الزاوية المختارة في صناعة الأفلام الثورية

تمجيد صورة الشهيد و إبراز قيمة التضحية

جمال أوكيلي

في اليوم الوطني للشهيد المصادف لـ١٨ فيفري، فتحت جريدة «الشعب» نقاشا ثريا وهادفا مع المخرج السينمائي القدير أحمد رشديد صاحب الرائعة الخالدة، «العفيون والعصا» حول صورة الثورة في الفيلم الجزائري، والتي وصفها بالمهنية، استنادا إلى التزامات مضمون السيناريو الذي يلح في كثير من الأحيان على الاحتفاظ بالوقائع كما وردت، رافضا إدخال عليها تعديلات معينة، تمشيا مع روح النص.
في هذا الإطار، فإن السينما ليست مجرد حوار بين الممثلين بقدر ما هي رسالة حاملة لفكر إيديولوجي عميق يترجم توجهات ثابتة في المقاصد. وإنطلاقا من التربية الثورية التي تلقاها راشدي منذ نعومة أظافره، زيادة على انتمائه إلى عائلة الشهداء (الجد والأب) وشعوره العميق والوعي بمفهوم الاستعمار، فضل أن تكون الشاشة الكبيرة، الفضاء الذي يسمح له بأن يغوض في هذا المسار الشاق والمضني بخصوص البحث عن أفضل الصيغ لعرض صورة الشهيد للرأي العام.
وضمن هذا الإطار، فإن راشدي يسعى جاهدا لتمجيد الشهيد في الأفلام التي ينجزها، ويقصد من ذلك منح له كل هذا التكريم النادر والعطاء الفريد، مقارنة بما قدمه، أو ما أقسم عليه من عهد التضحية من أجل الجزائر، يجب أن يكون المخرج فطنا في هذا الجانب، لأن الأمر لا يتعلق بجمع أو إلتقاط مجموعة من المشاهد التقنية الجافة الخالية من الحضور الذهني، بل أن الأولوية هي تلك الحالة النفسية الفورية والآنية المعبرة عن التفاعل في تقمص الشخصية، وهذا فعلا ما وقع مع حسان كشاش في دور مصطفى بن بولعيد، ومهارته التي أظهرها في نقل الصورة المعروفة والمعتادة عن الشهيد.
وشدد راشدي على أن الصورة المحبذة وذات التأثير عند الجمهور هي عندما يطرح المخرج الزعيم الثوري على أنه إنسان قبل أن يكون قائدا مغوارا وهذه الصفة تخرجه من دائرة الـ «سوبرمان» وتضعه في المقام العادي «كأيها الناس».
وعليه، يجب أن نتخلص من هذه الصورة النمطية، التي يراد لها أن تقحم في الفيلم الثوري الجزائري، بإعطاء البطل أكثر من حقه، في مواجهة الآخر، أي أنه ذلك الشخص المفتول العضلات الذي يسيطر على كل شيء وحده، هذا غير موجود في أعمال راشدي، كون هذا الأخير يجنح نحو تقديم الرجل كما هو بعيدا عن إضافات خيالية لم يتحل بها في حياته.
في هذا الشأن، أصر راشدي على إظهار بن بوالعيد رفقة زوجه، وكذلك مع ثلة من المجاهدين في رقصة شعبية، هذه جوانب إنسانية في حياته، ليس ملاكا أو شيئا من هذا القبيل، بل بشر مثل كل الناس، ولابد من الإشارة هنا إلى أن المشاهد يقبل بتلك الحالات العادية، معتبرا إياها الأقرب إليه، من الزاوية الواقعية. ومما يزيد في دعم هذا الأمر، هو أن بن بوالعيد كان مجاهدا في الثورة، وليس قائدا عسكريا في جيش نظامي، وهذه المفارقة يتطلب الأمر التأكيد عليها حتى تؤدي الصورة ما تبحث عنه من تأثير على المشاهدين.
وهذه القناعات الفكرية السينمائية لها علاقة مباشرة بالحضور القوي للممثل عبر المشاهد الملتقطة، وقد كشف كل من حسان كشاش (بن بوالعيد) وممثل آخر في دور القائد الشهيد لطفي كفاءات عالية في أدا ما طلب منهما، حتى أن عائلات الشهيدين إرتاحت لهما ارتياحا كبيرا نظرا الشخصيات المتشابهة عندما كانا على قيد الحياة، في حين كان المطلوب توجيه كل من بشطارزي، رويشد، وكويرات، لأنهم ممثلون مسرحيون لم تكن لديهم خبرة في هذا المجال.
وهذه العلاقة الجدلية بين صورة الشهيد والفيلم الثوري الجزائري وشخصية الممثل لا تنفصم، متكاملة في أهدافها المراد التوصل إليها، منها بالخصوص أن يكون المخرج وفيا لضميره في أداء عمله باحترافية كاملة غير منقوصة، وهذا ما يتسبب أحيانا في إبداء تحفظات معينة تجاه وقائع لا تلقى الإجماع أحيانا، غير أن النظرة إلى التاريخ من الزاوية الواقعية تصنع الأحداث في الإتجاه القائم على إنتصار الشعب الجزائري.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024