لعلّ ما ميّز العهدة الحالية لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، التي تدخل اليوم عامها الخامس والأخير، المكاسب المحققة على الصعيد السياسي، وإذا كان أول ما يتبادر إلى الأذهان تعديل الدستور سنة 2016، فإن ما لا يمكن إغفاله الاستقرار السياسي الذي تنعم به الجزائر، الذي يضاف إلى الاستقرار الأمني، ظهر جليا خلال الاستحقاقات الانتخابية، وأبرز مؤشر لقياسه إجراء المواعيد الانتخابية في الآجال المحددة، وإلى ذلك فإن المشاركة السياسية القوية للأحزاب عموما والمعارضة تحديدا، يعزّز هذا الطرح.
إذا كانت سنة 2017، قد شهدت تنظيم حدثين انتخابيين بامتياز، ممثلين في الانتخابات التشريعية والمحلية، فإن العهدة الانتخابية لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، التي يمرّ عليها اليوم 4 أعوام كاملة، عهدة سياسية بامتياز، إذ تزامنت وقطف ثمار الإصلاحات السياسية التي بادر بها شخصيا ولعلّ أهمها تعديل الدستور، بذرتها كانت مشاورات سياسية جرت في جولتين أولها تزامنت والعام 2011.
تحوّلت الجزائر إلى ورشة مفتوحة في جميع المجالات منذ مطلع العام 2000، تجسيدا لبرنامج عرضه المترشح الحرّ عبد العزيز بوتفليقة، الذي عرضه على الشعب الجزائري، لدى ترشحه لأول مرة للانتخابات الرئاسية في العام 1999، ليكون عربون ثقة بين شعب ورئيسه، رئيس حدّد أولويات جعل في مقدمتها استتباب الأمن والاستقرار، باعتباره القاعدة المتينة لعودة قوية للجزائر، ليس فقط على المستوى الداخلي، بل كذلك في المحافل الدولية، مما التزم بإجراء إصلاحات هيكلية في قطاعات حسّاسة وجوهرية، كركيزة لمستقبل الأجيال الصاعدة، وتكريسا للعدالة الاجتماعية، فكانت البداية بقطاعي التربية والعدالة.
وبعد استتباب الأمن باعتماد سياسة حكيمة، كان عمادها سياسة الوئام المدني، ولاحقا المصالحة الوطنية التي كانت خطوة حاسمة في تعبيد طريق الأمن، جاء الدور على الإصلاحات السياسية، التي انطلقت قبل أعوام جيدة، قبل أن تكلّل في غضون العهدة الحالية، وتحديدا في العام 2016، بصيغة جديدة لدستور، جعل الجزائر ترتقي إلى مصاف الدول التي لها أقوى الدساتير، المكرسة للديمقراطية في أسمى صورها، ولعلّ أبرز ما تضمنه بالإضافة إلى تفعيل الدور البرلماني للمعارضة، حق الإخطار التي تنفرد به دول قليلة، الذي يكون نافذا في العام 2019.
ولعلّ أبرز ما تمّ في السنة ما قبل الأخيرة من العهدة الرئاسية، إجراء أول انتخابات برلمانية ومحلية، في ظلّ دستور جديد، أفرزت تغييرات في المشهد السياسي، فكانت الأغلبية موزعة بين أحزاب الموالاة، ممثلة في حزب جبهة التحرير الوطني الذي تنازل عن الأغلبية، وإن تمكّن من توسيع وعائه الانتخابي، وذلك بعد إقرار مادة دستورية مكّنت الأحزاب الصغيرة بدورها، من الحصول على تمثيل بالمجلس الشعبي الوطني، وكذا حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي سجل عودة قوية، متبوع بحزبي تجمع أمل الجزائر ـ تاج، والحركة الشعبية الجزائرية، بقيادة رئيسيها على التوالي عمار غول وعمارة بن يونس.
وظهرت بصمة الدستور الجديد أيضا من خلال، حضور قوي لكتلة الأحرار خلال تشريعيات العام 2017، وكانوا بذلك عنصر المفاجأة، بدورها أحزاب المعارضة المعهودة عادت، بعدما شاركت بقوة وفضلت ترك خيار المقاطعة الذي يكرس تغييبها في الميدان، ومع مرور الوقت خسارة وعائها الانتخابي، بعد فقدان ثقة المناضلين فيها، فكان تمثيلها متقاربا وغير مفاجئ، إذ عادت جبهة القوى الاشتراكية “الأفافاس”، التي احتلت صدارة المعارضة من حيث عدد المقاعد في تشريعيات العام 2012، وتصدرت حركة مجتمع السلم الصدارة، بعدما انفصلت عن تكتل الجزائر الخضراء.
