بلا زيادة أو نقصان

المرأة «درع صلب» يمنح الأمم روحها وحياتها

فتيحة كلواز

كما تعوّد في كل مرّة وفي كل مناسبة، لم ينس السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية، التذكير بما قدمته المرأة في مختلف مراحل تطور الدولة، فكانت، كما وصفها في خطاباته، المحور الذي لا يستوي دونه بناء أمة وبصمة ثابتة لا يمكن تجاوزها في أي مجال، سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، لأنها - كما قال - في آخر رسالته التي وجهها إلى المشاركين في «الندوة الدولية لترقية المشاركة السياسية للمرأة» كانت وستبقى المرأة الملجأ والحارس الأمين للجزائر في مختلف الظروف وعبر كل الأزمنة.
وقبل أن يكون الرئيس هو الرجل الذي لم ولن ينكر دور المرأة في أي مجتمع تكون جزءا منه، لأن المعدن دائما غالب على صاحبه، لذلك فعندما يتحدث عن الأم تجده أمامك الإبن الذي ينتهي وجوده إلى أمه فمنها البداية وإليها النهاية، وعندما يتكلم عن المرأة السياسية يستوقفك إيمانه الراسخ بحنكتها في مجال يعتقد الكثيرون انه وجد للرجل فقط وكذا قناعته الثابتة بأن معادلة السياسة لا تكتمل إلا بمشاركتها الفعّالة.
أما عند استذكاره للثورة الجزائرية فتجده يروي تفاصيل مشاركة المرأة فيها، سواء تلك التي ارتدت البذلة العسكرية وصعدت الجبال، أو تلك التي سهرت وطبخت وحملت السلاح في «قفتها» دون أي خوف من الاستعمار الخاشم، ليرسم أمامك صورة امرأة لا ترضى أقل من التضحية في سبيل الحرية، تلك اللوحة يرى الناظر إليها تفاصيل دقيقة تعكس الرئيس المجاهد والرئيس الرجل الذي رسخّ في صفحات التاريخ قوة امرأة رفضت الخنوع والأسر على ترابٍ سُلب منها عنوة.
وذكّر عبد العزيز بوتفليقة في رسالته، بما قدمته المرأة الجزائرية عبر مختلف مراحل التاريخ الذي كتب على صفحاته نضال الجزائرية وثباتها وعزيمتها على الاستقلال الذي كان بداية جدِية استبدلت فيها المرأة البذلة العسكرية ببذلة البناء، لم تتوان يوما في تلك المرحلة في أداء أي دور منوط بها في أي مجال كان، الأمر الذي جعلها تساهم بطريقة فعالة في ترقية مكانة المرأة في المجتمع، والتي عرفت منحى متسارعا منذ 1999 أين تعززت القوانين والتشريعيات الجزائرية بكثير من الإصلاحات لتتلاءم وطموحات المرأة الجزائرية، فكان تعديل الدستور الأخير تكريسا لكل المكتسبات التي جعلت منها الأولى عربيا من حيث التمثيل السياسي في مختلف الهيئات الرسمية والمنتخبة، فمن مجموع 462 نائب تحصلت النساء على 120 مقعد في البرلمان الجديد، حيث يخضع تمثيل المرأة في البرلمان لنظام «الكوتا»، فقد حدّد القانون تمثيل المرأة في كل قائمة انتخابية بنسبة 33% ما أهلها لاحتلال المرتبة 29 على المستوى العالمي بخصوص التمثيل النسوي بالبرلمان.
دون أن ننسى ترسيخه فكرة المساواة في الأجور الذي منحها الثقة في أن الطموح مرتبط بالكفاءة الذاتية وغير مرتبط بالجنس حيث قال: «التشريع الجزائري أسس المساواة في الأجور بين الرجل والمرأة منذ السنة الأولى لاستقلالها» ولعل احتكارها بعض المهن ذات البعد الاجتماعي كالتعليم والصحة، بل وسيادية، أو كما وصفها في رسالته كسلك القضاء، هو صورة حقيقية وواقعية لما بلغته المرأة الجزائرية من مكتسبات، تكريسا لمبدإ المناصفة الذي جاء به التعديل الدستوري الأخير الذي جاء تدعيما لما هو مقرر في قوانين العمل وتفعيلا لمبدإ تقلد المرأة للمناصب السيادية ومناصب القرارات العليا، رغم أن الكثير من النساء في العالم مازلنّ يعاملنّ وكأنهنّ أنصاف رجال في الأجور ولنا في بعض الدول خير دليل على ذلك.
عرج رئيس الجمهورية في رسالته بعد الجانب السياسي والاقتصادي على الجانب التنموي الذي عرف مشاركة المرأة منذ الأيام الأولى للاستقلال فقال عن ذلك: «أصبحت المرأة طرفا فعالا في فضاء المؤسسات الاقتصادية وإنشائها، كما صارت طرفا فعّالا في مجال التنمية الريفية»، فأينما تكون هي طرف في المعادلة التنموية والتطور.
ولأن العلم هو أقوى سلاح تملكه بين يديها، جعلت الدولة الجزائرية تدريسها واجبا وحقا لا يمكن التسامح فيه، فمن الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، عززت المدن والأرياف بالمدارس في مختلف الأطوار التعليمية، فقط لتتمكن المرأة من التعلم واكتساب معرفة تؤهلها لمشاركة نوعية في تقدم وازدهار بلادها.
أما تشبيهه إياها بالدرع الصلب الذي لا يتأخر في تلبية نداء التضحية في سبيل الوطن، هو اعتراف آخر لكل ما تقوم به هذه المرأة الجزائرية التي لم تتنازل ولن تترد في تقديم حياتها ثمنا لبقاء الجزائر دولة ذات سيادة وكما كتبت دماؤها في ثورة التحرير قوائمَ طويلة من الشهيدات، فعلت في سنوات «الإرهاب الهمجي» رافضة بكل ما أتيت من قوة أن يُحرم الوطن ساعة شروق نور يكسر ظلمة ليل أريد له أن يكون بلا نهاية، ليرسل دفئا إلى قلوب فُجِعت لفقدِ حبيب، فرسمت دموعها ابتسامة تجاوزت بها الحزن والألم وصرخت بأعلى صوتها «نعم» للمصالحة الوطنية و»لا» للفتنة، لأن المرأة الجزائرية دائما ما تنكر ذاتها من أجل الآخر مثبّتة مرة أخرى ألاّ كلمة تعلو عندها على الوطن واستقراره.
لم تكن طريق المرأة معبدة ومحفوفة بالورود في كل مرة تحقق فيها الإنجازات التي أبرزها رئيس الجمهورية في رسالته، فبعض الذهنيات تقف حجر عثرة أمام تقدمها، الأمر الذي جعله يؤكد فيها عزم الدولة على مواصلة مسيرة ترقية دور المرأة في السياسة والتنمية والتقدم بخطى ثابتة في هذا المجال.
جاءت كلمات رسالة الرئيس، الذي عمل طيلة توليه زمام الأمور على ترقية مكانة المرأة ودسترها شاملة لكل إنجازات المرأة لتجسد صورة الأصيل الذي لا ينكر جهد أحد ولا يغفل عن إعطاء كل ذي حق حقه، لتكون بذلك الرسالة واضحة في أن الجزائر أمة تبني سواعد نسائها ورجالها مستقبلها في تناسق وتكامل تام.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024