رئيس مجلس الأعمال الجزائري الموريتاني يوسف الغازي لـ “الشعب”:

المعبر الحدودي الجزائري - الموريتاني..تتويج لجهود التّعاون جنوب - جنوب

فايزة بلعريبي

جسر اقتصـادي بمعايير عالميـة..إنجاز ثمّنه المتعامل الاقتصادي

 تقوم العلاقات الثّنائية بين الجزائر وموريتانيا على الاحترام المتبادل والرؤية المشتركة للقضايا ذات الاهتمام المشترك، ممّا مكّن من الحفاظ على متانتها، وتطويرها إلى علاقات اقتصادية وشراكة ستتعزّز بعدة آليات هيكلية وتنظيمية يتوقّع أن ترفع من حجم المبادلات التجارية بين الدولتين الجارتين إلى عشرة أضعاف. فبعد التوقيع على عدة مذكرات تعاون بين رئيسي الدوليتين في ديسمبر 2021، إضافة إلى التوقيع على 26 اتفاقية شملت الطاقة والكهرباء والمعادن والغاز في سبتمبر2022، تواصل الجزائر سعيها لترسيخ مكانتها على مستوى جميع الوجهات الإفريقية، من خلال عدة آليات تجارية وتنظيمية، كاستئناف تجارة المقايضة مع موريتانيا والنيجر ومالي، وفتح مناطق نشاط حرّة، ومعابر حدودية بمعايير عالمية، استكمالا لبنائها الاقتصادي القائم على الوفاء للانتماء القاري، وتوطيد التعاون جنوب - جنوب.

 تطرّق رئيس مجلس الأعمال الجزائري - الموريتاني، في اتصال مع “الشعب”، إلى العلاقات الوطيدة بين الجزائر وموريتانيا، وصلة الانتماء الحضاري التي تجمعهما في إطار علاقات تأسّست على الاحترام المتبادل، إضافة إلى المصير المشترك الذي أصبح اليوم أكثر ارتباطا بالمتغيّرات الاقتصادية والجيو- إستراتيجية العالمية. واستحضر المتحدّث أولى الخطوات لتكريس التعاون الاقتصادي والمبادلات التجارية بين البلدين، مشيرا إلى أول معرض جزائري في نواقشط عام 2017، شارك به وفد مكون من 55 مؤسّسة اقتصادية جزائرية، والإعلان عن مجلس جزائري - موريتاني للأعمال مكوّن من 10 مؤسسات جزائرية، والعدد ذاته من الجانب الموريتاني، كخطوة تاريخية أسّست لآفاق جديدة للعلاقات الاقتصادية الثنائية للبلدين، متبوعة بفتح المعبر الحدودي ودخول أول الشاحنات محملة بالسلع الجزائرية إلى السوق الموريتانية، تتويجا للمساعي المشتركة للجارتين لبناء جسر تجاري متين يعزّز ويحصّن مؤشراتهما الاقتصادية. وفي أكتوبر 2018 تمّ تنظيم معرض للمنتجات الجزائرية بمشاركة قوية لـ 170 شركة، أين بلغ حجم التبادل التجاري نحو 50 مليون دولار في العام ذاته، ثم 87 مليون دولار سنة 2021.

توسّع نحو الوجهات الإفريقية

 ووصف يوسف الغازي العلاقات التجارية الجزائرية - الموريتانية، بأنّها “تعرف نسقا تصاعديا منذ مطلع 2020، في ظل القرارات التاريخية التي اتخذها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خاصة منها المتعلق بالطريق الرابط بين تندوف ومنطقة الزويرات الموريتانية على طول 775 كلم، وافتتاح فرع بنكي بنواقشط، يتوقّع المتحدّث أن يكون متبوعا بافتتاح فرع بنكي آخر في الأشهر القليلة المقبلة بـ “نواذيبو”.
وكضرورة لتجسيد سياستها التوسعية الإفريقية بالعمق الإفريقي، عكفت الجزائر على الاستثمار في الهياكل القاعدية والبنى التحتية وربط حدودها الغربية والجنوبية بجاراتها من القارة السمراء، على غرار ربط منطقتها الجنوبية الغربية بموريتانيا من خلال هياكل قاعدية. وهو إجراء اعتبره الغازي مشروعا استثماريا ذا بعد قاري تسعى الجزائر من خلاله إلى الرفع من قيمة مبادلاتها التجارية مع الشقيقة موريتانيا إلى عشر أضعاف على ما هي عليه حاليا، كما ستمكنها من دخول أسواق غرب إفريقيا عبر موريتانيا.