الإصلاحات السياسية، التي انطلقت أولى المشاورات الخاصة بها، التي أوكلت مهمة الإشراف عليها إلى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، لم تكن الخطوة الأولى، فقد بادر رئيس الجمهورية قبل عقد كامل من الزمن، وتحديدا في العام 2008، بموجب تعديل جزئي للدستور، بتوسيع المشاركة السياسية للمرأة في المجالس المنتخبة، وكانت النتيجة انفراد الجزائر ضمن دول قليلة في العام، بتمثيل محترم في الغرفة السفلى للبرلمان، إذ قفز تمثيلها إلى أكثر من 30 بالمائة، موازاة مع تعزيز حضورها في مركز القرار من خلال تعيينها في أعلى المناصب، بما في ذلك الجهاز التنفيذي.
ما تعيشه اليوم الجزائر على المستوى السياسي مكسب توّج الإصلاحات السياسية المنتهجة، ولعلّ ما يؤكد هذا الطرح المشاركة القوية للأحزاب السياسية في الانتخابات التشريعية والمحلية على حدّ سواء، وتخلّت المعارضة التي قاطعت الانتخابات لعدة طبعات، عن هذا الخيار مفضلة الحضور على الغياب، وإيمانا منها بأن الدستور كرّس لها مكتسبات، لن تبرّر بأي حال من الأحوال غيابها في الميدان، ما كرّس انتعاشا في الحياة السياسية.
العام الرابع من عهدة رئيس الجمهورية، سانحة للوقوف على مدى نجاح الإصلاحات، وفعالية المكتسبات التي افتكتها الطبقة السياسية عموما بموجب الدستور بصيغتها المعدلة، ولعلّ إجراء المواعيد الانتخابية في الوقت المحدّد لها، أبرز ما يؤشر على الاستقرار السياسي الذي يعدّ مهما، مكسب تنعم به الجزائر منذ عدة سنوات، يضاف إلى الاستقرار الأمني.
استقرار أمني.. وتجربة ريادية في مكافحة الإرهاب
الاستقرار السياسي كمكسب ثمين، ما كان ليتحقّق دون الاستقرار الأمني الذي وإن كان دربه صعبا ودفعت الجزائر ثمنه باهظا، من أرواح أبنائها ومن مسيرتها التي تعرقلت على جميع الأصعدة طيلة عشرية الإرهاب السوداء، جعلت الجزائر تنتقل من موقع ضحية الإرهاب الفتّاك إلى موقع دولة ريادية في مكافحة الإرهاب، بتقديم مقترحات فعّالة وجذرية في مقدمتها تجفيف منابع تمويله.
تمكّنت الجزائر من كسب معركتها ضد الإرهاب، بفضل السياسات المنتهجة من قبل رئيس الجمهورية، آخرها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي تبناه الشعب بأغلبية ساحقة في استفتاء شعبي سنة 2005، ورغم أن المعركة متواصلة لمكافحة بقاياه، وكذا تأمين الجزائر من خطره الآتي من منطقة الساحل، إلا أنها قطعت خطوة جبارة، أكسبتها خبرة كبيرة جعلتها تكون ضمن الدول السباقة في إعداد استراتيجيات لمكافحة الإرهاب.
وقد لعب الجيش الوطني الشعبي وكذا مختلف الأسلاك الأمنية، دورا رياديا في معركة مكافحة الإرهاب، حرصا منه على تأمين الجزائر وحياة سكانها، دور مستمر إلى غاية اليوم، ذلك أن أفراده مرابطين على الحدود، عيونهم لا تنام لتأمين الجزائر حفاظا على مكسب الاستقرار الأمني، الذي ساهم في تكريس الاستقرار على مختلف الأصعدة، وفي مقدمتها السياسي والاقتصادي.
ولعلّ آخر ما اقترحه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، الذي أوكلت له عهدة منسق في مجال الوقاية من الإرهاب ومكافحته، على مستوى الاتحاد الإفريقي من قبل نظرائه الأفارقة، خلال ندوة احتضنتها الجزائر الأسبوع الماضي، إستراتيجية افريقية منسجمة لمكافحة تمويل الإرهاب، لاسيما بعد اكتشاف 11 مصدرا لتمويله، بينها المخدرات وتهريب الأسلحة، والاتجار بالبشر، والخطر الذي تشكّله الهجرة غير الشرعية.
الاستقرار السياسي أهم انجاز كرّسته إصلاحات سياسية عميقة
تنظيم المواعيد الانتخابية في الآجال المحددة.. ومشاركة قوية للطبقة السياسية أهم مؤشراته
فريال بوشوية

شوهد:153 مرة