكثير من التحديات الأمنية ما جعلها ترفع من مستوى استنفارها بهدف تقويض ومواجهة أي محاولة لضرب استقرارها، خاصة تلك التي قد تلجأ إليها الجماعات الإرهابية التي اتخذت من بعض الدول المحيطة ببلادنا مقرا لها لمد نفوذها وبسط سيطرتها من خلال شنّها عديد العمليات الإجرامية.
أمام استفحال التهديد الأمني بمنطقة الساحل، لاسيما على الحدود الجنوبية من ليبيا مرورا بمالي والنيجر، تصطدم الجزائر بعدة خلايا إرهابية نشطة تحمل مسميات مختلفة تشترك في الإجرام وضرب استقرار الدول، حتّم عليها تنسيق الجهود بين مختلف أجهزتها الأمنية والرفع من جاهزية قواتها، نظرا لما تمثله هذه الخلايا من خطر على سلمها وأمنها الذي دفعت في سبيل استعادته الكثير من الدماء.
وما العمليات العسكرية الأخيرة التي أطاحت بعديد الإرهابيين إلا دليل على هذه الجاهزية والتفطن لكل ما يحاك ويدبر. فقد عملت قوات الجيش الوطني الشعبي على ضرب الخلايا الإرهابية، مهما كان الفصيل الذي تقاتل تحت لوائه، وذلك بتتبعها إلى غاية تفكيكها بالكامل بعدة ولايات من الوطن، على غرار ما حدث في المدية مؤخرا، حيث تم القضاء على 18 إرهابيا بـ «الرواكش» وماتزال العمليات متواصلة.
إن تخصيص رئيس الجمهورية مجلسا مصغرا للوضع الأمني في الجنوب، ما هو إلا دليل على الاهتمام البالغ بالتحديات الواجب مواجهتها وإعطاءه الضوء الأخضر للضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه توجيه عملياته الإجرامية نحو الجزائر ومؤسساتها وشعبها وتأمين حدودها من خلال اعتماد سياسة أمنية للوقاية من الإرهاب والجريمة المنظمة.
يأتي هذا، بعد أن نجحت الجزائر في التغلب على الإرهاب الذي عرفته في وقت سابق، وتبقى متحفزة لمواجهة الموجة الثانية منه، والمصدر لها من دول الجوار والذي أصبح يتعاون عضويا ووظيفيا مع الجريمة المنظمة، خاصة فيما يتعلق بالاختطاف مقابل دفع الفدية، وهو ما جعلها تؤكد في خطابها السياسي عبر كل المحافل الدولية، على ضرورة تجفيف منابع الإرهاب، بداية بتجريم دفع الفدية للإرهابيين.
وإدراكا منها أن محاربة الإرهاب لا تنتهي بمجرد قتل الإرهابيين بل بالوصول إلى الخلايا النائمة التي تمثل جماعات الدعم والإسناد والمتمثلة في شبكات التجارة بالمخدرات والأسلحة والسجائر والهجرة غير الشرعية، كونها أنشطة يتم عن طريقها تمويل جرائم الإرهاب وتمثل مصدر تهديد للأمن الوطني، فلا يمكن لأحد أن ينكر الجهود المبذولة من طرف السلطات في هذا الإطار، خاصة على مستوى الحدود، لأنه كان لزاما على الجهات الأمنية التكيّف مع هذه التهديدات المفروضة على الجزائر ومواجهتها بكل قوة وحزم.