المجاهد وابن شهيد قايد يحيي:

والدنا كان مثلنا الأعلى في التضحية

جمال أوكيلي

على شباب اليوم الاستلهام من قيم الثورة

ماتزال أحداث الثورة المباركة راسخة في الذاكرة الحية للمجاهد وإبن الشهيد يحي قايد الذي التحق بالثورة وعمره لايتجاوز ١٥ سنة، مقتفيا أثر والده قايد محمد، الذي رفض أن يكون عونا في خدمة الاستعمار الغاشم مفضلا الإستشهاد على مواصلة العيش الرغيد عند دوائر الحاكم بالأخضرية الذي جعله عينه بدوار بوكرام.
مهما سعينا لتعداد المسيرة الثورية ليحيي فإن ماحدث لعائلة هذا الرجل تعد أسطورة.. تحتاج إلى كتابة سيناريو عنها يترجم إلى فيلم.. تبدأ بالأب والأم خديجة والإبنين الطيب ويحي،، والأختين فطيمة وعتيقة،، الذين قاوموا هذا المستعمر مقاومة تاريخية،، ماتزال تروى إلى غاية يومنا هذا نظرا للاستماتة التي أظهروها تجاه الإدارة الفرنسية وعساكرها، وأذنابها الذين شتتوا هذه الأسرة خاصة عقب صعود قايد محمد إلى الجبل.
هذه الإشارة ضرورية،، لمعرفة التواصل الثوري لهذه العائلة المناضلة التي عملت كل مافي وسعها من أجل أن تكون عند هذا الموعد العظيم،، وتسجل إسمها من ذهب في قائمة الأبناء البررة لمنطقة بوكرام وماجاوها كمصباحة،، وغيرها من الجهات التي كانت بالمرصاد لهؤلاء الغلاة الهمجيين.

الأرض في وجدان قايد محمد

المجاهد قايد يحيى،، إستحضر في حديثه معنا مسار نضال والده الذي ورث عنه قيم الدفاع عن الأرض وحماية العرض،، هذا الإنسان لم يعزل نفسه عن محيطه بل كان محل احترام الجميع،، نظرا لارتباطه الوثيق بأهله وهذه الميزة والخاصية لم يكن الإستعمار راضيا عنها.
بالرغم من أنه عمل في إدارته من ١٩٤١إلى ١٩٥٥ إلا أن أعماقه كانت ممتدة في وجدان الحركة الوطنية.. وهذا استعداد نفسي قوي من أجل اقتحام الخيار الصعب طال الزمن أم قصر، وكان له ما أراد عندما تعرف على شخصية شهمة ألا وهي عبد القادر الخياط الذي عرف فيما بعد بعبد القادر الكيدي،، تيمنا بحبه الكبير للجزائر،، وبغضه الشديد للإستعمار،، وفي لحظات معدودات ارتاح قايد محمد لعبد القادر بالرغم من صعوبة الظرف المتميز بكثرة العيون المترصدة لكل التحركات المشبوهة،، لكن «البرنوس» لعب دورا مميزا في نسج هذه العلاقة الوطنية وهكذا التقت القلوب عند بعضها من أجل هدف أسمى وأغلى ألا وهو تحرير الجزائر.
وليبدأ فصل جديد في هذه المسيرة الثورية والبوادر الأولى كانت بدعوة قايد محمد بالانخراط في نظام جبهة التحرير الوطني،، الذي رقى عبد القادر إلى عضو في مجلس المنطقة الأولى الولاية الرابعة وهذا بصفة محافظ سياسي، إلى جانب علي خوجة وعبد الرحمان لعلا.
هذه السرعة في التفاعل والإندماج،، سمحت بالتقارب بين الجزائريين الأحرار المحبين لوطنهم،، والمستعدين للتضحية من أجله مهما كان الأمر،، وهو العهد والقسم الذي لارجعة فيه،، وبفعل الموقع الاستراتيجي لبوكرام،، كان المجاهدون يترددون على منزل قايد محمد،، وفي جلسات خاصة كانوا يقولون، إننا قمنا من أجل تحرير الجزائر،، وطرد هذا العدو من أرضنا.
في أواخر ١٩٥٥ وجد قايد محمد نفسه ضمن كتائب جييش التحرير وفي جويلية ١٩٥٦، استشهد في جبل تاقدرت وراء دوار بني اوكيل،، وفي نفس اليوم تشاء الأقدار أن تصاب الأخت عتيقة بجروح بليغة نقلها العساكر إلى مستشفى مصطفى بالعاصمة رافضة الكشف عن إسمها الحقيقي وسجلت باسم «طوارق»، وانتقلت الأم إلى منزل أبيها بتابلاط بعد حرق القرية،، وتوفي الإبن والإبنة (الطيب وفاطمة).

