مــــع بدايـــــة ترحيلهـــــم

حــــــالات في مشهـــــد يومــــي يتكــــرر بالعاصمــــة تنقلــــــــه «الشعب»

فتيحة.ك

مع بدء عملية ترحيل المهاجرين الأفارقة خلت الكثير من نقاط التسول المعروفة عندهم من هؤلاء الأطفال الذين صاروا بارعين في استجداء عطف الجزائريين الذين لا يتوانى بعضهم في إعطائهم «صدكة»… سنتذكر اليوم أهم ما سيغيب عن يوميات الجزائريين بعد سنوات غرقت خلالها مختلف المناطق بهم حتى صاروا جزءاً من ديكورها الخارجي.

الترامواي وسيلة نقل عمومية كانت بمثابة الخزنة التي تدر الكثير من المال على هؤلاء الأفارقة المتسولين، الذين لم تثني عزيمتهم محاولات المسافرين الكثيرة إنزالهم منه، خاصة وأنهم غالبا ما يتميزون بفظاظة في سلوكهم وتمرد يصل ببعض الأطفال منهم إلى ضرب.
في رحلة من محطة درقانة وسط إلى محطة رويسو، ستحاول «الشعب» أن تصور لكم أحداثها التي أصبح المتسولون الأفارقة أبطالها الرئيسيين، فبمجرد فتح أبواب الترامواي تسبقك إحدى الفتيات الإفريقيات التي لا تعرف كيف مرت قبلك لتجلس في المقعد، بل تستلقي على مقعدين غير آبهة بأحد. وهنا تتدخل إحدى المسنّات التي عبّرت عن امتعاضها وقالت لها: «ألم يكفك واحد، استلقي ونامي». وهنا تنهض تلك الفتاة لتسوي قطعة القماش التي تغطي رأسها والتي لا علاقة لها به، لأنها تحمله معها تضعه قبل بداية عملها في التسول، بل أضحكتني في إحدى المرات صورة طفلة في محطة «طرابلس المسجد»، فزِعت بمجرد ركوبها الترامواي لتنزل مسرعة إلى إحدى النساء الإفريقيات ممن يجلسن أمامه لتعطيها «الخمار» الذي أصبح وسيلة لربح المال.
المهم، صعد إلى الترامواي في إحدى المرات مراهقان إفريقيان كانا متسخين جدا، وبسبب ذلك طلب منهما شيخ النزول، رفضا وبدآ في التسول، أمتعض الشيخ وقال بالفرنسية «انزلا»، فرد أحدهما بطلاسم لم يفهمها، الأمر الذي زاد من غضب الشيخ وعناده محاولا إنزالهما بالقوة، نزل واحد في محطة «بيوميديكال» بدرقانة والثاني بقي متسمّرًا في مكانه محاولا الدفاع عن نفسه، فدفع بالشيخ بعيدا عنه الأمر جعله يخرج عن طوعه ما خلق بلبلة وجلبة انتهت بنزول ذاك المتسول الإفريقي في قهوة الشرقي.
مع وصول الترامواي إلى محطة «حمودة» ينزل الأطفال المتسولون ليصعد شيخ أسود يضع حول رقبته «سبحة» وعلى رأسه قلنسوة، يرتدي قميصا اصفرّ لونه من الأوساخ... يردد الشهادتين بعربية مكسورة حاملا بين يديه «طاسة» هي في الحقيقة الجزء السفلي من قارورة بلاستيكية،... المهم أنه لن يوفر أي شيء ليسمع وقع الدنانير فيها، ومع بلوغ محطة «باب الزوار الجسر» ينزل هو ليصعد ثلاثة أطفال أفارقة في ملابس متسخة، وفي بعض الأحيان حفاة، يحملون حقيبة أموالهم «الطاسة» ويبدأون في التسول ذهاباً وإيابا على طول الترامواي. والمدهش أنهم يسيرون وفق خطة محكمة، حيث يفصل بين الواحد والآخر دقائق معدودة، فكلمة «صدكة» تسمعها من الأول ثم الثاني ثم الثالث، ما يذكرك بالمثل الشعبي عندنا «السامط يغلب القبيح»، لكن آخرهم كانت له طريقة مختلفة، لأنه يلتصق بالشخص الذي يتسول منه المال ويبدأ بالصراخ «يرحم باباك، يرحم يماك، نشاالله يزوجوك، نشا الله تلقى خدمة، نشالله يعطوك سُكنى»، الأمر الذي يجعلك تتأكد أن دراسة عميقة أجريت من طرف هؤلاء المهاجرين الأفارقة لمجتمعنا حتى يتغلغلوا إلى نقاط ضعفهم وأحلامهم التي ضاقوا بها ذرعا.
الغريب في الأمر، ألا أحد من المراقبين الموجودين في الترامواي يطلب منهم النزول أو إظهار تذكرة السفر وحتى «المحطة الأخيرة بـ «رويسو» يكوِّن الأفارقة ديكورا مميزا ليوميات المسافرين الذين يتساءلون في كل مرة عن سبب بقائهم هكذا في الشوارع، ينتهكون حرمات الأماكن ويشكلون صورة غير لائقة عن الجزائر التي يجرّم قانونها ظاهرة التسول واستغلال الأطفال فيه.
لعل مستعملي الطرق السريعة وكذا النقاط المرورية التي يكثر فيها الازدحام المروري، هم الأكثر احتكاكا بطالبي «الصدكة»، حيث يتعامل هؤلاء الأطفال المتسولون بفظاظة، حتى صار أصحاب المركبات يتحاشون فتح نوافذ السيارات بسببهم، لأنهم يتعلقون بها وهي تسير طلبا للصدكة، بل يسمعون البعض منهم شتائم لأنهم يرفضون الابتزاز المعنوي الذي يمارسه هؤلاء المهاجرون عليهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025