التحكّم في مفاتيح الثورة الرقمية ومواكبة الذكاء الاصطناعي

ترقية البحث وإقحام «الربوتيك» في الصناعة

فضيلة بودريش

 المصانع الذكية لتحقيق الجودة والتموقع في الأسواق

أفضى التحول الرقمي بقفزته التكنولوجية المثيرة إلى مرحلة أكثر تطورا ودقة وابتكارا، وبدا الذكاء الاصطناعي طفرة مذهلة في عالم العلم والابتكار، وبات يستدعي التخطيط الجيد لمواكبة مستجداته في مختلف المجالات من صناعة وفلاحة رهانا جوهريا، يتطلّب تجنيد مختلف الإمكانيات من موارد بشرية وتشجيع مخابر البحث ورصد التمويل المادي، وبعد ذلك يمكن الخوض في التحوّل نحو الذكاء الاصطناعي بفعالية كبيرة من خلال تسطير برامج محدّدة بالأهداف وبناء الشراكات مع التجارب الأجنبية الرائدة، علما أن الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي، يتطلّب إستراتجية  دقيقة وواضحة المعالم أي يمكن أن تسطر على المديين القصير والمتوسط كمرحلة أولى.

لا سبيل للحديث عن الانتقال من الثورة الصناعية الرقمية إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يعدّ تحديا يقوم على التعلم العميق والابتكار الدقيق والأرضية المهيأة ببعد نظر وتفعيل مخابر البحث ومواكبة آخر التطورات، من دون الوقوف على مختلف الخطوات التي تمّ قطعها وكذا ما تمّ إنجازه من الثورة الصناعية الميكانيكية التي أسست لكل هذا النمو السريع والتطور المثير المسجل في الوقت الحالي، وعقب ذلك شكلت الطاقة البترولية وقود التطور في البلدان الصناعية خلال الثورة الصناعية الثانية، وفي الثورة الصناعية الثالثة سيطر كل ما هو اختراع أتوماتيكي، وإن كانت الصناعية الرقمية التي تعد ثورة صناعية رابعة، اعتمدت على الصناعة الرقمية وبالفعل نجحت في التحكم في أدوات الانتاج وترقية مجال الخدمات، قد مهدت لميلاد الذكاء الاصطناعي، فإن جميع الخبراء والمختصين يرون أنه بإمكان الجزائر أخذ فرصتها بفضل اتساع نطاق استعمال  أدوات الرقمنة حتى من طرف جميع المواطنين، وحتى انتشار ذلك في مجال البحث وعبر الكثير من المصانع، وإلى جانب النقل وما إلى غير ذلك. إذا الفرصة ذهبية والتكنولوجيا متاحة والانطلاق يمكن أن يبدأ اليوم قبل غد.
الإقلاع الصحيح
من المفاتيح الذي ينبغي المراهنة عليها في كسب معركة التحوّل الرقمي الحقيقي لبلوغ مستوى مقبول من مواكبة الذكاء الاصطناعي، نذكر ضرورة اندماج شبكة الصناعة الوطنية  والنجاح في عصرنة النموذج الصناعي، على خلفية أن العديد من المصانع في العالم بات تستعين بـ»الربوتيك» وكل المصانع مربوطة بالانترنيت، لذا نظام الإنتاج والآلة الإنتاجية يحتاجان إلى أدوات معالجة المعلومات لتكون أكثر تنافسية وقوة وأقل تكلفة وبنوعية ذات جودة عالية، لأن القفز إلى مصاف الدول التي تستغل الذكاء الاصطناعي، مرهون بالتخطيط الجيد والتحكم الأفضل واستغلال ما تتيحه الصناعة الرقمية من مزايا وبالتالي التموقع في السباق العالمي بفضل إستراتجية رقمية واضحة المعالم محدّدة الأهداف، حتى يكون إقلاع المؤسسة الاقتصادية صحيحا وتسييرها محكما وإنتاجها يتوجّه نحو أسواق داخلية وأخرى خارجية مدروسة، حيث تأخذ بعين الاعتبار ما يطلبه الزبائن، بالإضافة إلى ضرورة إدراج هذه المؤسسة بشكل مستمر في إطار مسايرة الابتكار التكنولوجي والاستفادة من مختلف التطبيقات المؤمنة.
أنظمة حماية لتجاوز الاختراق والعطب
يجري الحديث في المرحلة الراهنة بلا شك عن كيفية رسم معالم الطريق، من أجل استحداث المصانع الذكية التي دون شكّ تحتاج إلى تكنولوجيا عالية وإطارات متخصصة وأجهزة متطوّرة وأنظمة حماية وحفظ المعطيات قادرة على مواجهة مختلف الأخطار والتهديدات الداخلية والخارجية وجعلها في منأى أي اختراق أو عطب، كون الرهان بخصوص هذا المستوى تنظيمي قبل أن يكون تكنولوجيا، أي التوجه نحو إرساء نموذج جديد للمصنع يستجيب لطلبات المجتمع التي بدأت تتغير، كونها تتطلّع نحو الأجود والإنتاج لن يكون إلا بروح تنافسية، ومع أهمية التركيز في هذه المعركة على الإنسان وبمساعدة «الربوتيك»، ولا شكّ أن الانطلاقة الصحيحة لتعبيد مسار الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي لن تكون من دون خطوة إعداد إستراتجية مستعجلة لا تبقى في الورق بل تجسد على أرض الواقع، لترقية البحث وإقحام «الربوتيك» في الصناعة وبعد ذلك التوجه التدريجي نحو خيار إنشاء المصانع الذكية لتحقيق الجودة والتموقع في الأسواق الداخلية والخارجية، والرهان كبير على الكفاءات من أجل الوصول إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي والنجاح فيها، وكذا التكوين المستمر للموارد البشرية. إذا حان الوقت حتى تتغير المؤسسة وتنفتح على البحث والعلم والتكنولوجيا.
