الدكتورة بوقميجة ترصد البنية القانونية للاقتصاد والاستثمارلـ»الشعب»:

النصوص راقية ، نقائص في المعاملات وتحسين المناخ ضروري

حاورها : سعيد بن عياد

- القاعدة 51 / 49 لا تكبح الاستثمار و ربطها بقطاعات إستراتيجية مهم
- الشراكة بديل للاتفاقيات المتعدّدة الأطراف للإفلات من «قبضة الأقوياء»
- غياب الابتكار في وسائل الإدارة العمومية واحتشام في العقود الالكترونية
-  ضعف التحكيم التجاري الدولي في الجزائر يرجع أساسا إلى نقص التجربة

يسلّط هذا الحوار الذي يستضيف نجيبة بادي بوقميجة دكتورة في القانون الخاص وأستاذة محاضرة بكلية الحقوق (جامعة الجزائر 1) الضوء على مختلف جوانب البنية القانونية للمنظومة الاقتصادية والاستثمارية، وتحدّد النقائص والمزايا التي يمكن رصدها في السوق حاليا، منطلقة من قراءة دقيقة ومعمقة للأحكام، ومستفيدة من تجربتها كمحامية ووكيلة معتمدة في ميدان الملكية الصناعية، خاصة فيما يتعلق بقاعدة الشراكة 51 / 49، وتأثير منظمة التجارة العالمية وكذا رصد الفروع التي تحتاج إلى تعزيز حمايتها قانونيا، في ظلّ تنافسية الأسواق عبر العالم، خاصة أن الجزائر تعاني من ضعف مركزها في نطاق التحكيم الدولي. للإشارة تهتم بوقميجة بالبحث في مجال الأمن القانوني والتنويع الاقتصادي من خلال التنظيم والمشاركة في لقاءات دراسية والعمل ضمن فرق بحث لتأطير مذكرات الماستر ورسائل الدكتوراه. ولها كتابان واحد حول حماية حقوق الملكية الفكرية من المنافسة غير المشروعة والآخر بعنوان «تأثير اتفاق تربي على الدول النامية»، إضافة إلى مساهمات قانونية اقتصادية.


