قيم نوفمبر ماتزال راسخة في وجداننا

روح التضحية، نكران الذات وحب الوطن

جمال أوكيلي

بالرغم من تقدمها في السن، إلا أن ذاكرة المجاهدة والمناضلة زبيدة عميرات، رئيسة مؤسسة سليمان عميرات، ماتزال تستحضر الأحداث وكأنها كانت بالأمس. وكلما عاد هذا الشريط إغرورقت عيناها بالدموع تأثرا عميقا لأولئك الذين قدموا حياتهم قربانا للحرية وضحوا من أجل هذا الوطن.
ومما زاد في إرادة هذه المرأة، هو تحليها بذلك الهدوء، الذي سمح لها بالإجابة على كل الاسئلة المطروحة عليها وإن كانت ردود مختصرة أو مقضبة إلا أنها تدرج ضمن الشهادات التاريخية عن الثورة التحريرية المباركة.
ترى السيدة زبيدة عميرات، أن القيم التي أفرزتها الثورة الجزائرية ماتزال راسخة في وجدان أبناء هذا الشعب، كونها كانت الإسمنت المسلح في تعزيز التلاحم من أجل تحقيق الهدف الوطني ألا وهو الاستقلال.
هذه القيم لا تخلو من العدالة الاجتماعية والتضامن وروح التضحية، فنكران الذات التسامح، الإحترام والتقدير وغيرها... هذه المنظومة كانت حاضرة بقوة في أوساط الجزائريين والتي بفضلها استطاعوا طرد الاستعمار، وفي نفس الوقت مواجهة ترسانته الحربية وآلته الجهنمية من قتل، تعذيب، سجن ونفي.
وعلّم هذا الاضطهادُ اليومي الجزائريين وتجذرت قناعة عميقة لديهم بأن هذا «الليل لابد أن ينجلي» طال الزمن أم قصر، لأنهم أصحاب حق وأن القضية التي انخرطوا فيها قضية عادلة سينتصر أهلها، لأنهم قرروا ألا يتراجعوا عن هذا الأمر حتى يتحقق مبتغاهم الأزلي.
في هذا السياق،، كانت الكلمات التي تسمعها السيدة زبيدة عميرات عن الطيب العقبي في مدرسة جمعية العلماء للبنين والبنات «أنتم جنود الغد» وقعا كبيراً في نفوس الجميع وهزة حركت كل تلك المشاعر تجاه الوطن.
وهكذا كانت دعوة صريحة للاستعداد إلى ماهو قادم وأن ساعة الحسم قريبة لاريب فيها، هذا ما أدخل فيهم الروح الوطنية في أسمى صورها وفي أعلى معانيها ويوما بعد آخر يتضح صدق ذلك الكلام الصادر عن شيخ كان يحدث الاستثناء في أدبيات جمعية العلماء، نظرا لإيمانه الراسخ بالثورة ضد الاستعمار مما كلفه متاعب جمة خلال فترة نضال الحركة الوطنية من طرف إدارة الاحتلال.
ولمست السيدة زبيدة عميرات هذه القناعة عندما كانت في الميدان وهذا عن طريق الشهيد عبد الحميد طاطا، الذي كان يقول للجميع: «سنسقل وسنسير في شوارع العاصمة موفوعي الرأس»، هنا تذكرت هذا الرجل والدموع تنهمر من مقلتيها.
ولاحظت هذه المجاهدة أن رفقاء سليمان عندما يلتقون يتكلمون عن الثورة ويذكرون تفاصيل ما حدث هنا وهناك وهذا في جو مفعم باللطف، دون أي حقد يذكر أو التلميح لأشياء قد تجرح فلانا أو علانا... وهذا كله من أجل خدمة الثورة واحترام صانيعها الذين انخرطوا فيها من أجل استرجاع السيادة الوطنية.
وكشفت المجاهدة زبيدة عميرات، أن خيار التضحية الذي كان فارضا نفسه ومطروحا بقوة تجاه الوطن، لا يسمح لأحد التفكير في أشياء أخرى، ما عدا العمل على «تدويخ» هذا الاستعمار بكل الأساليب المتاحة ومقارعته في كل مكان وعدم ترك له المبادة في الميدان.
هذا الوعي السياسي هو نتاج التربية في الوسط العائلي، الذي كان يؤمن إيمانا قاطعا بأن التضحية من أجل الوطن لا مفر منها. وما زاد في تجذير وتعميق هذه القناعة، الكشافة وحفظ الأناشيد وتقديم العروض الروائية والمسرحية، كل ذلك كان يصب في قناة تحرير الوطن من براثن الاستعمار.
والشغل الشاغل للمؤسسة حاليا هو كتابة تاريخ الثورة إستنادا إلى من عاشوا وعايشوا أحداثها عن قرب وهذا عن شهادات حية توثق فيما بعد في شكل مقتطفات مدونة بطريقة صحيحة بعيدة كل البعد عن أي تهويل أو تضخيم لا يخدم هذا الهدف المسطر، حتى يطلع الشباب عمّا قدّمه أسلافهم من تضحيات لهذا الوطن.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025