المرونة المعرفية
يشكّل الانخراط في مسار الذكاء الاصطناعي تحوّلا جذريا سلسلا يتطلّب تجندا محكما ومسطرا لمختلف المقدرات البشرية والجامعات ومراكز البحث من خلال بناء جسور قوية مع المؤسسة الإنتاجية سواء كانت خاصة أو عمومية، ولا يخفى أنه من دون بلوغ مستوى معين من هذا التحوّل الحتمي الذي تفرضه العولمة والتطورات الحاصلة في الدول المتطورة والناشئة، لا يمكن للاقتصاد الوطني أن ينتعش ومن بعد ذلك أن يتواجد بتنافسية مقبولة في الأسواق الخارجية التي تراهن عليها الجزائر، في تنويع صادراتها والتموقع فيها للتحرّر من قبضة التبعية النفطية.
يشترط أن تولى أهمية كبيرة للمحيط على خلفية أنه لإقامة المشاريع وإنشاء المؤسسات بات يتطلب حماية المحيط من خلال فتح الورشات لإرساء هذه الصناعة الجديدة، والتي يعوّل عليها مستقبلا من تحقيق المزيد من الطفرات التكنولوجية المذهلة التي ستنعكس على ترقية وتنويع الاقتصاد، والجدير بالإشارة فإن البلدان المتقدمة تسجل خطوة عملاقة من خلال النمو السريع والمذهل في الذكاء الاصطناعي، وساعدها على ذلك التطور التراكمي في مجال البيانات الضخمة التي صارت متوفرة بقوة على مستوى الشبكات العالمية، ولا ينبغي أن ينكر فضل التطور الكبير المسجل على صعيد التعلم العميق، وكل ما تعلق بمختلف  الأبحاث الدقيقة والبرمجيات المرتبطة بتطوير قدرات الآلات على التعلم الذاتي. والحرص القائم على مضاعفة الإنتاج، والرفع من سقف دفع بالوصول إلى الذكاء الاصطناعي، من خلال إدخال الآلة في العمل وتحويله من عمل يدوي إلى آلي، وكان المنتدى الاقتصادي العالمي قد كشف في أحد تقاريره أن مالا يقل عن 65 بالمائة من الوظائف الحالية والتي مازال الطلبة يتخصصون فيها، سوف تختفي للأبد بفضل التطور التكنولوجي المدهش الذي يزداد بشكل ملفت للانتباه. حيث يرشح أن من بين المهارات التي تتطلبها سوق العمل في العالم بعد آفاق عام 2020  تضم كل من حل المشكلات المعقدة و التفكير الناقد وإلى جانب  إدارة الأفراد و التنسيق مع الآخرين و الذكاء العاطفي، وكذا المحاكمة العقلية واتخاذ القرارات والتوجه الخدمي، بالإضافة إلى التفاوض و المرونة المعرفية.
أجهزة للعمليات الدقيقة
وحول الحديث القائم على الذكاء الاصطناعي في مجال التأمينات، الذي يعطيها بعدا أعمق ويطور من خدماتها وينوعها، فإنه يعتمد في الجوهر على إنشاء أجهزة قادرة على القيام بعمليات دقيقة، تقوم بها الآلة أو «الربوتيك»» بدل الانسان، وترتكز على مجموعة من التطبيقات والبرمجيات التكنولوجية من خلال التشخيص، علما أنه يوجد صنفين للذكاء الاصطناعي، نذكر منه الضعيف والقوي، أما فيما يتعلّق بالذكاء الضعيف يوصف بأنه ليس حساسا ويرتكز على مهمة محدّدة، على خلفية أن يسمح بإنجاز مهمات لا يستطيع أن يقوم بها الإنسان وتنجز هذه الأخيرة بطريقة جيدة أحسن من الإنسان، وعلى سبيل المثال نسلّط الضوء على تشخيص السرطان، أما الصنف الثاني والمتمثل في القوي، فإنه يقوم بالتحليل والتفكير ويؤدي عمليات الترشيد بإحكام ويحرص على أن يكون هناك ضمير في العمل الذي يقوم به.  ويعول بشكل كبير على الهواتف الذكية في الذكاء الاصطناعي بالنسبة لمجال التأمينات، خاصة ما تعلّق بالمعلومات الدقيقة للمستعمل أي بخصوص ما يفضله وكل ما يتعلّق بحياته الخاصة، علما أن العديد من الدراسات قلمت بإجرائها كل من «غوغل» و»آبل» بهذا الخصوص،  بهدف التخلّص من مختلف التطبيقات التي تحتويها هواتفنا وتعويضها بتطبيق واحد أكثر فعالية ودقة، أطلقت عليه اسم «أسيستور»، والذي يتولى مهمة الرد والإجابة على جميع الأسئلة والطلبات التي يحتاجها المستعمل، يذكر أن هذا التطبيق سيعتبر تماما مثل الصورة الرمزية للأشخاص.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                     

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024