التّحويلات الاجتماعية سياسة دعم ثابتة

خيار الدّولة الوطنية لا رجعة فيه

جمال أوكيلي

1625مليار دينار في 2017

البعد الاجتماعي للدّولة الجزائرية يضرب بجذوره العميقة في أدبيات الحركة الوطنية، الحريصة على التّغيير الجذري في النّمط المعيشي لأفراد هذا الشعب ما بعد مرحلة الاستقلال، وتعمّق ذلك أكثر في بيان أول نوفمبر الذي ارتقى بمفهوم الدولة الاجتماعية في دلالاتها الإيديولوجية المفعمة بالعدالة، الّتضامن، المساواة والإنصاف.
كل هذه القيم الضّامنة لوحدة الشّعب في مسيرته كانت بمثابة القوة المعنوية الرّادعة التي ظلّت صامدة في وجه كل العواصف الهوجاء التي مرّت على الإنسان الجزائري في كل المراحل النّاصعة من صناعة لتاريخه المجيد في البناء والتّشييد، ولم تخل المواثيق الأساسية للثّورة من الإشارة الصّريحة لهذه المبادئ الثّابتة، خاصة خلال مرحلة الستينات والسّبعينات، وإن غابت خلال مرحلة الثّمانينات وإحلال محلّها توجّهات أخرى كان أمرا مؤقّتا.
فإنّ العودة إلى تلك القيم السّامية، كان في سنة ١٩٩٩ عندما اعتلى السيد عبد العزيز بوتفليقة سدّة الحكم في الجزائر بشكل ملفت للانتباه،مجسّدا ذلك في كل البرامج التّنموية المسطّرة،مدرجا إيّاها في الخطاب السياسي الجديد الذي جاء به.
وعمليا وردت في قوانين الميزانية التي خصّصت لها فصول كاملة تحت عنوان “التّحويلات الاجتماعية”.
وخلفية هذا المسعى هو الوفاء لعهد الشّهداء الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل إقامة تلك الدولة الاجتماعية التي حلم بها الجميع، والتمسك بالالتزامات تجاه الشّعب الجزائري، في الاستفادة من موارد البلاد في فترة الإستقلال في شكل خدمات صحية، تعليمية، غاز، كهرباء، سكنات، طرقات، مياه، نقل…
والتّشديد على إدراج المحور الاجتماعي في السياسات العمومية، إنما هي قناعة عميقة لدى رئيس الجمهورية منذ تولّيه مقاليد السّلطة في الجزائر، ففي كل مرة يزداد الجانب الاجتماعي تجذّرا مهما كانت الظّروف، وبالرغم من ارتفاع الأصوات من هنا وهناك للمطالبة بتقليص أو التراجع عن كل ما يتعلق بالدعم وما تفرّع عنه من قضايا تتكفّل بوضعية المواطن الجزائري،
والعدالة الاجتماعية، والتضامن وتكافؤ الفرص، وغيرها ليست شعارات جوفاء، أو مجرّد فعل ديماغوجي يروّج له لأغراض شعبوية، ليس الأمر كذلك أو على هذا النحو، وإنما هو اليوم حقائق ملموسة موجّهة لصالح المواطن، والدليل على ذلك هو الرّفع من قيمة التّحويلات الاجتماعية من ١٦ مليار دولار إلى ٥ ، ١٧ مليار دولار، أي بزيادة ٥ ، ١ مليار دولار، وهذا ردّ شاف وإجابة كافية لأولئك الذين يبدون قلقهم من الاستمرار في تعزيز هذا الخيار.
ولابد من التّأكيد هنا بأنّ هذا القرار اتّخذ في عزّ الأزمة المالية النّاجمة عن انخفاض موارد البلد إلى النصف، هذا ما يدل دلالة واضحة بأنّ هذه القناعات لا تتزعزع حتى في الظّروف الإستثنائية، لأنّها مبنية على نظرة سديدة ورؤية واقعية، تدرك إدراكا كاملا مغزى مواصلة السير على هذا الدرب المنير لصالح الجزائريّين، الذين تضرّروا بفعل المراحل الانتقالية التي عاشها الاقتصاد الجزائري، وما خلفه من تأثيرات جانبية على الفئات الهشّة.
لذلك نقول بأنّ مقاصد الدّعم الاجتماعي المنبثقة من تلك المنظومة الشّاملة، الرّاسخة في الأذهان ليست أعمالا تقنية بحتة أو أفعال جافّة، وإنما هي سياسة ممتدّة في أعماق تاريخ الشّعب الجزائري لا يمكن الاستغناء عنها أبدا مهما كانت تداعيات العملية الحسابية الرّبح أو الخسارة.
والرّسالة القوية التي نفهمها من كل هذا أنّ سياسة الدعم الاجتماعي لا رجعة فيها كونها العمود الفقري للدولة الوطنية العميقة، التي تضع المواطن الجزائري في أولوية أولوياتها،وتهتم بكل انشغالاته الأساسية، كحماية قدرته الشّرائية، العلاج المجاني، تغطية الضّمان الاجتماعي، الحصول على الأدوية مجانّا، رفع الحد الأدنى للأجور، الاستفادة من التقاعد وفق نسب محترمة، وهذا ما يعرف بالسياسة الاجتماعية.
ولم يتوقّف هذا التوجه أبدا، ففي سنة ٢٠١٧  كانت قيمة التّحويلات الاجتماعية ١٦٢٥ مليار دينار، وهذا الرقم يعد قياسيا كونه لم يتراجع بل بالعكس مرشّح في كل مرة للارتفاع نحو الأحسن والأفضل، في حين بلغ ٢٣٩ . ١ مليار دينار في ٢٠١٠، واستنادا إلى عيّنات حيّة عمّا أوردناه سابقا فإنّ النّسبة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٤ كانت ٨ ، ٢٢ ٪، ومن ٢٠٠٥ إلى ٢٠٠٩ ٥ ، ٢٤ ٪، ومن ٢٠١٠ إلى ٢٠١٥ ٢٥ ٪  موجّهة إلى الأسر (السكن والصحة)، ٦٤ ٪، المنتجات الطّاقوية ٦١ ٪.
وبالرغم من هذا التكفل المباشر، فإنّ هناك مراجعة لملف سياسة الدعم، الذي يجري على مستوى وزارتي المالية والداخلية والجماعات المحلية والتهئية العمرانية، بحثا عن أفضل صيغ للتكفل بهذه الفئات بوضع بطاقية وطنية شاملة تحصي كل المعنيّين، تستمر العملية سنة كاملة، وسيكون التّطبيق خلال السداسي الثلاثي لسنة ٢٠١٩ وفق مقاييس صارمة، لا تقبل أو بالأحرى الخطأ ممنوع فيها نظرا لحساسيتها، وهذا كله من أجل التحكم في هذا الملف تحكّما دقيقا.
وفي المقابل كشفت وزارة التّضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، أنّ ٦٣ ألف شخص شطبوا من قوائم الإعانات المالية الموجّهة للفئات الهشّة، في إطار مختلف الأجهزة التّابعة للوصاية بعد إجراء التّحقيقات مع أصحابها.
كل هذه الإصلاحات العميقة المتوجّهة إلى إعادة النّظر في كيفية الإستفادة من الدعم الاجتماعي لا تمس أبدا بالجوهر العام للسياسة الاجتماعية للدولة الجزائرية، وإنما هي عبارة عن تعديلات تقنية بحتة يراد منها إحداث تلك التّوازنات الكبرى في هذا القطاع وإبعاد الاختلالات الهيكلية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025