«الشعب» تقف عند بطولاتهن وتروي

حرائر عنابة يستذكرن شبابهن ويسترجعن صور الأمس القريب

عنابة: هدى بوعطيح

هن نساء لم يحملن السلاح ولم يلتحقن بالجبل، لكنهن شاركن إلى جانب الرجل في الثورة التحريرية المجيدة، وساهمن في استقلال الجزائر ورفع راية العلم الوطني عاليا، نساء عملن في الخفاء ومن وراء جدران منازلهن لأجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة، وتحملن مسؤولية الكفاح لأجل كسر الحصار الذي كان يشنه المستعمر الفرنسي على وطنهم ولم يتراجعن عن مسيرتهن إلى غاية الإعلان عن استعادة الجزائر لحريتها، ليكن السباقات للاحتفال بهذا النصر العظيم في شوارع المدينة.
المرأة العنابية كغيرها من نساء الجزائر، كانت الممرضة التي تعالج المصابين والطباخة التي تحضر المؤونة، والمرأة التي تشارك في المظاهرات، كما كان بيتها مخبأ سريا للمجاهدين الهاربين من بطش العدو، حيث كانت تحتضنهم بدون أي خوف، لتكون بذلك تلك المجاهدة الخفية التي لم تحمل السلاح لكنها ساهمت في الثورة التحريرية وكانت سندا قويا لأخيها المجاهد وهي من قال عنها المحافظ الاستعماري «كوستا» يوما «ما نوعية هذا الشعب، حتى تكون نسائه بهذه النوعية».
«الزغاريد والأناشيد لم تنقطع»
الحاجة مسعودة واحدة من النساء العنابيات اللواتي كان لهن دورا بارزا في مساعدة المجاهدين سواء في التخفي أو مداواتهن أو تحضير الطعام لهن، ومن وراء جدران بيتها ساهمت في استقلال الجزائر بأضعف الإيمان.
الحاجة «مسعودة قروم» امرأة في 83 سنة والمولودة بحي «الجسر الأبيض» الذي شهد بطولاتها ما تزال ذاكرتها قوية، فتحت قلبها لـ»الشعب» لتروي لنا كيف ساعدت العديد من المجاهدين في التخفي وأنقذت الكثيرين منهم من بطش العدو، بدأت تسرد علينا قصة كفاحها انطلاقا من يوم استقلال الجزائر وكيف كانت الاحتفالات بهذا النصر في عنابة، قائلة بأن شوارع المدينة عرفت خروج الرجال والنسوة والأطفال للاحتفال بهذا اليوم العظيم الذي انتظروه طويلا، حيث كانت وجهتهم نحو ساحة «الكور» أين رفعوا الرايات الوطنية، مرددين الأناشيد الوطنية، التي امتزجت بالزغاريد أحيانا والبكاء أحيانا أخرى فرحا بهذا النصر الذي طال انتظاره، وأضافت الحاجة مسعودة أن الاحتفالات دامت أياما وليالي، حتى أن الكثيرين رفضوا الالتحاق بمنازلهم ومواصلة الاحتفالات ليلا نهارا مع تضامن كبير لسكان عنابة.
ولم تفوت خالتي مسعودة ـ كما ينادونها ـ فرصة الحديث عن مشاركة المرأة الجزائرية في الثورة التحريرية المجيدة، مسترجعة فترة جهادها وكيف ساهمت ولو من بعيد في خدمة جميع المجاهدين والمجاهدات الذين ساقهم القدر أمام منزلها، لتكون لهم الممرضة والطباخة والفدائية التي تنقل الرسائل وأسرار «الخاوة» كما قالت، حيث ما تزال تتحدث بالألفاظ والكلمات التي كان يتناقلها المجاهدون فيما بينهم آنذاك.
