تكريسا لإصلاحات دستورية واتفاقيات دولية

آليات جديدة لحماية المرأة والطفل في الجزائر

فتيحة كلواز

من أبرز المكاسب التي حققتها الجزائر اجتماعيا  قانون حماية المرأة من العنف الجسدي و المعنوي و التحرش في أماكن العمل و الساحات العامة  والقانون 15 -01 المتضمن إنشاء صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات الذي أعطى الطفل حياة كريمة و حفظ أسرا كاملا من الوقوع تحت طائلة الاستغلال; من أجل تأمين لقمة العيش، و كذا قانون حماية حقوق الطفولة التي عانت طويلا من الاعتداءات و الاختطاف ما قوض نوم الأولياء و حولهم إلى حراس شخصيين لأبنائهم، في هذا المقال سنحاول عرض هذه الانجازات التي ساهمت في توفير الجو المناسب لبناء مجتمع سوي.

حماية المرأة من العنف والتحرّش الجنسي

وضع قانون العقوبات لحماية المرأة من العنف والتحرش مواد رادعة لوضع حد للعنف ضد المرأة، حيث تصل العقوبة إلى السجن المؤبد في حال توفيت الضحية، و20 سنة في حال ترتب عنه عجز أو عاهة مستديمة، وتشدد العقوبات الأخرى التي تتراوح بين غرامات من 50 ألف و500 ألف، والسجن من 15 يوما إلى 10 سنوات، بحسب درجة العنف وحالة الضحية كالقاصرات أو المعاقات أو المريضات. تكفل المادة 266 مكرر منه، حماية خاصة للزوجة من الاعتداءات العمدية التي تحدث جروحا أو تؤدي إلى بتر أحد الأعضاء أو إلى عاهة مستديمة أو إلى الوفاة.
 لكنها تركت الباب مفتوحا لمسامحة الزوجة لزوجها للإبقاء على استمرارية الأسرة لأنها المكان الوحيد الذي يعطي الطفل المحيط الملائم لبناء شخصية سوية حيث نصت على إمكانية الصفح لوضع حد للمتابعة الجزائية إذا تعلق الأمر بأفعال ذات وصف جنحي، مع عذر مخفف إذا تعلق الأمر بجناية وحدث فيها الصفح من الضحية، وتم استحداث مادة تجرم العنف الزوجي الذي يؤثر سلبا على صحة الزوجة جسديا ونفسيا.
كما شددت المادة 341 مكرر العقوبة على المتحرش جنسيا على المرأة مع توسيع مجالات هذه الظاهرة التي عانت منها النساء طويلا لتشمل استغلال السلطة أو الوظيفة لارتكاب الجريمة.
أما فيما يتعلق بالإهمال العائلي الذي يعد استهزاء بالرابطة الأسرية فقد اعتبره المشرع الجزائري من خلال القانون العقابي جريمة يعاقب عليها القانون فقد حددت المادة 330 ،331 ، 332 الإهمال الاقتصادي للزوجة، وعرفته بأنه ترك المنزل من طرف الأب أو الأم اللذين لهما أولاد قصر، ترك المرأة الحامل لمدة تفوق شهرين، عدم أهلية الأبناء ( بالنسبة للأولياء)، الامتناع عن تقديم النفقة الزوجية أو الفروع، ونصت على عقوبة السجن من 6 أشهر إلى غاية سنتين، وغرامة مالية من 50 إلى 200 ألف دينار، في حالة ترك الزوج لأسرته لمدة تتجاوز شهرين.

صندوق النفقة..  لحفظ كرامة الأم الحاضنة والأبناء

بموجب تعليمات رئيس الجمهورية، تم إنشاء صندوق النفقة الذي يهدف إلى التكفل بالنساء المطلقات الحاضنات اللائي لا يحصلن على النفقة بعد طلاقهن بسبب تعنت الزوج أو عجزه عن دفعها.
فوفقا للقانون 15 ـ 01 تم إنشاء صندوق النفقة للحاضنة المطلقة ليتم بذلك وضع حد للمرأة المطلقة الحاضنة التي أصبحت تجد نفسها في الشارع مع أبنائها عرضة للاستغلال اللاإنساني لمن يقتاتون على آلام و مآسي الآخرين، وفي كثير من الأحيان تجدن أنفسهن منخرطات في شبكات إجرامية في رحلة البحث عن لقمة العيش ما يجعل نسبة انحراف الأبناء  عالية جدا.
نعني بالنفقة هنا النفقة المحكوم بها وفقا لأحكام قانون الأسرة لصالح الأطفال المحضونين بعد طلاق الوالدين، وكذلك النفقة المحكوم بها مؤقتا لصالحهم في حالة رفع دعوى الطلاق والنفقة المحكوم بها للمرآة المطلقة.
أما والد الأطفال المحضونين أو الزوج السابق فيعتبره القانون مدينا و عليه تسديد ما تم صرفه من مستحقات من قبل الصندوق لأطفاله و زوجته السابقة ( الحاضنة). يتم دفع المستحقات المالية للمستفيد إذا تعذر التنفيذ الكلي أو الجزائي للأمر أو الحكم القضائي المحدد لمبلغ النفقة، بسبب امتناع المدين بها عن الدفع أو عجزه عن ذلك أو لعدم معرفة محل إقامته ـ يثبت تعذر التنفيذ بموجب محضر يحرره محضر قضائي.
يقدم طلب الاستفادة من المستحقات المالية إلى القاضي المختص، مرفقا بملف يتضمن الوثائق التي تحدد بموجب قرار مشترك بين وزير العدل حافظ الأختام والوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالتضامن الوطني، أين يبت القاضي المختص في الطلب بموجب أمر ولائي، يبلغ هذا الأمر عن طريق أمانة الضبط إلى كل من المدين والدائن بالنفقة والمصالح المختصة في اجل أقصاه 48 ساعة من تاريخ صدوره.