«الشعب»: إلى أي مدى يمكن اعتبار الأرضية القانونية تستجيب لمتطلبات الاستثمار؟
دكتورة بوقميجة: إذا كنتم تقصدون بالأرضية القانونية «النصوص»، فأرى أن النصوص القانونية ذات الطابع الاقتصادي والمتعلقة بالاستثمار في الجزائر هي من بين أرقى النصوص، عدا بعض الاستثناءات التي يمكن التوقف عندها. باعتبار أنها ضامنة لحقوق الأطراف المتعاقدة، وضامنة أيضا لسبل حل النزاعات، سواء بالطريق القضائي أو الطريق الودي، مثل التحكيم التجاري الدولي.
ما هي النقائص التي يمكن رصدها وتتطلّب معالجة عاجلة؟
 في غالب الأحيان النقص لا نشهده على مستوى النص في حدّ ذاته، ولكن يطرح بخصوص خلفية النص وأيضا على مستوى تطبيق النص القانوني.
فبخصوص التطبيق، من أهم الإشكالات التي تسجل مثلا ما يخص الأحكام والقرارات المتعلقة بعدم الاختصاص بين سلطات الضبط والقضاء، وذلك راجع إلى التداخل بين النصوص، وليس النص في حدّ ذاته، مما يؤدي حتما إلى حالة التنازع السلبي، أي أن كل جهة تحكم بعدم الاختصاص، بالإضافة إلى الاشكالية المتعلقة باستقلالية سلطات الضبط في الجزائر. ولما نتطرّق للاستقلالية، فإننا نتطرّق لاستقلاليه القرارات المتخذة من طرف هذه السلطات، حيث إنه في كثير من الأحيان نلمس جليا أننا لم نخرج من إطار الدولة المتدخلة إلى إطار الدولة الضابطة.
وفي إطار المعالجة العاجلة نكون أمام ضرورة تأهيل الإطار المؤسساتي، سواء ما يتعلّق بسلطات الضبط أو المؤسسات الأخرى المتعلقة مباشرة بالاستثمار، عن طريق توسيع عمل هيئات تطوير الاستثمار على المستوى الوطني، من خلال مساعدة المستثمرين المحليين على إنجاز مشاريعهم، بهدف تفشي سياسة الاستثمار بداية، ثم الانتقال عن وعي وعن تجربة من الاستثمار المحلي إلى الاستثمار الأجنبي، عن طريق توفير المعطيات الخاصة بإبرام الاتفاقيات المتعلقة بالصادرات، باعتبارها من بين القطاعات الحيوية.
 يثار الحديث عن القاعدة 51 / 49، من جانب اعتبارها مكبحا للشراكة أو الاستثمار؟
 باعتبار أن قاعدة 51 / 49 تمّ تبريرها بفكرة السيادة، من المفروض ربط تطبيقها بالقطاعات الإستراتيجية، أما القطاعات التي ليس لها طابع الإستراتيجية، مثل الخدمات والتكنولوجيا الحديثة ومؤخرا المجالات المتعلقة بالذكاء، مثل الذكاء الاصطناعي، المطبق مؤخرا في المدن الذكية كالجزائر المدينة الذكية أو تيبازة المدينة الذكية، فيستحسن استبعاد هذه القاعدة، على الأقل من أجل المضي قدما بهذه القطاعات، والتي بالرغم من فائدتها على الاقتصاد الوطني إلا أنها لازالت مهمشة.
غير أنه من جهة مقابلة لا أرى بأن هذه القاعدة في حدّ ذاتها تمثل مكبحا للاستثمار، طبعا في حال توافر عوامل أخرى، مثل مناخ الأعمال وبيئة الاستثمار، وأقصد هنا عدم الاكتفاء بتطوير البيئة القانونية. وبالرغم من أنها من المحدّدات الرئيسية المؤثرة في قرار الاستثمار، إلا أننا نتواجد أمام إلزامية إرساء مناخ للأعمال عموما ومناخ استثماري  خصوصا، جدير بجاذبية وطمأنة المستثمر الأجنبي، لا سيما من خلال تزويده بالوثائق اللازمة، تبليغه للمعلومات وفق الآجال، تسيير ودعم المزايا المرتبطة بالاستثمار والتأكد من احترام المستثمر للالتزامات المتعهد بها.
بمعنى آخر لو تتوفر عوامل أخرى ضرورية في الاستثمار لما كان لقاعدة 51 / 49 آثار سلبية بالشكل الذي نعرفه اليوم، لأن العوامل الأخرى المذكورة أصبحت في الواقع تمثل عاملا منفرا أكثر من القاعدة51 / 49، ضف إلى ذلك السوق الموازية، والتي تغلبت نسبتها على السوق العادية حسب مختلف المعايير الاقتصادية المعمول بها، لأن المستثمر الأجنبي يعاين السوق قبل الإقبال على التعاقد، وفي مرحلة المعاينة سوف لا يجد عوامل الاستقطاب، وغياب هذه العوامل هو الذي ينفر المستثمر الأجنبي أكثر من نفوره نتيجة القاعدة 51 / 49.

