يرى بعض المؤرخين أنه بعد مرور 54 عاما على استقلال الجزائر، مازال تاريخ الاستعمار الفرنسي ونهايته إثر حرب تحرير كلفت الجزائريين ثمنا باهظا يثير هواجس الماضي في فرنسا، بالرغم من محاولات “سلام الذاكرة”.
أشار المؤرخ آلان روسيو مؤخرا، خلال ندوة بباريس، إلى أنه بعد مرور كل هذه الفترة “مازالت الجراح مفتوحة ومازال أنصار «الجزائر فرنسية» الذين يعتقدون بأنهم يملكون الحقيقة حول تاريخهم لا يقبلون أي نظرة نقدية”.
وكان آخر حدث يذكر إحياء الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لذكرى 19 مارس 1962 وهو تاريخ نهاية الاستعمار الفرنسي للجزائر وحرب التحرير الوطني بعد استشهاد 1,5 مليون جزائري.
وكان إحياء فرانسوا هولاند رسميا تاريخ 19 مارس الأخير هذا اليوم الذي يدعى من قبل فرنسا “اليوم الوطني للذكرى وتذكر الضحايا المدنيين والعسكريين خلال حرب الجزائر وفي المغرب وتونس” ومن قبل الجزائر “عيد النصر” قد وصف من قبل اليمين الفرنسي بأنه “إهانة” وأثار ردود فعل قوية.
تعثر التاريخ
هذا ما دفع بـ40 برلمانيا من نفس التيار إلى إيداع في أبريل اقتراح قانون لإلغاء قانون نوفمبر 2012 الذي أقر إحياء هذا التاريخ بصفته يوما وطنيا.
وإدراكا منه لـ “تعثر التاريخ” بين البلدين، كما كان أكده المؤرخ وعضو الأكاديمية الفرنسية بيير نورا، أوضح الرئيس الفرنسي في مارس الأخير أن “سلام الذاكرة هو التطلع إلى المستقبل”، مشيرا إلى أن “تأجيج حرب الذاكرة هو البقاء رهينة الماضي”.
ولكن تحت الضغط وتحسبا للانتخابات الرئاسية التي ستجري في 2017 قام مؤخرا بمراجعة موقفه مقارنة مع الخطاب الذي ألقاه في الجزائر في 20 ديسمبر 2012 الذي وصف آنذاك بـ “التقدم” والذي أكد فيه أن “الجزائر عانت طيلة 132 سنة من نظام استعماري جائر وعنيف” واعترف فيه بـ “المعاناة التي سلطها الاستعمار على الشعب الجزائري”.
وفي ماي الأخير، قال إنه كان يقصد بـ “المعاناة” العنف والمجازر من كلا الجانبين وهو تغير في الموقف لاحظه عديد الملاحظين.
وأوضح آلان روسيو خلال ندوته أن تغير الموقف جاء تحت ضغط ـ المحنّين إلى الجزائر فرنسية ـ الذين يعتمدون على لوبي قوي جدا لبلوغ أهدافهم، مشيرا إلى أن “النزعة الاستعمارية مازالت قائمة”.
الحركة الجمعوية تبقى مجندة
غير أنه في الوسط الجمعوي وبدعم من مؤرخين يطالبون بتسليط الضوء على كامل حقيقة فظائع الاستعمار وبالاعتراف الرسمي بالجرائم تتصاعد عديد الأصوات بدون أن تحظى بتغطية من وسائل الإعلام الفرنسية لمطالبة الرئيس الفرنسي بالذهاب إلى “أبعد من ذلك” بشأن مسألة التاريخ المشترك.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن حوالي 30 جمعية طالبت خلال تجمع في ماي بباريس بأن تعترف فرنسا رسميا بجرائم الاستعمار.
من الجانب الجزائري وخلال زيارته التاريخية إلى فرنسا في يناير الأخير، كان وزير المجاهدين الطيب زيتوني، قد أوضح أن المسائل المتعلقة بالتاريخ المشترك “أثارت خلافات بين الجزائر وفرنسا”، مؤكدا أنه كان يحمل رسالة “واضحة” لفرنسا وللفرنسيين، معربا لهم عن “إرادة الجزائر في إقامة جو ثقة لبناء مستقبل واعد للعلاقات بين البلدين».