لطالما اقترن اسم الراحل محمد صلاح بالتعليق على مباريات كرة القدم، ولا طالما عرفه الشعب الجزائري بـ «صرخة» تدوي مع تسجيل كل هدف، أو تمريرة حاسمة بالقرب من الشباك، أو تهز العارضة، رجل قوي في حضوره الجميع ينصت لكلامه القليل الذي يحمل الكثير من الحكمة، غير أن النجم الساطع في الإعلام الرياضي، عاش أياما أليمة بفقدانه فلذة كبده حاتم في حادث مرور أليم في التسعينيات.
غير أن ما لا يعلمه بالمقابل متابعي ومحبي المعلق الرياضي الاستثنائي المرحوم محمد صلاح، أن الرجل القوي المفعم بالحماس في التعليق، عاش أكبر صدمة في حياته يوم ودّع ثاني أبنائه وأكبر الذكور، الذي قضى نحبه في حادث مرور أليم اثر ارتطام سيارته بحافلة، يوم كان بمثابة نقطة تحول أليمة في حياته، تماما كما كان التعليق الرياضي منعرجا في حياته المهنية، وتشاء الأقدار أن تكون الحافلة تابعة لمؤسسة الإذاعة التي فتحت أحضانها لمحمد صلاح، بعد الاستقلال فاتحة أمامه المجال ليؤسس القسم الرياضي بهذه الوسيلة الإعلامية الثقيلة.الصحافي البارز في المجال الرياضي عيسى مدني، الذي تتلمذ على يد كبير المعلقين محمد صالح، توقف أمس خلال منتدى «الشعب» الذي خصص طبعته لتأبينية العملاق الراحل صلاح، استذكر بالمناسبة هذه الحادثة الأليمة، لأنها كانت نقطة تحول في حياته ليمر بذلك إلى الطرف المظلم والحزين، بفقدان الغالي حاتم قبيل تقاعده بمدة قليلة، ما جعله ينزوي في البيت ويقضي وقته في بكاء فلذة كبده، جرح لازمه إلى أن انتقل إلى جوار ربه بالقرب من ابنه الذي افتقده وبكاه بحرقة. وفي أعزّ الأزمة التي عاشها محمد صلاح، ما كان أصدقاؤه وزملاؤه في المشوار المهني ليتركوه وحيدا، وحرصوا على الالتفاف به ومؤازرته في أحلك الظروف، وأيقنوا بأن السبيل الوحيد للتخفيف من معاناته، استئنافه للعمل، فكانت عودة صلاح مجددا إلى الإذاعة الأم التي احتضنته في شبابه وطيلة عمره، وأنست وحدته وألمه في فراق حاتم.
الألم كان كبيرا، ودمعة محمد صلاح لم تجف، محطة حزينة في حياته التي بقدر ما كانت حافلة في مشواره المهني، بقدر ما كانت حزينة بعدما ابتلي في ابنه، ورغم ذلك البهجة التي كان يدخلها إلى قلوب جمهوره من مستمعي الإذاعة، التي أعطته كل شيء ، وأخذت منه كل شيء - حسبه - بقيت نفسها.