تقع على حامل القلم أو الصحفي مسؤولية كبيرة في نقل الحقيقة إلى المتلقي الذي يعتمد عليه في معرفة ما يجري في المجتمع من أخبار، ولكن رغم المجهود الذي يبذله يجد القارئ نفسه في كثير من الأحيان أمام حقائق متضاربة متناقضة، تدخله في دوامة الشائعة التي تغذيها الحيرة التي يعيشها.
هذه الدوامة تجعلنا نتساءل هن السبب الذي يودي إلى نقل أخبار متضاربة ومتناقضة فبين التهويل والتقزيم يتوه القارئ، ليجد نفسه في الأخير متجها إلى مصادر أخرى للخبر تكون في غالب الأحيان موجودة في العالم الافتراضي الذي فتح الأفق وأعطى العالم مفهوما جديدا بعيدا عن الحدود....
يعيش القارئ حيرة تجعله يشكك في الأخبار التي يقرأها هنا وهناك لأنه لا يعرف من يقول الحقيقة، ورغم أن المهنة تضبطها قواعد وأخلاقيات معينة إلا أننا نرى الهرج والمرج الذي تعرفه الصحافة الجزائرية بسبب الفهم الخاطئ لحرية التعبير، فالحرية عنا لا تعني غياب القواعد التي تسير عملية نقل الخبر إلى المتلقي، بل أكثر من ذلك الحرية لم تكن يوما مفصولة عن الأخلاق التي تضبط حياتنا اليومية، ولن تكون مهنة المتاعب بعيدة عنها، لأنها سلطة مهدمة أن لم يعمل الصحفي بضمير، لأنه في الأول والأخير سواء كان في الصحافة العمومية أو الخاصة هو مرتبط بمجتمع وبأمة يجب أن ينصب كل ما نفعله في إطار تطويرها والمساهمة في تكريس حق الجمهور في معرفة الحقيقة.
ومن أهم القواعد المنظمة لمهنة المتعب هي الدفاع عن حرية الإعلام والرأي والتعليق والنقد، مع احترام الحياة الخاصة للأشخاص وحقهم في رفض التشهير بهم عن طريق الصورة، وطبعا يجب نشر المعلومات المتحقق منها فقط والامتناع عن تحريف المعلومات والحرص على سرد الوقائع ضمن سياقها، أيضا يجب على الصحفي الامتناع عن نشر الإشاعات، وتصحيح كل معلومة يتبين بعد نشرها أنها خاطئة.
و من بينها أيضا الامتناع عن الانتحال والافتراء والقذف والاتهامات غير المؤسسة، الامتناع عن الترويج بأي شكل من الأشكال، العنف، الإرهاب، الجريمة، التعصب، العنصرية، التمييز الجنسي واللاتسامح.
من منا لم يقرأ عناوين على بعض الصحف عندما تقرأها تشعر وكأن الحرب تقرع طبولها، من منا لم يسمع أو يشاهد تحقيقا أو روبرتاجا حول شخصية عامة كان الغرض منها التشهير بها وتشويه سمعتها، ولعل فتح المجال للقنوات الخاصة جعل الأمر أشبه بلعبة أو مسرحية هزلية تكتب تفاصيلها حسابات شخصية ضيقة، وكأنهم غير معنيين بالبلد أو المجتمع الذي ينتمون إليه ويعيشون داخله.
هذه الفوضى التي يعيشها القارئ بين التقزيم والتهويل والحسابات الشخصية وحرب المصالح تجعلنا نتساءل عن مدى نجاعة وضع أخلاقيات لضبط العمل الصحفي لأن القواعد في غياب الضمير لن يكون لها أي داع في صياغتها والمصادقة عليها لأن الصحفي له قدارته ووسائله الخاصة للتحايل وتبليغ القارئ الرسالة التي يريدها أن تصله.
في كل مناسبة وطنية وعالمية نتكلم عن أخلاقيات المهنة وكيف يمكن تأطيرها في مجلس ينظمها ويسهر على تطبيقها لكن كل الحبر الذي أسلناه ونسيله لم نجد بعد الحل لمعظلة «أخلاقيات المهنة» خاصة وسط الانفتاح على العالم بمختلف الوسائل التكنولوجية التي رهنت الخبر بثانية أوأقل منها.