الطريق إلى الجبل..

هكذا وجد الإبن يحيي نفسه وحيدا،، أين المفر؟ الكل يلاحق هذه العائلة،، يريد أن يمحوها من الوجود،، ويسحقها انتقاما من الشهيد قايد محمد الأب الذي قرر أن يكون في وسط المجاهدين بدلا من حاشية الحاكم بالأخضرية،، أو يواصل ارتداءه لـ «برنوس» رمز الغطرسة والتطاول على الجزائريين.
لم يتوان يحيي في البحث عن الجهة التي تستقبله وعمل المستحيل من أجل الذهاب عند المجاهدين، في أول الأمر نظرا لصغر سنه لم يسمح له بالبقاء معهم،، ولكن احتراما لعائلته كلف بمهمة «عون اتصال» نقل الرسائل وغيرها بدون سلاح،، وهذا إلى غاية ٢٤ سبتمبر ١٩٥٨ حيث أصيب يحيي بجروح على مستوى رجليه بقرية لبابة نقل على إثرها إلى الزبربر وعقب التكفل الصحي الذي تلقاه،، شفي تماما وتقرر إدماجه في جيش التحرير وفي ١٩ ديسمبر ١٩٥٩ ألقي عليه القبض بقرية البراريم ناحية بني سليمان، وفي ٢٤ جوان ١٩٦١ أطلق سراحه من سجن سور الغزلان، ليعود ثانية إلى تابلاط.
هذه المنطقة كانت تحت إشراف القادة بوب محمد، مقران، عبد القادر لكحل الذين أبلغوه،، بأن ينتقل إلى العاصمة للعمل الفدائي،، وذهب حاملا رسالة خاصة،، وبعد اتصالات عديدة جاء ضابطان وهما بوجمعة بكاري وعبد النور بن إسماعيل،، وبعد الحديث معهما كلف شخص بمهمتنا إسمه الطيب بالاضافة إلى قاسمي عيسى الذي التقيناه في السجن.
وكانت نقطة البداية بعد تابلاط،، حي مناخ فرنسا بالعاصمة والعمل الفدائي الخطير هنا،، في منزل السيدة بن مرابط،، زودنا سي الطيب المدعو السعيد…..؟ وكل فدائي ترافقه امرأة أنا وكفيف عاشور، وشاتم فتيحة من بلمور، كما تحصلنا على سلاح رشاش (مات ٤٩) جاء به المجاهد محمد برواغية،، ونفذنا به عملية ببلكور (شارع نصيرة نونو حاليا)،، كما أطلقت النار على عسكري فرنسي بحيدرة،، في عملية نوعية لم تشهدها هذه الجهة.