عولمة اقتصادية
أم  عولمة قانونية للإقتصاد؟
 يعيش العالم عولمة اقتصادية، فهل يمكن الحديث عن عولمة قانونية للاقتصاد خاصة ضمن منظمة التجارة العالمية؟
 نعم غالبا لما نتطرّق للمنظمة العالمية للتجارة، نثير مسألة العولمة القانونية للاقتصاد، إلا أن الجزائر، وباعتبارها في مرحلة المفاوضات للانضمام للمنظمة العالمية للتجارة، يجب أن تكون لها نظرة استشرافية بخصوص مثل هذه المواضيع، حتى لا تتحمّل تبعات هذه العولمة في حال الانضمام. لأن العولمة الاقتصادية كغيرها من المسائل تنتج عنها آثار سلبية وتنتج عنها آثار إيجابية. وهنا يجب الاستفادة من الآثار الإيجابية، وتفادي الآثار السلبية، بحيث يجب على الجزائر اتخاذ «السبل الموازية للمنظمة العالمية للتجارة»، عن طريق الاتجاه نحو الشراكة كطريق بديل للاتفاقيات المتعدّدة الأطراف، وذلك حتى لا تبقى تحت «قبضة» هذه الاتفاقيات في حال الانضمام، خصوصا وأن هذه الاتفاقيات تديرها المنظمة العالمية للتجارة، ونصوصها تكتب من طرف دول تتمتع بقوة اقتصادية في المنظمة، بما يخدم مصالحها، وليس بما يخدم مصالح الجزائر غدا.
ما هي القطاعات التي تحتاج إلى تعزيز قانوني لحماية حصتها في السوق، خاصة أمام منافسة خارجية شرسة؟
 القطاعات واجبة التعزيز يجب أن تراعي المعطيات، وحسب هذه الأخيرة يجب الاهتمام بالقطاع الزراعي، وذلك تلبية للحاجات داخل المجتمع بغرض تحقيق الأمن الغذائي، والاستجابة لمتطلبات الاستثمار بغرض ترقية «الاقتصاد الأخضر».
مع توجيه الاهتمام لكل من قطاعي الخدمات والمعلومات، باعتبار أن هذين المجالين غير مستغلين كفاية في الجزائر، وأصبح من الضروري الاستثمار فيهما، خصوصا وأن اقتصاد المعرفة أصبح نشاطا مستحدثا لا بد من استغلاله، تماشيا مع ما يفرضه الاقتصاد الوطني وفي العالم.
بالإضافة إلى إلزامية إزالة الفوارق بين الاستثمارات التابعة للقطاع العام والاستثمارات التابعة للقطاع الخاص، وأكثر من ذلك تشجيع الشراكة بين القطاعين على المستوى الوطني كمرحلة أولى، بغرض التوجّه نحو الاستثمار الأجنبي ببنية متينة كمرحلة موالية.
حاليا ما هي قراءتك للوضع القانوني الاقتصادي، وهل يتطلّب إدخال تعديلات لمواكبة التحولات؟
 في مرحلة أولى ونظرا للوضعية الاستعجالية للنهوض بالاقتصاد الوطني أرى أنه يستحسن عدم البدء بالتعديل المتعلق بالنصوص، بما أن النص موجود، وسبق وأن أشرت إلى أن مجمل هذه النصوص راقية، عدا بعض الاستثناءات، وبالتالي الانتقال مباشرة لتفعيل هذه النصوص على أرض الواقع، مع التمسك بسياسة التنسيق بين القطاعات من أجل استبعاد التطبيقات المتشتتة، والتي تؤدي أحيانا إلى التطبيقات العشوائية، لأنها قائمة على أساس قرارات انفرادية، وهي راجعة أيضا إلى غياب الابتكار في وسائل الإدارة العمومية وحتى الاحتشام المتعلّق بالعقود الالكترونية، أي الاحتشام المتعلق بالتوقيع الالكتروني والتصديق الالكتروني، وبالتالي إتباع منهجية التنسيق وحسن التسيير سوف يؤدي لا محالة إلى التوحيد في التطبيق، ومنه الاستقرار.

