العدالة قطاع يرتقي بنظرة هادئة

تقييم شامل لمسار الإصلاحات قريبا

جمال أوكيلي

المنظومة القضائية مدعوة إلى الانظمام في نظيرتها الدولية

يشير قطاع العدالة في هدوء تام وبامتياز بعيدا عن الضوضاء والأضواء لضمان تلك النتائج المرجوة وهذا ما يسجل إلى غاية يومنا هذا في شتى المحاور المتعلقة بالقضاء، ومما زاد في إثراء هذا الخيار الحيوي ما خصّصه الدستور من دعم وتعزيز لعمل العدالة في الجزائر تكون وفق مرجعية محكمة في إدارة المحاكم وإصدار الأحكام.

والتوجه الأولي في خضم هذا المسار الدقيق هو السعي لإيجاد آليات تسمح بتوسيع قدر الإمكان المهام والوظائف المخولة للهياكل التي لها صلة مباشرة بكيفية صناعة الحكم العادل القائم على عناصر الوضوح في ما يعتبر بالأدلة.
وهذا في حدّ ذاته نظرة حديثة في حوليات العدالة الجزائرية الرامية إلى بلوغ ذلك المنعرج الحاسم في أدائها.
منذ صياغة توصيات اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة بإدراج القرارات حيّز التنفيذ، وفي هذا فإن ما شهده القطاع من حركية منذ تبني مبدأ الإصلاحات، يحتاج إلى قراءة متأنية ومتفحصة، وفق منهجية عمل جديدة، تكون حاضرة في الممارسة اليومية لأهل المهنة، خاصة والمتقاضين لذلك أحسن ما فعل السيد الطيب لوح وزير العدل حافظ الأختام عندما أعلن عن تقييم شامل للإصلاحات التي كانت العدالة على موعد خلال المحطات السابقة وسيتم إضفاء الطابع العملي على هذه المبادرة من خلال فتح نقاش صريح وهادف حول ما أنجز حتى الآن مع ضبط كل النقائص التي تستدعي إدماجها في هذه المنظومة قصد تسويتها بالمشكل المراد اتباعه.
وبهذا تكون الفرصة متاحة أمام كل المهنيين الذين ما فتئوا يطالبون بإدخال تغييرات على مواضع معينة من أداء القضاء بحكم احتكاكهم اليومي بمجريات المحاكمات وتواصلهم الدائم بالمجالس والأقطاب.
وفي مقابل ذلك، هناك آذان صاغية وبإمعان وقدرة فائقة في مرافقة هذه الانشغالات وبخاصة من الدفاع (المحامون) من قبل السيد الطيب لوح الذي يحرص شخصيا على إرساء قواعد الحوار كل المعنيين لأحداث ذلك التكامل في عملية القضاء، بين كل الأطراف على أن تبقى السلطة التقديرية عند القاضي في ملفات شائكة أحيانا يراها المحامون من زواية عادية في حين أن طبيعة القضية تتطلّب إجراءات تحفظية معينة يبدي على إثرها الدفاع مواقف متشنجة تجاه ما يتقرر حيال هذه القضايا.
وهذه الاستشارة المرتقبة على ضوء العمل لترقية قطاع العدالة ستكون الإطار المفضل للجميع كونها بداية لنجاح هذا المسعى في تطبيقاته الميدانية خاصة.
وهذا هو الأهم في المراحل القادمة وليس من السهل دخول هذا المعترك إن لم يضمن صاحبه بلوغ الهدف المرجو من ذلك.
لأن التشخيص فيما سبق كان صارما ودار الحديث على مسائل هامة جدا في قطاع العدالة منها، تطبيق الأحكام والإفراط في الحبس الاحتياطي.
ورويدا رويدا، كان هناك عمل جبار خلال السنوات التي تلت تدوين التقرير النهائي للجنة الوطنية لإصلاح العدالة وهذا بإيجاد بدائل استعجالية أخرى لتقليص من هذا الإجراء منها بالأخص المثول الفوري، والمراقبة القضائية وغيرها من الخيارات الآنية التي تحل محل الحبس الاحتياطي، وفي نفس الإطار فإن الأرقام الموجودة لدى المحكمة العليا بخصوص تنفيذ الأحكام جديرة بالمتابعة نظرا للطفرة التي سجلت في هذا الميدان حتى القضاة انخرطوا في هذا المسعى إيمانا منهم بضرورة الارتقاء بالأداء النوعي في الأحكام إلى السقف المأمول.
وفي نفس الاتجاه، سجّل نشاط مكثف في مسالك أكثر تعقيدا من ناحية إيجاد منافذ قانونية لتأطير تشريعي فعّال يعتمد خاصة على الديمومة وهكذا فإن ما ورد في الدستور الساري المفعول من مواد تتعلّق بالعدالة بصدد التطبيق وهذا ما يترجم مشروع القانون المتعلق بالإجراءات الجزائية في جانب إصلاح محكمة الجنايات
واستنادا إلى هذا النص فإن التقاضي في المجال الجزائي يكون على درجتين وليس على درجة واحدة عكس ما كان معمولا به في السابق في محكمة الجنايات، وعلى هذا الأساس فإن تشكيلة محكمة الخبايا التي تتكون من ٤ قضاة و٣ محلفين ستشهد زيادة في عدد المحلفين وسيكلف قضاة محترفون بالفصل في بعض الجرائم كالإرهاب والمخدرات، بالإضافة إلى وضع تعديلات في إحكام الإجراءات الجزائية لاحترام مبدأ قرينة البراءة وحرية الأشخاص.
هذا رهان قوي وقناعة ثابتة لدى وزارة العدل في عصرنة هذا القطاع وإدراجه في المسار العالمي وهذه هي الأبعاد والخلفيات لإصلاح العدالة في الجزائر.. ويمسح هذا على قانوني التجاري والعمل الحاملان لقيم التفاعل مع المنطلقات الدولية في التعاملات الصارمة وهذا كله تمهيدا لانضمام الجزائر لمنظمة التجارة العالمية لتكون كل آليات التحكيم جاهزة وعند الموعد يضاف إلى كل هذا التوقيع الإلكتروني واستخراج وثيقتي السوابق والجنسية في زمن قياسي واستعمال البصمة الوراثية في المجال القضائي.
وفي خضم حركة الإصلاحات المراد أن تكون حاضرة وتتوجه نحو المستقبل على أسس سليمة وقواعد صحيحة مرجعيتها القوانين المسيرة للظاهرة الاجتماعية والوقائع الاقتصادية، وفي هذا السياق فإن العدالة قائمة بكل عنفوانها من أجل التصدي لانتشار الآفات بمفهومها الواسع، وكيفما كانت طبيعتها والمحاكم اليوم لا تخلو من هذه المحاكمات.. في كل دعوى يتم تحريكها تأخذ مسارها المعروف قانونا فأبواب النيابة العامة مفتوحة لأي شخص.
هذا الكلام كان ردا مباشرا من قبل السيد لوح على الأصوات التي ارتفعت بخصوص مسائل كانت الساحة الوطنية مسرحا لها خلال الأشهر الأخيرة وعلى هامش المصادقة على مشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم ٢٦ سبتمبر ٢٠١٦، وجه وزير العدل حافظ الأختام رسائل قوية في هذا الشأن لكل أولئك شككوا في مهمة العدالة.
وامتدادا لهذه الحيوية لتجذير الإصلاحات في قطاع العدالة، فإن حلقة قوية أخرى أضيفت إلى سلسلة الحلقات التي تحرص على حماية الأفراد ألا وهو المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أصبح فضاءً موسعا لكل الناشطين في هذا الحقل بتجاوزه إصطلحات المرصد، أواللجنة أو رابطة أو شيء من هذا القبيل ويهدف إلى ضمان الحقوق اللصيقة بالذات البشرية غير القابلة للتنازل منها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والمرتبطة كذلك بالبيئة والتنمية.