مكاسب سياسية جعلتها الأولى عربيًا

نصّت المادة 31 مكرر 2  من  الدستور المعدل في 2016 على: «تعمل الدولة على ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل، كما تشجع الدولة ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات»، و هذا إقرار صريح بكفاءة المرأة في المجال السياسي و قدرتها على الإدارة و التسيير في مختلف المناصب السيادية و مناصب القرارات العليا التي غالبا ما كانت في العقود الماضية حكرا على الرجل فقط.
يعد هذا التعديل نتيجة حتمية لما جاء به القانون العضوي للانتخابات في 2012 حيث نصت المادة 31 مكرر على أن الدولة تعمل على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة، حيث أرغمت كل الأحزاب على تخصيص نسبة معينة من قوائمها الانتخابية بغية توسيع التمثيل السياسي للمرأة في الجزائر،ما سمح للمرأة الجزائرية بأن تكون مثالا و رائدة في هذا المجال عربيا و تجربة يحتذى بها عالميا.

قانون حماية الطفل...العودة إلى الأصل

إلى القوانين التي أعطت الأولية للأسرة و تماسكها نجد أن الهيئة  الوطنية لحماية الطفولة وترقيتها جاءت في نفس السياق أي لحماية فئة هشة هي الطفولة التي وجدت نفسها أمام الكثير من التحديات في السنوات الأخيرة خاصة فيما يتعلق بظاهرة الاختطاف، الأمر الذي أولاه  رئيس الجمهورية  السيد عبد العزيز بوتفليقة أهمية بالغة ترجمت إلى مواد قانونية في التعديل الدستوري 2016  حيث نص في مادته 72، على أن “الأسرة تحظى بحماية الدولة والمجتمع، وأن الأسرة والمجتمع والدولة يحمون حقوق الطفل وتتكفل الدولة بالأطفال المتخلى عنهم أو مجهولي النسب. يقمع القانون العنف ضد الأطفال وتعـمل الـدولة عـلى تسـهـيل استـفادة الـفـئات الـضعـيفـة ذات الاحـتيـاجات الخـاصـة من الحقـوق المعـترف بها لجميع المواطنين وإدماجها في الحياة الاجتماعية.”
هذه الحماية الدستورية تتوافق والحماية القانونية المكرسة بقانون حماية الطفل تحت رقم 15-12 بتاريخ 15 جويلية 2015 والذي نص على تمتع الطفل بكل الحقوق التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل ومنه إحداث الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة ووضعها لدى الوزير الأول لتنسيق الجهود المبذولة لحماية هذه الفئة من المجتمع وترقيتها. تكلف بالسهر على حماية وترقية حقوق الطفل وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المادي، هذا وتضع الدولة تحت تصرفها كل الوسائل البشرية والمادية اللازمة للقيام بمهامها.
بمقتضى ذلك تم تعيين مريم شرفي على رأس المفوضية الوطنية لحماية الطفولة حيث تتولى مهمة ترقية حقوق الطفل من خلال: وضع برامج وطنية ومحلية لحماية و ترقية حقوق الطفل بالتنسيق مع مختلف الإدارات والمؤسسات والهيئات العمومية والأشخاص المكلفة برعاية هذه الفئة، وتعمل أيضا على متابعة الأعمال المباشرة ميدانيا والتنسيق بين مختلف المتدخلين، والقيام بالتوعية والإعلام والاتصال وكذا تشجيع البحث ولتعليم في مجال حقوق الطفل بغية فهم الأسباب الاقتصادية و الاجتماعية أو الثقافية لإهمال الأطفال و إساءة معاملتهم و استغلالهم و تطوير سياسات مناسبة لحمايتهم، إلى جانب وضع نظام معلوماتي وطني حول وضعيته.
كما أطلقت الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة، قبل نهاية 2017، الرقم الأخضر الخاص بالإخطار عن أي مساس بحقوق الطفل بهدف حمايته من شتى أنواع الاعتداءات، وهذا في ظل المخاطر الذي باتت تحوم به وتهدد حياته بالدرجة الأولى، والموقع الالكتروني حتى تتمكن من حماية هذه الفئة و لتشجيع المواطنين على الإبلاغ تم إعفاء الأشخاص الذين يقدمون معلومات حول المساس بحقوق الطفل من أي مسؤولية إدارية أو مدنية أو جزائية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024