نصوص تشريعية في آخر الترتيبات
 يلاحظ عموما أن أغلب المستثمرين ورؤساء المؤسسات يركزّون على التمويل، العقار والإعفاءات، لكن غالبا ما يوضع الجانب القانوني للاستثمار أو الصفقات في مترتبة متأخرة؟
 يوضع الجانب القانوني للاستثمار أو الصفقات في مرتبة متأخرة، لأن التجارب أثبتت بأن المستثمر الأجنبي غالبا ما يتفاوض مع الطرف الجزائري بخصوص الجانب المادي، باعتبار أن الجزائر هي التي تتحكّم فيه، وبالتالي لا يمكن للمستثمر تجاوز الطرف المتحكم. وعلى عكس ذلك نجد المستثمر الأجنبي يتجاوز الطرف الجزائري في مسألة العقود والصفقات. وعمليا يستحيل تحقيق نتائج مع الانطلاق مسبقا من نموذج موحّد أو نموذج مفروض بخصوص الاتفاقيات التي تكون الجزائر طرفا فيها، باعتبار أن العوامل الرئيسية تتمثل في تهيئة الأرضية الخاصة بالاستثمار الأجنبي تختلف وفق معطيات الدولة المستثمرة والمعطيات الاقتصادية الجزائرية، بالإضافة إلى أهمية الدراسة القبلية والتي تسعى إلى تقدير احتمالات النجاح والفشل، وبالتالي مدى إقبال الجزائر على إبرام الاتفاق من عدمه.
ومن بين الأسباب الرئيسية في عدم فعالية الطرف الجزائري  في التعاقد، ترجع إلى الإشكال المتعلّق بصياغة العقود في الميدان الاقتصادي والتجاري، حيث إنه في غالب الأحيان لا تتمّ صياغتها من قبل الطرف الجزائري، ومن هنا يستفيد الطرف الأجنبي من فرصة صياغته لهذه العقود وفرضها بطريقة أو بأخرى على الطرف الجزائري، الذي انحصر دوره في العديد من الحالات في مجرد التوقيع. وهذه الوضعية تحمل  في طياتها من ناحية الصياغة للعديد من المصطلحات الاقتصادية التي لا يمكن التحكم فيها، أو التحكم في حدودها من الناحية القانونية، لأنها مصطلحات مطاطة، أو ما يعرف بـ «المصطلحات متعدّدة الأبعاد». في بداية وضع هذه المصطلحات تفسر لصالح الطرفين أي «رابح - رابح»، ولكن بعد نشوب نزاع تفسر لصالح الطرف الذي وضعها، وهنا نتواجد أمام معادلة «رابح - خاسر».
وباعتبار أن الطرف الجزائري أنه لم يشارك في صياغة العقود ويقدم عليها حتى دون مناقشتها في بعض الأحيان، فإن الأمر يؤدي هنا إلى كون الطرف الجزائري بطريقة آلية سوف يستعيد ارتداءه لقبعة الطرف الضعيف التي لبسها في بداية التعاقد.
 في ذات الاتجاه، تعاني الجزائر من ضعف على مستوى آليات التحكيم الدولي لفض النزاعات ذات الطابع الاقتصادي والتجاري؟
 الضعف المتعلق بالتحكيم التجاري الدولي في الجزائر يرجع أساسا إلى نقص التجربة، وحتى هذه الأخيرة أثبتت فشلها، ويرجع ذلك أساسا لتغييب المحكّم الجزائري من مختلف المحاكم الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي.
لقد أثبت الواقع أن الجنسية تلعب دورا كبير في اختيار الأطراف المتنازعة للمحكّم، باعتبار أن المحكّم هو خبير في الميدان. وقلّما يتمّ احتيار الخبراء الجزائريين كمحكّمين في النزاعات الاقتصادية والتجارية، وعموما هي الوضعية نفسها التي يشهدها الخبراء الأفارقة، لأنهم يستبعدون من اختيارهم كمحكّمين بحجة نقص التجربة، وبالتالي من الصعوبة بمكان أن يكون للجزائر تجربة ناجحة مع غياب الخبرة والاقحام في الميدان، وخاصة أمام هذه العوامل الكابحة.——

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024