الروائي فيصل الأحمر لـ«الشعب”:

لا يجوز للمثقف أن يغفل معاني عيد الاستقلال

حاوره: أسامة إفراح

يتطرق الروائي د.فيصل الأحمر، في هذا الحوار الذي خص به “الشعب”، إلى رؤيته لدور المثقف الجزائري غداة الاستقلال، مؤكدا على ضرورة انخراط المثقفين في العملية السياسية والمشاركة الإيجابية في قضايا الوطن. كما يرى بأن المثقفين الشباب يملكون تكوينا أكثر عالمية ومتعدد المشارب الثقافية، وإيمانا بما يقومون به، كما أن الصحافة ـ حسبه ـ هي من أهم مجالات عمل المثقفين.
*”الشعب”: كمثقف وأكاديمي، كيف تنظر إلى عيد الاستقلال، وما هو الإحساس الذي تخلقه لديك هذه المناسبة؟
فيصل الأحمر: كمثقف أولا وآخرا أعي جيدا الدور الكبير الذي يلعبه الشعور بالانتماء.. سواء لغويا أو إقليميا أو عقيديا أو تاريخيا أو حتى إنسانيا.. فالمثقف أكثر من غيره مجبر على عدم ارتكاب الخطأ الخطير الذي هو الغفلة عن معاني عيد الاستقلال. هذا العيد هو خلاصة جميلة وكبيرة وأساسية لصفحة هامة من تاريخنا إن لم تكن هي الصفحة الأهم على الإطلاق. عيد الاستقلال يملك قيمة رمزية كبيرة هي اجتماع الجزائريين بكل فصائلهم واختلافاتهم الصغيرة والكبيرة، وبكل انتماءاتهم الجغرافية المعقدة على كلمة واحدة، الكلمة التي هي الجزائر والتي عمل التاريخ كله على جعلها مفرقة الحروف، إلى درجة مجيء العظيم فرحات عباس وإعلانه بإحباط كبير: “لقد بحثت عن الأمة الجزائرية في كل مكان ولم أجدها”، وهي كلمة هامة تم تأويلها خطأ من قبل أعداء البلاد.
نعرف جميعا دور المثقف في انتزاع الاستقلال.. ولكن هل واصل هذا المثقف لعب الدور المنوط به في جزائر ما بعد الاستقلال؟
طريقتي الشخصية يا صديقي هي الالتزام الرهيب بالموضوعية وبالواقعية.. الواقعية تقول بأن بلادا مثل بلادنا في أعقاب الاستقلال من استعمار كالاستعمار الفرنسي لم يكن أمامها أي حظ لتجنب الأخطاء التي اقترفها الجميع: نقص التجربة السياسية، كبر المهمة، صغر سن القائمين على الأمر.. كل ذلك خلق جوا سياسيا وإيديولوجيا من الصعب التعايش معه أو العيش في كنفه. لهذا كانت الأخطاء التي كان على رأسها ما فعلته السلطة السياسية حينذاك وهو استبعاد الطبقة المثقفة من الساحة السياسية. أما الموضوعية فتقتضي أن نقول أن هنالك تقاعسا معينا من قبل المثقفين الذين لم يجاهدوا حق الجهاد، بل تركوا كل شيء للطبقة السياسية التي قلما جاءت بشيء جيد خارج سياق الحرب.
لهذا فإن دور المثقفين ليس هاما جدا غداة الاستقلال وإن كان هذا المثقف حاليا يعود إلى الواجهة بشكل ما كمسيّر ومسؤول ومناضل سياسي وكإطار في كل مكان، لتأدية دور لا يمكن لغيره تأديته.. والصحافة التي نحن اليوم في بيتها من أهم مجالات عمل المثقفين.
ذكرى مزدوجة: عيد الاستقلال والشباب
الخامس جويلية هو الذكرى المزدوجة لعيد الاستقلال والشباب.. ماذا عن المثقفين الشباب وأنت واحد منهم؟
المثقفون الشباب يملكون نقطتين هامتين ويحق بهما خطران كبيران عليهم الحذر منهما.. النقطة الأولى هي أن تكوينهم أكثر عالمية، ومتعدد المشارب الثقافية، بسبب طبيعة الإنتاج الثقافي في ظل العولمة.. فالواحد منا يستطيع التجوال في كل مكان من العالم ومعرفة أدقّ أسرار بعض الملفات بسرعة ونجاعة كبيرتين، وهذا لم يكن متوفرا لمثقف الأمس. والنقطة الثانية مفادها أن المثقف الشاب مؤمن بعمله أكثر من مثقف الأمس الذي تربى في كنف يسر السبل، والتمكن باسم الحزب أو العائلة الثورية من كل شيء داخل الوطن وخارجه، فمثقف الأمس يشبه أن يكون جنديا متأنقا في معسكر النظام القائم، وهذا تفسير السكوت الغريب لكبار كتابنا، أستثني منهم الطاهر وطار ورشيد بوجدرة.. فالتورط في أجهزة السلطة يخلق سما قاتلا اسمه الموالاة يحول خطابات هؤلاء الكتاب إلى كلام أجوف متكرر عمومي وعائم.
أما الخطران الكبيران اللذان يحدقان بمثقفي جيلي فيما أرى فهما: القعود الشديد عن ممارسة السياسة، وهي ظاهرة منتشرة بشكل مريع، والخطر الثاني هو استسهال الكتابة والتعبير والتعليق والخلط بين العمل على الشابكة والعمل الفكري، فالأول عرضي والثاني جوهري.. وعلى المثقف الكبير أن يجيد الانقطاع لأجل التفكير والتأمل والتعمق في المسائل وتركيب الأجهزة الفكرية الكبيرة بتؤدة وبطء وفعالية، لا أن يجعل كل كتاباته كما لو أنها تعليقات على الفيسبوك أو كلمات افتتاحية في تظاهرات ثقافية.
كلمة أخيرة بهذه المناسبة..
كلمتي الأخيرة مقتطفة عن مفكر النهضة لطفي السيد: “إني لأعجب من الذي يظن الحياة شيئا والحرية شيئا آخر، ولا يريد أن يقتنع بأن الحرية هي المقوم الأول للحياة وأن لا حياة إلا بالحرية”.. أعتقد أنها كلمة تختصر رسالة الثورة التحريرية وتختزل تصوري للحياة..

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025