انخرطت في الجهد التنموي .. الدبلوماسية الجزائرية:

عالجت ملفات حسّاسة وأحبطت مؤامرات إقليمية

حمزة محصول

اشتغلت الدبلوماسية الجزائرية، خلال السنوات الأربع الماضية، على ملفات بالغة الأهمية، تعلّقت بالأمن الإقليمي، مكافحة الإرهاب، الهجرة غير الشرعية، المساهمة الفعّالة في حلّ الأزمات المعقدة لدول الجوار، والترويج لفرص الاستثمار والتنمية الاقتصادية بالبلاد.
تحوّلت تجربة الجزائر خلال محنة العشرية السوداء، إلى نموذج عالمي في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه وصد كل ما يؤدي إلى التطرّف العنيف وفق استراتيجية متكاملة تتقاطع عندها جهود مختلف القطاعات.
وأمام الأزمات المستعصية التي تمرّ بها مختلف الدول، لا تتردّد الجزائر عبر دبلوماسيتها في مقاسمة خبرتها وتجربتها مع جميع الشركاء الدوليين، تماشيا ومبادئها الساعية دوما لصناعة الأمن والاستقرار ومعالجة الأزمات عبر الحلول السياسية.
وتقدم الجزائر مقاربة، ترتكز على مكافحة الإرهاب وتغليب الحوار السلمي بين أطراف النزاع داخل الدولة الواحدة بعيدا عن التدخلات الأجنبية، وترسيخ المصالحة الوطنية والوئام وتعزيزهما بآليات الديمقراطية وضمان الحقوق والحريات الجماعية والفردية.

منسق الاتحاد الإفريقي

الخبرة الجزائرية في التصدي للتهديدات الأمنية والتطرف، وإلى جانب كونها محلّ إشادة واسعة وتقدير دوليين، باتت مطلوبة على المستويين الثنائي (مع دول معينة) والمتعدّد (المجموعة الدولية)، وبالأخص داخل الاتحاد الإفريقي.
واختير رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، في ديسمبر 2017، كمنسق لاستراتيجية مكافحة الإرهاب بالاتحاد الإفريقي، وقال مفوض الهيئة القارية موسى فقي أن الاختيار جاء “بفضل التجربة الرائدة في المجال الحسّاس”.
وأكد فقي أن “للجزائر سياسة ناجعة في مكافحة التطرّف العنيف”، وأضاف “يمكن لجميع الدول أن تنتج الخبرة الجزائرية في هذه الحرب ضد الإرهاب”.
وتقدّم الدبلوماسية مساهمات نوعية في مجال مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية، بشكل يتماشى والمتغيرات الحديثة لخريطة انتشار الجماعات الدموية بين الشرق الأوسط ومختلف مناطق العالم، وسمح المنتدى السنوي للسلم والأمن بولاية وهران، من لفت انتباه الأفارقة إلى خطر فرار الإرهابيين من سوريا والعراق إلى مناطق معينة داخل إفريقيا.
وقدّر الدبلوماسي الجزائري، ورئيس مجلس السلم والأمن الإفريقي اسماعيل شرقي، عدد المرشحين للتموقع داخل القارة بأزيد من 6 آلاف عنصر، يحتمل أن تكون منطقة الساحل الإفريقي وجهتهم الرئيسية، حيث يستغلون الأوضاع في ليبيا والصومال كمنافذ للعبور.
ولا تتوقّف الجزائر عبر الندوات الدورية التي تشرف عليها وزارة الشؤون الخارجية، عن التشديد على أهمية إلحاق المجهود الأمني بآليات قانونية لتجفيف منابع الارهاب (تجريم دفع الفدية)، ودينية (محاربة الفكر المتطرف بالفكر الوسطي المعتدل) واقتصادية (خلق التنمية) واجتماعية (التكفل بعنصر الشباب وتفادي استغلالهم).

حلّ الأزمات

أكلمت الجزائر في 20 جوان 2015، مهمتها في جمع الفرقاء الماليين على ميثاق سلم ومصالحة واحد، عقب قيادتها لوساطة دولية لتسوية واحدة من أعقد الأزمات في القارة الإفريقية وأخطرها على السلم والأمن في منطقة الساحل.
وبعد جولات تفاوضية فاقت 08 أشهر، نجحت الدبلوماسية الجزائرية في جعل من كانوا “أطرافا في الأزمة، أطرافا تسوية وتنفيذ للاتفاق”، وتزعمت لجنة الدعم والمتابعة لما أصبح قاعدة مرجعية للدول والهيئات الدولية الداعمة لمالي من أجل الخروج نهائيا من الأزمة التي عرفتها سنة 2012.
وفي الملف الليبي الشائك، ورغم دعمها للوساطة الدولية التي تقودها الأمم المتحدّة، لعبت الجزائر دورا محوريا في التقريب بين وجهات النظر وتفكيك مختلف الألغام التي واجهت المبعوثين الأمميين إلى ليبيا، نظرا لوزنها كشريك استراتيجي وحيادي هدفه الوحيد هو استعادة البلاد للأمن والاستقرار وإعادة بناء المؤسسات.
وساهمت الدبلوماسية الجزائرية، في تعطيل جهود المتحمسين التقليديين للتدخلات العسكرية الأجنبية، وشجّعت الأطراف الليبية على “صناعة مستقبل دولتها بنفسها، خدمة لمصلحة الشعب الليبي ورفض التدخلات الأجنبية ذات الأجندات المحدّدة”.
وإلى جانب استقباله بشكل يومي لقادة سياسيين وشخصيات وطنية ليبية، قام وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل، في أفريل وماي لسنة 2017، بخطوة شجاعة، تمثلت في جولة ميدانية إلى مدن ليبيا أنجزت على مرحلتين.
واستقبل مساهل في طرابلس وبنغازي والبيضاء، (شمال) وغات وغدامس (جنوب)، أين حظي بترحيب سياسي وشعبي واسع، في وقت لم يتجرّأ أي مسؤول دولي أو أممي على زيارة مدن الجنوب الليبي والاستماع لانشغالات الليبيين هناك.
وأكد وزير الخارجية، بعد ختام الجولة، أن “الجزائر لا تهدف أبدا إلى التدخل في شؤون الغير، وتحرص كل الحرص على وحدة ليبيا وسلامتها الترابية”، مفيدا بأنه لم يكن حاملا لمبادرة “لأن كثرة المبادرات تشوّش على الليبيين، الذين يملكون وحدهم مفتاح الخروج من الأزمة”.
وصرّح أن زيارته إلى جهات ليبيا الأربع، سمحت بتقاسم التجربة الجزائرية ومشاركتها في مجال المصالحة الوطنية وبناء المؤسسات ومكافحة الإرهاب.