وبالرغم من المخاطر التي كانت تعترض طريقها وهي تحمل الرسائل، حيث كانت تمر على أفواج من العسكر، إلا أن الروح الوطنية التي كانت تسكنها لم تمنعها من القيام بمهمتها، مؤكدة في سياق حديثها بأن السرب الذي كان يشكله الفرنسيون لم يثن من عزيمتها ولا من عزيمة نساء أخريات أمثالها حملن على عاتقهن خدمة الثورة التحريرية.
وعن أصعب موقف حدث لها تقول خالتي مسعودة حين اضطرت ذات يوم لإخفاء مجاهد قصد بيتها في غياب زوجها وحضور أبنائها الصغار، حيث لم تجد مكانا له مناسبا سوى تحت السرير، وحين داهم الفرنسيون بيتها لحسن حظهما لم يفتشوه تفتيشا دقيقا ومرت الأمور بسلام، وانتظرت حلول الظلام وعودة زوجها لمساعدته في الهروب والعودة إلى أحضان الجبل.   
«أقبية السجون زادت من عزيمتها»
أما الحاجة زبيدة 75 سنة فتقول إنها لم تتعد خلال الثورة التحريرية سن 16 وهو ما حرمها من الالتحاق بصفوف جبهة التحرير الوطني، على غرار صديقاتها اللواتي كن يفقنها سنا، وكن يسردن على مسامعها مغامرتهن، وهو ما جعلها تتشوق لأن تكون بين صفوف الجبهة، إلا أنها عوضت ذلك تقول الحاجة زبيدة بالطبخ لهم ومساعدتهم على التخفي عن أنظار العدو، ولأن حماسها الثوري كان باديا على محياها جعل بعض المجاهدين يكلفونها بالاتصال وتوفير الأدوية لهم ومداواة المرضى.
وأضافت محدثتنا أنها حاولت في يوم من أيام الثورة، حين تعذر على أحد المجاهدين الحضور إلى منزلها لأجل أخد الطعام والأدوية، أن تذهب بنفسها إلى مكان تواجدهم، وفي طريقها صادفت دورية عسكرية، وهو ما جعلها تخفي الأدوية في مكان آمن، وبالرغم من أن العساكر لم يجدوا بحوزتها أي شيء، إلا أنهم لم يقتنعوا بذلك فاعتقلوها لمدة 10 أيام أين تعرضت لمختلف أنواع التعذيب، على اعتبار أن ذلك المكان لا يسلكه سوى المجاهدين، ليطلق سراحها بعد أن فشل المستعمر الفرنسي ـ على حد قولها ـ في نزع أي اعتراف من لسانها، لتعود إلى ذلك المكان وتأخذ الأدوية وانتظرت حضور أحد المجاهدين لتسلمها.
الحاجة زبيدة ابنة شهيد أشارت إلى أن التعذيب الذي تلقته في سجن المحتل، زاد من عزيمتها، حيث أقسمت إن كتب الله لها الحياة أن تواصل كفاحها ضد هذا المستعمر، و لن يثنها عن ذلك لا أقبية السجون ولا تهديدات المحتل، وهو ما كان حيث واصلت نضالها بعد إطلاق سراحها إلى غاية استقلال الجزائر.
وعن هذا اليوم التاريخي قالت الحاجة زبيدة إن الاستعدادات له، بدأت بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، ويوم الاستقلال خرج الجميع دون استثناء احتفالا بالخامس جويلية رافعين الأعلام الوطنية، ومرددين النشيد الوطني في أمن بعيدا عن دوي المدافع وصوت الرصاص.  
وأضافت الحاجة زبيدة أن يوم الاستقلال بقي راسخا في ذاكراتها إلى يومنا هذا، حيث امتلأت شوارع المدينة عن آخرها بالشيوخ والأطفال والنساء، وتتذكر محدثتنا بأن هناك عائلات من تونس وليبيا قاسمت الشعب الجزائري فرحته، وأضافت في الأخير أنها تشارك الجزائر كل سنة فرحتها بعيد الاستقلال، بوضع العلم الوطني على شرفة منزلها.  

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025