أقر قويدر عباس، مدير المتحف الولائي للمجاهد بسيدي بلعباس، بوجود فجوة عميقة بين الأجيال وتاريخها الوطني، محملا المسؤولية لجميع الأطراف التي تقاعست في حفظ الذاكرة الجماعية ومكتسبات الثورة التحريرية، بداية بالمتاحف التاريخية التي لا يقتصر دورها على حفظ الذاكرة، إنما يتعداه إلى إيصالها للأجيال بكل صدق وأمانة.
أكد الأستاذ عباس، أن الدور الكلاسيكي للمتحف في استقبال الزوار قد ولّى، فعلى المتاحف إنتهاج سبل جديدة لإيصال الرسالة التاريخية للأجيال، من خلال الخروج من قوقعتها والتنقل إلى المؤسسات التعليمية بأطوارها الثلاثة وإيجاد جسر تواصل يربطها بالتلاميذ وإقامة أنشطة تاريخية وإحياء مختلف المناسبات الوطنية داخلها وكذا تنظيم محاضرات تاريخية مبسطة تناسب القدرات الفكرية للتلاميذ، بالاستعانة طبعا بالوسائل والتقنيات الحديثة.
وأضاف عباس، أن التلميذ مرتبط ببرنامج دراسي مكثف يمنعه من زيارة المتاحف، لذا يجب الانتقال إليه في كل فرصة ومن ثم جلبه بطرق ذكية لزيارة المتحف في أوقات الفراغ والعطل.
وهنا وجه المتحدث دعوة صريحة للقائمين على قطاع التربية من أجل الاهتمام أكثر بمادة التاريخ الوطني، على غرار بعض الدول التي تعطي لهذه المادة أهمية تجعلها تتفوق في معاملاتها على المواد العلمية كالرياضيات مثلا، نظرا لأهميتها ودورها البالغ في بناء شخصية الفرد وهويته الوطنية، مستقبله الفكري وإنتمائه.
من هنا يتوجب إحياء مادة التاريخ التي تدرس في الأقسام باستعمال الملتيميديا وتدعيم الحصص التعليمية بالأشرطة الوثائقية، باعتبار أن الصورة هي أسرع وأنجع وسيلة في إيصال الرسالة، إخراج التلاميذ إلى المواقع الأثرية واستحضار مجاهدين عايشوا الحدث لخلق تواصل بين الجيلين.
وعن متحف المجاهد قال عباس، إنه بات يعرف حركية مشهودة من خلال الزيارات الأسبوعية لتلاميذ المدارس الذين يتلقون شروحات عن المنطقة الخامسة وأبطالها، فضلا عن عرض شريط رسوم متحركة بعنوان «الأرض المقدسة»، وهو الشريط الوحيد الذي تحوزه المؤسسة، ما دفع ذات المتحدث إلى دعوة كافة المنتجين والمهتمين بهذا المجال، لإنجاز رسوم متحركة تحاكي تاريخ الثورة التحريرية، باعتبارها أحسن وسيلة لإيصال الرسالة والمعلومة للطفل.
كما دعا في نفس السياق، الكتاب والروائيين إلى تخصيص جزء من أعمالهم للمادة التاريخية والاستلهام من الأحداث التاريخية الوطنية والثورة التحريرية لتأليف قصص للأطفال تحاكي معارك الثورة التحريرية وأبطالها.
وأضاف، أن المتحف بصدد التحضير لشريط وثائقي حول التسليح بالمنطقة الخامسة، على أن تتبعه أشرطة وثائقية أخرى حول أحداثها التاريخية. ونظرا للأهمية الكبرى للفضاء الأزرق ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي في إبراز التاريخ الوطني، أنشأ المتحف الولائي صفحة تقوم بعرض كافة الأنشطة الخاصة بالمناسبات الوطنية ومختلف الأحداث التاريخية، الأفلام الوثائقية والصور، وصفحة أخرى خاصة بأصدقاء المتحف وهي عبارة عن فضاء مخصص لكافة أطياف المجتمع، بالخصوص الطلبة الجامعيين، تهتم بنشر كل المستجدات والإصدارات الجديدة في المجال التاريخي، خدمة للطلبة والباحثين. فضلا عن صفحة أخرى تم إنشاؤها حديثا لتجريم الاستعمار الفرنسي، في خطوة لإيصال هذه الجرائم للجيل الجديد وفضح كل المجازر المرتكبة في حق الجزائريين، بالاستعانة بالصور ومقاطع الفيديو ومختلف الكتابات والبحوث التي تطرقت لهذا التجريم.
ونوه المتحدث أيضا، بدور وسائل الإعلام في إبراز التاريخ وإيصاله للأجيال. فالأحداث التاريخية الوطنية فقدت مكانتها في الساحة الإعلامية، خاصة خلال العشرين سنة الماضية، بسبب الأوضاع التي عاشتها البلاد. لكنها عادت مؤخرا لتأخذ مكانها الأصلي وهو ما يظهر جليا ببعض وسائل الإعلام، خاصة العمومية منها، التي تحاول وفي كل مناسبة تغطية أجزاء من تاريخنا الشاسع الزاخر بالأحداث والتضحيات.
فالوقت حان – يضيف المتحدث – لنقل الرسالة التاريخية بأمانة والابتعاد كل البعد عن التعريض والتلاعب بالحقائق التاريخية، على غرار ما يحدث من حملات مغرضة للتهجم على رموز الثورة والمساس بصورة أبطالها وشرفائها بتزكية من قنوات خاصة، فتحت المجال أمام هذه التصرفات المشينة لتاريخنا وذاكرتنا الجماعية، فالإعلام الهادف النبيل هو ذلك الإعلام الذي يسعى للحفاظ على مكتسبات الثورة وعلى صورة صانعيها، باعتبارها أمانة للأجيال.