لم يتخرجوا من معاهد وأكاديميات لكنهم غيّروا مجرى التاريخ

الدبلوماسيـون الجزائريـون الوجـه الآخر للنضال التحــرري

فنيدس بن بلة

لم يتخرجوا من معاهد عليا ومدارس وأكاديميات، ولم يتعلموا فيها أبجديات الدبلوماسية فنونها وقواعدها في إدارة القضايا وتسوية النزاعات، وفك ألغاز مؤامرات بالتي هي أحسن وأسلوب المهادنة والضغط، لكنهم خاضوا معارك سياسية من أعلى المنابر، مرافعين لعدالة ثورة تحريرية فٌجرت لتنتصر. إنهم دبلوماسيون جزائريون ولدوا من رحم الثورة التحريرية، شكلوا الوجه الآخر للنضال العسكري في سبيل استعادة الحرية والسيادة. فكيف نجح هؤلاء في اختراق الدعاية الاستعمارية وإبطال أكاذيب روّجت عن عدم وجود أمة جزائرية في التاريخ البشري؟ أي وسائل اعتمدوها في استمالة الرأي العام الفرنسي والعالمي لمناصرة قضية جزائرية اقسم مفجرو الثورة التضحية بأعلى ما يملكون في سبيل الوطن المحتل، مكسرين حاجز الخوف، معلنينها جهرا بلا تردد “النصر أو الاستشهاد”.
الدكتور عمار بوحوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، غاص في هذه التجربة الدبلوماسية، التي اعتمدها مناضلون شباب وقادة تاريخيون، حطموا سياسيا أسطورة فرنسا لا تقهر. وقال الدكتور الذي كان أحد هؤلاء الفاعلين بنيويوك، وعمل مع شندرلي “قام الدبلوماسيون الجزائريون بهذه المهمة وأدوها على أحسن حال بصفتهم ثور متشبع بقيم التحرر والنضال، أغلبهم منخرطون في الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين والكشافة. كانت الحركة الوطنية مدرستهم الأولى، تعلموا فيها معنى المقاومة والثورة، وأدركوا أن الثورة هي البديل الأوحد للاستقلال، وأن ما روّجته فرنسا الاستعمارية حول المساواة والاندماج هو ضرب من الوهم وشطحات خيال”.
أدرك هؤلاء وهم كثيرون، بلعيد عبد السلام، الأخضر الإبراهيمي، محمد الصديق بن يحي، أمحمد يزيد، عبد القادر شندرلي، محمد سحنون، خميستي وغيرهم، أن العمل الدبلوماسي رافد آخر في الكفاح التحرري، اعتمدته جبهة التحرير الوطني في مسعى نقل النضال إلى فرنسا والعالم قاطبة، للتعريف بعدالة القضية الجزائرية وشرعيتها حسب القوانين الدولية، وليست كما تزعم باريس أنها شأن داخلي لا تقبل التدويل أو الاهتمام بطرف خارجي”.
وأعطى الدكتور بوحوش، وهو عضو في الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين، أمثلة وشهادات حية عاشها عن كيفية أداء الدبلوماسية ودورها في دعم مؤسسات الثورة وهيئاتها المنبثقة عن مؤتمر الصومام تعجيلا بالاعتراف الدولي. جاء هذا بعد المكاسب التي حققها الوفد الجزائري في مؤتمر باندونغ بأندونيسيا 1955، وما تمخض عنه من قرارات ولوائح تصب في دعم التحرر الجزائري وشجب الاستعمار في كل أشكاله.
نحج هؤلاء الدبلوماسيون، الذين لم يكن لديهم شهادات تخرج من معاهد ومدارس، لكن إرادة قوية في مواصلة المعركة على طريقتهم في إعطاء اضافة للثورة التحريرية، باختراقهم الدوائر الاستعمارية وإيصال رسالة الجزائر إلى أبعد الأصقاع من أكرا إلى باندونغ، من بلغراق إلى نيويورك. زادتها متانة وقوة إنشاء لجنة التنسيق والتنفيذ، وهي هيئة معتمدة مهتمة بالشؤون الخارجية. وبذلك اكتملت حلقة النضال الثوري الجزائري وكسب شموليته العسكري، السياسي، الإعلامي والاستخباراتي. وهي معادلة اعتمدتها الثورة الجزائرية التي وإن راهنت على الكفاح المسلح، حسب وثيقة بيان نوفمبر فإنها لم تترك جانبا العمل السياسي والدبلوماسي وإمكانية التفاوض مع المستعمر من أجل الاعتراف بالدولة الجزائرية، وتقرير المصير وبسط السيادة على كامل التراب الموحد.
على هذا الدرب سارت الدبلوماسية الجزائرية وقادها شباب متشبع بقيم الحرية ومبادئ الاستقلال، وظلت تحقق الانتصارات وجلب التأييد الدولي. أكبر إنتصار إصدار الجمعية العامة الأممية لائحتها الشهيرة في أكتوبر 1957 تدعو إلى حل سلمي للقضية الجزائرية. وهي محطة حاسمة ساهم فيها السناتور الأمريكي كينيدي، الذي رافع لعدالة القضية وتقرير المصير، تاركا فرنسا تغرق في تناقضاتها وعزلتها.
وبعدها أخذت القضية الجزائرية منعرجا حاسما إلى درجة وجد ديغول نفسه في حيرة وورطة، وبدأ يفكر بجدية في كيفية الخروج من الجزائر بأقل الأضرار والقبول باستفتاء تقرير المصير.
واستمر الدبلوماسيون الجزائريون بعد الاستقلال بلعب دورهم الريادي في تسوية قضايا ساخنة. الكثير منهم عينوا مبعوثين مميين لتسوية مشاكل ونزاعات، كمحمد الصديق بن يحي الذي تولى دور الوساطة بين العراق وإيران، محمد سحنون المرسل إلى الصومام، الأخضر الإبراهيمي المرسل إلى سوريا. وتظهر هذه المهام التي أسندت إلى هؤلاء مدى قوة الدبلوماسية الجزائرية ودورها الريادي. دبلوماسية أعطت للجزائر المستقلة الاحترام والتقدير، وأعلت من شأنها في عصبة الأمم. 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025