فرحة عارمة عاشتها أحياء ومدن الجزائر ليلة أمس، بمناسبة إعلان نتائج بكالوريا 2016، حيث تعالت الزغاريد وأطلقت الألعاب النارية وجابت السيارات الشوارع، تعبيرا عن فرحة لطالما انتظرها التلاميذ والأولياء، خاصة بعد كل ما عرفته الامتحانات التي جرت في مناخ صعب بفعل حادثة تسريب الأسئلة عبر شبكة التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تنظيم دورة ثانية بعد إلغاء الأولى لعديد الشعب، وجرى الامتحان الحقيقي والحاسم في رمضان، فتحدى المترشحون النجباء تأثير الصيام وحرارة الجو وتجاوزوا كل ما عانوا منه جراء الحديث والجدل والتساؤلات بشأن مسألة تسريب الأسئلة.
واجتهد الكثير إناثا وذكورا طيلة السنة الدراسية وتعدى الأمر إلى مزاولة دروس خصوصية كلفت الأولياء أموالا معتبرة قناعة بأن النجاح في الدراسة لا يقاس بثمن ومن الضروري حينها أن يتابع المترشح، حتى وان كان مجتهدا، دروسا إضافية لتعزيز قدراته خاصة وأن الأداء في الأقسام النظامية يشوبه الكثير من الشك وعدم الاطمئنان إذ حدث في حالات معينة أن أساتذة في الثانوية العمومية يبخلون ولا يبذلون الجهد اللازم بل هناك أساتذة قيل أنهم لا يتحكمون في المواد التي يدرسونها.
وبعد الفضيحة التي حصلت في الدورة الأولى لوحظ تأثر التلاميذ الذين تحملوا متاعب التحصيل التربوي والعلمي، خاصة وأنهم اخرجوا كل ما في جعبتهم من قدرات وإمكانيات، قبل أن يتخذ قرار مفاجئ ولكنه مطلوب يقضي بإلغاء الامتحان الأول والتوجه إلى دورة ثانية سميت بالجزئية، وان كانت لفرع علوم تجريبية تعدّ في الواقع دورة كاملة حيث شمل الامتحان حوالي 7 مواد منها كافة المواد الرئيسية.
لم يكن سهلا للمترشحين الذين أعطوا كل ما لديهم في الأول هضم إعادة الامتحانات، فتسرب الى نفوس بعضهم الشك، ونال من آخرين التردد بينما كان لزاما على الأولياء تحمل مهمة الحفاظ على لتوازن النفسي لأبنائهم ومرافقتهم في تجاوز الظرف، الذي زاد من تعقيده المعالجة الإعلامية لبعض القنوات استغلت الحادثة للرفع من نسبة المشاهدة وتحقيق الرواج الإشهاري، حيث قامت قنوات ببث ومضات إشهارية خلال برامج تتناول أزمة البكالوريا، فاستثمروا بلا خجل في مسألة تتعلق بمصير جيل بكامله، خاصة وأن سن التلاميذ لا يتحمل طاقة بذلك الحجم، بينما كان الأحرى المساهمة في التخفيف من درجة الضغط عليهم.
مع ذلك قبل المترشحون خاصة الواثقين من مزاولتهم عاما كله تعب وجدية والتزام إعادة المنافسة متحدين محيط مرتبك حاول البعض استغلاله لترويج ثقافة التشكيك، وسعى بعضهم مستغلا الأزمة وتوظيفها لبلوغ أهداف غامضة لا تخدم مصلحة التلاميذ الذين اندفعوا في أول يوم الإعادة التي تزامنت نع شهر رمضان الفضيل للتأكيد على جدارتهم مسلحين بالثقة والإيمان ودعوات الأولياء، وخاض الكثيرون الامتحانات في حالة صوم فزادهم ذلك إرادة.
أثمرت كل تلك الفرحة المستحقة، حيث رسمت البهجة على المشهد الاجتماعي في اليوم الموالي وسقطت ادعاءات التشكيك مما أعاد للباكالوريا اعتبارها وقيمتها، في انتظار تجسيد برنامج الاصطلاح في السنة القادمة بما في ذلك اخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة ما حدث في السنة الجارية، قبل أن يتم إنقاذ الموسم بتظافر جهود كل المتدخلين في العملية وأولهم التلاميذ، الذين طالت شبهة الغش كل من اجتهد ومن لم يبذل جهدا فاختلطت الأمور قبل أن تفرز في موقعة الامتحان لتتبين الحقيقة وتنصف كل مجتهد وان كان منهم للأسف من لم يتمكن تخطي الحاجز ومنهم من تخطاه بعد أكثر من محاولة.
وتأكد أن هذا النجاح بكل جوانبه البيداغوجية والنفسية والاجتماعية هو أيضا ثمرة عودة الاستقرار إلى المنظومة التربوية، التي تشكل العمود الفقري للمجتمع وأرضية إعداد الأجيال لمواجهة المستقبل بكل تحدياته من خلال تقديم تدريس عصري وناجع يرتكز بشكل أساسي على المناهج الحديثة، دون المساس باركان الهوية التي تمثل الاسمنت المتين لمعادلة الانتماء عنوانها الأصالة والانفتاح، بعيدا عن السقوط مجددا في ذلك الجدل البيزطني الذي استهلك الوقت وأضاع الجهد ووتر العلاقات، قبل أن يشرع في استرجاع الأوضاع الخاصة بالمدرسة والتعليم إلى وضعها الطبيعي الذي يطبعه الاستقرار والحوار المسؤول، مما يدفع إلى التطلع لأفق أكثر ايجابية تعود بالفائدة على الأجيال التي لا تزال تتعلق بالمدرسة وتحصيل المعارف والعلوم من خلال الكد والعناء وسهر الليالي، خاصة وأن الدولة الجزائرية تضع المدرسة في صدارة أولويات التنمية والبناء الوطني على اعتبار أنها حاضنة الأجيال ومصدر تسليحها بالقوة الحقيقية المتمثلة أصلا في العلوم والتربية التي تجعل الشعوب المتشبعة بها في مأمن من أي خطر محتمل ولا يمكن للغير النيل منها تحت أي ذريعة أو شعار مخادع.
ومن ثمة يتأكد مدى ضرورة حرص كل طرف على حماية المدرسة وإبعادها عن الطموحات الذاتية والتوجهات الحزبية من أجل التمكن من بعث أجيال ملتزمة بالوطن ولديها الثقة في النفس وترفض الغش والاتكالية بل لديها الإيمان العميق بالعمل والسعي نحو العلا تماما كما تحرص عليه الجزائر بقبول مواجهة التحديات بكل أشكالها ورفض القبول بالأمر الواقع انطلاقا من قيم ومبادئ أول نوفمبر الذي أول ما حاربه الجهل والإقصاء والتهميش، وتتواصل المسيرة اليوم من خلال المدرسة التي تنير الدرب لأبنائنا في المستقبل.