غرف التبريد...

من نعمة الادخار إلى نقمة الاحتكار!

أمين بلعمري

تأمين المؤونة والغذاء كان ولا يزال من أكبر الهواجس التي راودت الإنسان ولا تزال منذ وجوده على هذه الأرض، باعتبار ذلك يرتبط مباشرة باستمرار السلالة البشرية وجميعنا يعرف القصة التي وردت في القرآن الكريم عن الخطة التي وضعها سيدنا يوسف - عليه السلام - لمواجهة السنوات العجاف من خلال ابتكار طريقة لحفظ فائض المنتوج الفلاحي لساعات القحط والشدة.
اليوم، ومع التطور الهائل للتكنولوجيا، لم يعد حفظ المواد الغذائية والمؤن يطرح أي مشكل، فغرف التبريد التي تعمل بتقنيات متناهية الدقة أعطت للبشرية فرصة كبيرة وفتحت أمامها أفاقا واسعة لتأمين غذائها لقرون قادمة وليس لسنوات فقط.
الجزائر، كغيرها من دول العالم، معنية بمعركة الأمن الغذائي، لهذا وضعت استراتيجية لتنمية القطاع الفلاحي رصدت لها مبالغ مالية ضخمة في شكل دعم حكومي لإنعاش هذا القطاع، منها نسبة معتبرة لتدعيم بناء غرف التبريد، نظرا للأهمية القصوى التي تكتسيها هذه الحلقة في سلسلة الإنتاج الفلاحي الوطني، خاصة بعد الشكاوى المتكررة لفلاحين تكبدوا خسائر تقدر بملايين الكيلوغرامات من المواد الفلاحية تذهب هباءً بسبب الوفرة الكبيرة للمنتوج وندرة الفضاءات المخصصة لحفظ الفائض من التلف. وتكبدت الخزينة العمومية جراء ذلك خسائر قدرت بالملايير من الدينارات، مما عجّل بمسارعة الحكومة إلى دعم الفلاحين الراغبين في بناء غرف التبريد، وتبين خلال السنوات الأخيرة أن تلك السياسة أتت أكلها وأصبحت سلسلة التبريد تتمتع بقدرة استيعاب هائلة واستبشر الجميع خيرا، إلا أن الفرحة لم تدم - بكل أسف - وتحولت هذه النعمة إلى نقمة بفعل المضاربين والانتهازيين الذين استغلوا الفرصة وأسسوا آليات احتكار خبيثة مكنتهم من التحكم في أسعار المواد الفلاحية الأساسية، جعلت المواطن البسيط يشتري الخضر والفواكه بأثمان غير منطقية ولا معقولة حتى خلال مواسم الغلة والجني. والتفسير الوحيد لذلك، هو أن غرف التبريد لم تعد تستغل لتخزين فائض الإنتاج، لكن حتى الكمية الموجهة إلى الاستهلاك الآني يتم توجهيها إلى تلك الغرف وتنتزع من أفواه الفقراء، مما خلق حالة من الندرة المستدامة، كانت نتيجتها المباشرة ارتفاع الأسعار بشكل مزمن كذلك.
والحالة لا تقتصر على المواد الفلاحية فقط، فحتى الأسماك واللحوم أصبحت هي الأخرى تحتكر عن طريق سلسلة التبريد وهذا ما يفسر أسعارها الخيالية، إلى درجة أصبح معها السردين من الكماليات.
إن هذه التصرفات لا يمكن إدراجها إلا في خانة الجرائم الاقتصادية، لأنها معاملات مشبوهة، لم تعد تشكل مصدر خطر على أمننا الغذائي فقط، لكن على أمننا الوطني كله، مما يستدعي وضع خطة مستعجلة لمعالجة الأمر، بدايتها تكون بتشكيل فرق مختصة متعددة القطاعات للتفتيش والمراقبة من أجل التحكم في سلسلة التبريد التي أصبح دورها وأثرها يتنافى تماما مع الأهداف التي أوجدت من أجلها واستنزفت الملايير من الخزينة العمومية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024