دعا أمس، أستاذ التاريخ بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة حسين عبد الستار، في مداخلة بقاعة المحاضرات لأمن ولاية بومرداس إلى تبني خطاب وطني متوازن في تناول المسائل التاريخية لجعل الجيل القادم يعتز بتاريخه ووطنيته من خلال تلقينه التاريخ بطريقة سليمة بعيدا عن الأطروحات المتناقضة، مع تركيزه على مفهوم «التاريخ الاستشرافي أو تاريخ الذاكرة» الذي يعتمد على التربية الايديولوجية والانضباط في التنشئة لغرس الروح الوطنية والرفع من معنويات الأمة..
اعترف الأستاذ عبد الستار في المداخلة التي بادرت إليها مديرية المجاهدين بالتنسيق مع الأمن الولائي»بصعوبة مهمة كتابة الوطني بأقلام باحثين وأكادميين جزائريين» لأسباب كثيرة منها غياب الإرادة واستمرار السلوك البيروقراطي في بعض المراكز التاريخية كمركز الأرشيف الوطني، افتقاد الباحثين الجزائريين للوثائق المادية حيث لا يزال 98 ٪ من أرشيف الثورة بفرنسا، وبالتالي لا يمكن القيام بهذه المهمة المعقدة فقط انطلاقا من شهادات أو مذكرات أحيانا تجانب الموضوعية ويغلب عليها الطابع الذاتي في الطرح، كما انتقد أيضا بعض المحاولات التي تسعى إلى فصل الثورات الشعبية التي خاضها أبطال المقاومة الوطنية منذ دخول الاستعمار الفرنسي عن المسار الثوري الطويل للشعب الجزائري وحصره فقط في سبعة سنوات من الثورة ومليون ونصف مليون شهيد وقال»الثورة التحريرية هي امتداد للثورات الشعبية الوطنية دفعت خلالها الجزائر 9 ملايين شهيد و48 مليون لتر من الدماء سالت من أجل استرجاع السيادة الوطنية عكس الروايات التي تحاول التقليل من حجم التضحيات».
ودعا المحاضر أيضا «إلى ضرورة مراجعة بعض المفاهيم والمغالطات التي روجت لها المدرسة الفرنسية في المكان والزمان بالنسبة للكثير من الأحداث التي عرفتها الثورة التحريرية الكبرى وحتى أسماء المدن والشوارع التي أطلقت على جنرالات فرنسا السفاحين الذين ارتكبوا مجازر وحشية ضد الجزائريين ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وهو ما جعل فرنسا تواصل تجاهلها لمطلب الاعتراف، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما سنت قانون 23 فيفري الذي يمجد الاستعمار ويجعل من الوجود الفرنسي بشمال إفريقيا وجودا إيجابيا.
بالمقابل ورغم جملة الانتقادات التي ساقها الباحث حول واقع كتابة التاريخ الوطني وصعوبة تلقينه للأجيال الصاعدة، إلا أن خطابه حمل جانبا آخرا من التفاؤل بإمكانية تدارك الوضع وإعطاء مادة التاريخ أهميتها المستحقة في البرامج التربوية للتعريف بالثورة التحريرية التي «اعتبرها ملحمة شعبية طهرت المجتمع الجزائري من الجماعات الكولونيالية مثلما طهرت إفريقيا أيضا وعدة بلدان أخرى من الوجود الاستعماري»، متسائلا عن أسباب تجاهل المناهج التربوية لزعماء النضال الوطني كشخصية الرايس حميدو المنحدر من منطقة يسر والتركيز على الشخصيات العثمانية، مقترحا ضرورة الاستلهام من تجارب الأمم والاستفادة من التجربة الألمانية في نهاية القرن التاسع عشر التي جعلت من التاريخ الوطني القومي أساسا للرقي والتطور وهدفا أساسيا لبناء الشخصية الوطنية.
في الأخير شدّد المحاضر على أهمية الابتعاد على النظرة السلبية بالتركيز على بعض الخلافات التي عاشتها الثورة التحريرية بين زعماء الكفاح وحتى قبل ذلك، والنظر إلى الجانب المشرق من الثورة التي تصنف من أعظم الثورات في العصر الحديث ومصدر الهام لدى الكثير من الشعوب المضطهدة ومرجعية تاريخية في المدارس العسكرية الكبرى في العالم مستعينا بمقولة أحد المؤرخين الجزائريين الذي قال»نحن شعب نصنع التاريخ ولا نحسن التعبير عن هذا التاريخ».