هي سيدة رفضت أن تخضع للواقع الذي سيطرت عليه قوانين جائرة وسلب الحريات في شتى المجالات من طرف المستعمر... زوبيدة عميرات، المولودة قدور، واحدة ممن حملن السلاح لمحاربة مغتصبي الأرض الطاهرة .
كانت نظرة الاحتقار التي توجهها عيون المستعمر إلى كل ما هو جزائري، سببا قويا ليحول الفتاة من مقاعد الجامعة إلى الجبال، التي أعطت كل من حلم بالحرية أملا قويا في تحقيقه. ورغم قساوة الحياة فيها، إلا أنها أظهرت في جنباتها تلاحما بين المجاهدين، الذين كانوا كالبنيان المرصوص، لا ضغينة بينهم ولا حقد، لأن استقلال الجزائر جعلهم لحمة واحدة.
قالت زوبيدة قدور إن تقرير مصير المستعمر لكل امرأة جزائرية بأن تكون في البيت فقط وقناعته الأكيدة بعجزها عن تحقيق نجاحات على المستوى الدراسي والعلمي، أعطاها جرعات من القوة لتتحدى كل فرنسي بالدراسة وبلوغ المستوى الجامعي، ولولا نداء الواجب والوطن لكانت من النساء القلائل في تلك الفترة المتخرجات من جامعة الجزائر.
عن نضال المرأة صرحت زوبيدة قدور، أن الجزائرية كانت الأم التي تربي أبناءها على حب الوطن وترضعهم منذ ولادتهم حليبا مشبعا بحب الوطن، وتزرع في نفوسهم منذ خطواتهم الأولى حقيقة أن الجزائر لا محالة ستستقل وإنْ بقي الاستعمار أكثر من قرون على أرضها الطاهرة، لأنه وأن أخذها عنوة فشل في غرس الذل والمهانة في نفوس الجزائريين، الذين أثبت تاريخهم منذ أن وطئت أقدام المستدمر المدنسة أرضها وجد مقاومة كبيرة من أحرار هذا الوطن.
لم تكن المرأة أمّا فقط، بل زوجة تزف زوجها بفرح إلى جيش التحرير، راجية من الله تعالى أن يكون من الشهداء الأبرار مع الصديقين والأنبياء في الجنة. ورغم أن الحياة كانت قاسية، إلا أنها كانت تربي أبناءها ليكونوا مثل والدهم،... وهي الأخت التي كانت ترفض الوشاية بأخيها أو والدها أو أختها وإن عرضها الاستعمار لأبشع أنواع التعذيب.
...”هي ثورة صنعها الرجال والنساء معا”... هي الشهادة التي بقيت راسخة في ذاكرة زوبيدة قدور، لأنها شهادة من الشهيد عبد الحميد طاطا وهو الرجل الذي رابط في الجبال منذ 1954 لتحرير الجزائر، ولكن أراد الله تعالى له أن يستشهد في 22 فيفري 1962 ولم ير بأم عينيه حلما طالما آمن بتحققه على أرض الواقع.