الرقمنة التاريخية... ثورتنا بلغة العصر

فتيحة. ك

يعتبره المختصون بطاقة التعريف التي تجعل عضويتك الإنسانية على مر العصور شرعية، لأنه البصمة التاريخية التي تروي خصوصية تفاصيلها عن امتدادك وهويتك التي تتميز بها على مر العصور والحضارات…
الثورة التحريرية التي انطلقت أول رصاصاتها في 1 نوفمبر 1954، معلنة، أن مع سقوط كل ورقة خريف، إعلان عن ميلاد هامة وقامة ترفض الخنوع والاحتلال، ليتحول الخريف الذي تتغلغل فيه الرياح الباردة إلى داخلنا لتخبرنا عن شتاء قاس إلى ربيع تداعب نسائمه الدافئة قلوبنا لتشرق بأمل جديد ومتجدد ويقين ثابت بأن الثمار ستقطف لا محالة في الصيف القادم حتى وإن امتد فصل البراعم لسبع سنوات ونصف...
الثورة التحريرية التي جعلت منا الشعب المعجزة في القرن العشرين، تحتاج منّا إلى تثمين وتقييم، لأنها تمثل خلاصة أجيال متعاقبة توارثت حب الأرض والشعور بالانتماء إليها بعيدا عن أية مصلحة خاصة أو منفعة آنية. وأصبح مع مرور الزمن ملازما لذات الجزائريين وكأني به إحدى الجينات الوراثية التي تميزنا عن غيرنا من الشعوب وإن كنا نشاركهم العروبة والإسلام.
لن يكون ذلك بعيدا عن أرشفة التاريخ وكتابته على صفحات بيضاء نقية نقاء الأرض الطاهرة التي سقتها دماء أكثر من مليون ونصف شهيد، وقعوا بأحرف من ذهب أن الحق الذي وراءه مطالب لا محالة عائد إلى أصحابه. تلك الدماء الزكية أن تبقى للأجيال القادمة لأنها ستكون عاملا مهما لهم ليفتخروا ويعتزوا بما قام به الأجداد، وستكون بالنسبة لهم سببا في أن يجعلوا من كلمة «جزائري وافتخر» وساما وشرفا على صدورهم ودافعا قويا ليجتهدوا في تطوير وإنماء هذه الأرض الغالية.
هنا يجرنا الحديث عن الانتقال من مرحلة الأرشيف الورقي إلى الرقمي، لنواكب آخر التطورات التي جعلت من العالم الافتراضي موازيا للعالم الحقيقي وأصبحت المعلومة الرقمية أول وجهة للكثير من الأشخاص في العالم، لذلك أصبح التحدث بلغة العصر ضرورة قصوى حتى نستطيع رسم معالم حضارتنا، لأنها لن تبنى بعيدا عن العصر الذي نعيش داخله.
ما يعني أن تطبيق التقنيات الحديثة يستلزم منا إعطاء أهمية أكبر لكتابة تاريخ الثورة وتاريخنا الذي يمتد إلى الإنسان البدائي، الذي حيرت رسوماته العجيبة في جبال «تاسيلي ناجر»، أقصى جنوب شرق الجزائر، العلماء وكانت إلى اليوم سرا من أسرار البشرية التي ترفض كشف حقيقة اللغز الذي خلدته أنامل في كهوف هزمت داخلها قسوة الصخر والظروف المحيطة.
مثل هذه الجواهر التاريخية التي رسمت معالم الإنسانية قاطبة، يجب أن نبذل الغالي والنفيس من إجل استعادة وتوثيق وحماية أشرطة الفيديو التاريخية والنادرة في كل مكان هي موجودة فيه، وكذا ملفات الصوت والوثائق، وتحويلها إلى مواد رقمية يمكن استخدامها بشكل آمن، من طرف الباحثين والطلبة حتى تكون مرجعا موثوقا لكل من يريد التعرف على تاريخنا، ليكون بذلك المرآة العاكسة لمسيرة شعب نحت مستقبله بمقاومة الذل والمهانة.
وسواء كانت أشرطة إذاعية أو تلفزيونية أو صحافية أو صور، يجب ترقيتها وإعادة برمجتها لتخزينها كمواد رقمية صالحة للتعامل في أنظمة التكنولوجيا الحديثة، وكذلك إمكانية استرجاعها وعرضها من خلال محرك بحث «جوجل» أو أي محرك بحث آخر، لأننا نحتاج إلى موقع إلكتروني يحمي ذاكرتنا الثورية والشعبية، بذلك نستطيع أن نقول إننا حافظنا على الذاكرة والتاريخ وجعلناهما منطوقة بلغة العصر.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025