حماية المحبوسين

وفي هذا الإطار، أشار السيد مختار فليون المدير العام لإدارة السجون إلى أن دائرته ستستلم ١٤ مؤسسة عقابية جديدة تعمل بمعايير دولية لتحسين ظروف إقامة أكثر من ٦٠ ألف نزيل، وسيتم غلق السجون القديمة وبإمكان هذه الفضاءات استقبال ما بين ٣٠٠ و ٥٠٠ و١٠٠٠ سجين وهذا بأريس وعين ولمان والشريعة وعين البيضاء وأم البواقي.
ولرفع الاكتظاظ المسجل والتكفل بالسجين نفسيا بعيدا عن أي ضغط استفاد هؤلاء من مؤسسات بالقليعة ٢٠٠٠ مكان، ١٠٠٠ بالبليدة، ٥٠٠ بجيجل ، ٣٠٠ بالغزوات ، و٣٠٠ بتجنانت، و٤ مؤسسات للبيئة المفتوحة بطاقة استيعاب ٢٠٠ مكان في عين مليلة، أم البواقي، غليزان والشلف، وهذه الصيغة أي البيئة المفتوحة تضم ١١ مؤسسة وطنيا، بـ ٦٢٣٣ محبوس، تنشط في العمل الفلاحي والتعليم، وكل هذا من أجل إدماج هؤلاء في المجتمع ويجري هذا مع اللجنة الوزارية المشتركة لتنسيق نشاطات إعادة التربية والإدماج، وفي هذا المجال فإن ٤١٠ . ٤١ مسجل في التعليم العام والتكوين المهني في ٢٠١٦ أي بزيادة تقدر بـ ١٤٦٧ مقارنة بالموسم الدراسي السابق.
هذه الأرقام تتحدث عن نفسها فيما يتعلق بمرافقة المحبوسين والسعي من أجل منحهم المستوى التعليمي والتكويني الذي يرغبون فيه بداخل المؤسسة العقابية، وهذه هي سياسة السلطات العمومية في الوقت الراهن حفاظا على حقوق الإنسان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024