الأخضرية،، ملتقى الأبطال

وفي خضم معايشته عن قرب للثورة بالمنطقة،، يشهد المجاهد قايد يحيي أن الأخضرية أنجبت أبطالا دوخوا الإستعمار ولقنوه درسا لن ينساه أبدا في الإقدام والتضحية وكلما سمع قادة الجيش الفرنسي بوجود فارس من فرسان الثورة في جهة معينة إلا وينتابه الخوف الشديد، وترتعد فرائصه مجندا فيالق جرارة وطائرات،، وغيرها من وسائل الدمار،، ويقف سي يحيي عند سي لخضر من قرقور، عبد الله ببارو حميدو،، السعيد وعلي،، حسين البوشي، سمار حسن، عجيمي، حسن، عمور،، تواتي،، رمضان، ريفة محمد، علي خلفوني، ورابخ درموش،، وهناك رجال أشاوس كانوا في الميدان قدموا من المناطق المجاورة وكذلك قيادات كبيرة، علما أن هذه الجهة استقبلت المناضلين الذين كانوا محل بحث بالعاصمة خاصة.
هؤلاء الرجال تركوا كل مالديهم مفضلين إخراج فرنسا من بلدهم مهما كان الأمر،، بالرغم من الطرق الجهنمية المستعملة ضدهم،، كانتهاج سياسة الأرض المحروقة،، وهكذا دخلت فرنسا في مواجهة علنية مع الشعب الجزائري،، خاصة عقب الهزائم المتتالية التي تتلقاها على أرض المعركة،، كل حقدها الدفين،، تلقيه على الشعب الجزائري حرق الدواوير، القصف، النقل إلى المحتشدات.
وأبدى المجاهد قايد يحيي اندهاشه من التصريحات المتعلقة بالحركى والتي أراد أصحابها إلصاق التهمة بجبهة التحرير الوطني زورا وبهتانا،، على أنها كانت وراء الأوضاع التي عرفوها بعد وقف إطلاق النار،، كل ماوقع أن أقرباء الأشخاص الذين تضرروا من ممارستهم، كالقتل والتعذيب والنفي والانتقام هم الذين أجهزوا عليهم،، وهذا فعل معزول لاصلة له بالنظام الثوري آنذاك إنطلاقا من المسؤولية العالية التي كان إطارات الثورة يتمتعون بها فبعد أن جاء الإنتصار على يد الكبار،، فلا حاجة إلى متابعة هؤلاء الصغار والذين فروا إلى فرنسا رفقة من حثوهم على ذلك أدركوا ماارتكبوه من جرائم ضد أفراد هذا الشعب الثائر،، ومن فضل البقاء طبق عليه القول المأثور «عفا الله عما سلف».

لا.. لتشويه الثورة

ويرفض المجاهد قايد يحيي رفضا قاطعا الحملات التي تستهدف الثورة الجزائرية واصفة المقاومين الأحرار والأطهار والأخبار بأوصاف غير لائقة هذا لايقبل به الجزائريون أبدا،، فكيف لنا نحن نعت الذين غزوا بلادنا وأبادوا شعبنا بطريقة بربرية من ١٨٣٠ إلى غاية ١٩٦٢ قتلوا قرابة ٨ ملايين جزائري !؟
ويأمل المجاهد قايد يحيي عودة قيم الثورة إلى التجذر في نفيسة الإنسان الجزائري نظرا لما لها من تأثير مباشر في النسق الإجتماعي والعلاقات الفردية والجماعية كالتضامن، التعاون، الإحترام والإيثار استطاعت هذه الحالات أن تترسخ لدى العائلة الجزائرية وتكون محركها في الكثير من الأحداث،، اليوم تراجعت بشكل ملحوظ نظرا لاعتبارات عديدة داخلية وخارجية،، ويبقى الأمل كل الأمل قائما من أجل إعادة انتشارها عن طريق المؤسسات المعنية بذلك حتى يسجل ذلك الإنسجام والتواصل بين الأجيال.
وعلى الشباب أن يتعلم تاريخه والاطلاع على ماجرى في ولايته ومنطقته من معارك بطولية خاضها جيش التحرير ضد فرنسا ولا يتنكر أبدا لكفاح أسلافه.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025