الهجرة غير الشرعية

غلَّبت الجزائر منذ 2013، الجانب الإنساني في التعامل مع موجات الهجرة القادمة من الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء.
وفي الوقت الذي لوّحت دول الاتحاد الأوروبي سنة 2014، بقصف القوارب البحرية التي تقل المهاجرين من سواحل ليبيا على وجه الخصوص، جنّدت الجزائر منظماتها الإنسانية للتكفل بهؤلاء الفارين من الحروب والظروف المناخية القاسية.
ورفضت مقترحات هيئات إنسانية دولية بمساعدتها بالتكفل بالمهاجرين الأفارقة، مؤكدة أن المساعدة الأنسب “تتمثل في إقامة مشاريع تنموية بدولهم”.
ولم تقم بإعادة عدد من المهاجرين النيجيريين والماليين إلا بناء على طلب من حكوماتهم، وجنّدت لذلك وسائل لوجيستية معتبرة (طائرات مدنية / حافلات / رعاية صحية).
ومع تنامي أعداد المهاجرين الأفارقة بالمدن الجزائرية وبروز بعض المشاكل التي تمّ احتواؤها سريعا، حاولت إحدى الدول استقطاب هذه الفئات للنيل من الجزائر ظاهريا ومساومة دولة أوروبية تقع جنوب المتوسط بتوقيف “قوافل الهجرة نحوها شرط عدم التنازل عن مواقفها تجاه قضية تتعلّق بتصفية الاستعمار”.
وفي صيف 2017، أكد الحكومة “أن الجزائر دولة إفريقية، ملتزمة دون شروط بواجب التضامن الإفريقي ومراعاة الأوضاع الإنسانية للمهاجرين الأفارقة”.
وتحدّث وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل لوسائل الإعلام قائلا:
«لا نتلقى الدروس الإنسانية من أحد، نحن دولة ذات سيادة والهجرة غير الشرعية تمثل تهديدا للأمن الوطني حيث تقف وراءها شبكات منظمة”.
وليس من المبالغة القول أن دولا معروفة بمصالحها الضيقة في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي، أرادت الضغط على الجزائر بطرق عديدة من بينها الهجرة غير الشرعية قصد التنازل عن مواقف ثابتة في سياستها الخارجية، لكن دون جدوى.
وقبل خرجة الوزير مساهل بأيام قليلة، أكدت الجزائر مدى إنسانيتها في التعامل مع قضية اللاجئين السوريين الذي علقوا داخل التراب المغربي وقرب نقطة حدودية، وجهزت كل الظروف المواتية لاستقبالهم بإشراك ممثلين عن المنظمة السامية للأمم المتحدّة لشؤون اللاجئين لكن السلطات المغربية رفضت تسليمهم.

الدبلوماسية الاقتصادية

مع بداية النصف الثاني لسنة 2014، انهارت أسعار البترول في السوق الدولية، وتأثرت مداخيل البلاد مما جعل تفعيل كل الموارد لتجاوز الصعوبات المالية ضرورة حتمية.
وللدفع بعجلة الاستثمار، انخرطت الدبلوماسية الجزائرية في المعركة الاقتصادية، وجندت السفارات بالخارج للتعريف والترويج للقدرات الوطنية في مجال الاستثمار والإصلاحات التي أقرتها الحكومة في المجال.
واتخذت الجزائر القارة الإفريقية كعمق استراتيجي لانفتاحها الاقتصادي، معتمدة في ذلك على بنى تحتية ضخمة على غرار الطريق العابر للصحراء وميناء الوسط (تيبازة) وتوسعة مطار الجزائر الدولي هواري بومدين.
ونظّمت من 03 إلى 05 ديسمبر 2016، المنتدى الجزائري الإفريقي للاستثمار، والذي عرف مشاركة قياسية بلغت 40 دولة وأزيد من 800 رجل أعمال، وتوّج بتوقيع عقود شراكة وصفقات في مشاريع طاقوية وصناعية.
ومنذ 2015 عرفت الجزائر زيارات كثيرة لرؤساء دول وحكومات البلدان الإفريقية استمرت كلها لمدة 3 و4 أيام وطغى عليها الطابع الاقتصادي المحض، حيث زار ضيوف الجزائر الأقطاب الصناعية في مختلف المجالات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024