فروع بنكية لدعم المسعى

وبما أنّه لا يمكن الحديث عن المعاملات التجارية، دون التطرق إلى القنوات التي تضمنها من أموال وتحويلات بنكية، باشرت الجزائر إلى فتح فرع بنكي جزائري أطلق عليه اسم “بنك الاتحاد الجزائري” بنواقشط في سبتمبر 2023، ليكون أول فرع بنكي جزائري بالخارج، سيتبع بفرع بنكي آخر بـ “نواديبو”، حيث تهدف الجزائر من خلال هذه الخطوة - حسب المتحدث -  إلى تسهيل الحركة التجارية بين المؤسسات النشطة في البلدين، وتمكينها من تجاوز عقبة التحويلات المالية، مضيفا أنه وتزامنا مع افتتاح هذه المؤسسات المالية كقنوات تسهل التحويلات المالية للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، تمّ تدشين معرض دائم للشركات الجزائرية على مستوى العاصمة الموريتانية “نواقشط” للتعرف على أحدث المنتجات الجزائرية ولفت أنظار الموردين الموريتانيين تجاهها، مما يفتح أمامها آفاقا تسويقية واعدة، بعد اكتمال البناء القاعدي والهيكلي لإستراتجية الاقتصاد الإفريقي التي تنتهجها الجزائر في السنوات الأخيرة، إذ يأتي تتويج الجهود المذكورة - تابع المتحدث - بإقامة معبر جزائري بمعايير عالمية عالية الجودة تتمتع بها مرافق العبور، سواء من ناحية الاستجابة لمتطلبات راحة المستثمرين من الدولتين، أو من ناحية تسهيل مهامهم، كما يترجم هذا الانجاز توجه الجزائر الدائم المتطلع إلى تنمية مستدامة وتعاون اقتصادي بين بلدين يمتلكان من المقدرات والثروات المعدنية والغذائية، ما يسمح لهما بإقامة شراكات اقتصادية قوية ومربحة، حيث بلغت قيمة المبادلات التجارية في السداسي الأول من سنة 2023 حوالي 187 مليون دولار.

تكامل خبراتي لتثمين الثّروة

 على سبيل الذكر، تطرّق رئيس مجلس الأعمال الجزائري الموريتاني إلى بعض المنتجات التي تشكّل مكامن ثروة حقيقية يمكن تثمينها من خلال تبادل الخبرات بين البلدين، لما تتمتع به الجزائر من خبرة في مجال إنتاج الغاز والكهرباء والبنى التحتية والهياكل القاعدية وإقامة السدود ونقل المياه، يمكن أن تستفيد منها الجارة الموريتانية التي تتمتّع - بالمقابل - بخبرة ما لا يقل عن 40 سنة في مجال إنتاج خام الحديد وتحويله وتصديره إلى كل أنحاء العالم، وهو الشق الذي يمكن أن تستفيد منه الجزائر نظرا لتجربتها الفتية في مجال الصناعات التعدينية، كعهد جديد تسعى الجزائر أن تجعل منه نقطة تحول في تاريخ اقتصادها بعد دخول غارا جبيلات كثالث احتياطي عالمي من معدن الحديد، مرحلة الاستغلال القصوى. إضافة - يواصل الغازي - إلى أن موريتانيا تمتلك ثروة سمكية هائلة تقدر طاقة تصديرها السنوية بـ 1.8 مليون طن، وقد سجّلت أحدث الإحصائيات في وكالة ترقية الاستثمارات في نواقشط أن نسبة تصدير الأسماك لم تتجاوز 1.2 مليون طن، ممّا يعني أن موريتانيا بحاجة لشركاء اقتصاديين لتصدير الثروة البحرية، حيث عملت في السنوات الأخيرة على تطوير البنية التحتية عبر تجهيز 4 موانئ بحرية، بكل من نواذيبو ونواقشط وتانيت وندياغو تسعى من خلالها لأن تبقى حلقة وصل بين العالم ودول غرب إفريقيا والساحل.

آليات لتعزيز فرص الاستثمار

 في سياق متصل، تطرّق الغازي إلى فرص الاستثمار ومكامن الثروة، قائلا إنّ دول غرب إفريقيا تعد منطقة واعدة للاستثمارات بحكم الاكتشافات الهائلة للغاز والنفط والذهب، مشيرا – بالمناسبة - إلى أنّ الجزائر قطعت أشواطا معتبرة في تهيئة الظروف المناسبة لتوسيع استثماراتها في إفريقيا، حيث أنجزت الطريق العابر للصحراء الذي يربط النيجر وتشاد ونيجيريا بموانئها. وتسعى حاليا إلى تجسيد مشروع السوق الحرة كنتيجة لسنوات من التشاور والتعاون البناء بين الدولتين، لاستغلال المكانة الجغرافية الشاسعة بين الدولتين. ويعتبر الغازي أنّ تنمية المناطق الحدودية تتجاوز تقوية التبادل التجاري إلى الأبعاد الأمنية، عبر تعزيز الرقابة على الحدود التي طالما كانت بؤرة للنشاط التجاري غير المشروع. كما أنّ التبادل التجاري وإعادة تجارة المقايضة سيعزّزان العلاقات السياسية الثنائية، ويوحّدان وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، ويمكّن الجزائر من ترسيخ مكانتها في غرب إفريقيا، خاصة بعد إعادة بعثها لتجارة المقايضة مع كل من نواقشط، مالي والنيجر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024