الدكتور مبتول يحذّر:

إذا تعطّل الاقتصاد تتجّه البلاد مباشرة إلى صندوق النقد الدولي

سعيد بن عياد

«الذين يدعون إلى إنهاء كل شيء وإزالة الوضع القائم من أساسه، يقعون في الخطأ لأن للجزائر إطارات تمّ تكوينهم منذ الاستقلال ويتمتعون بالنزاهة ونظافة اليد، وبالتالي ليس الجميع لصوص، لكن المشكل هناك عنصر جدير بالتوقف عنده هو خطر وضع الشباب في مواجهة الكهول لأن أي شاب منصهر في فكر محافظ أخطر من كهل إصلاحي».

في قراءته للتطورات التي تعرفها الساحة الوطنية، أبدى الخبير عبد الرحمان مبتول تقديره لحيوية الشباب، موضحا أنه «لا يجب أن تكون نظرة سلبية، لأن الشعارات الأساسية خارج الشخصنة تدعو إلى إصلاحات سياسية واقتصادية، وبالتالي لا يمكن البقاء في الوضع الراهن، لأنه إذا بقينا في حالة جمود فإن احتياطي الصرف يكون في مارس 2019، عند مستوى 76 دولار بعد أن كان الاحتياطي 194 مليار في أول جانفي 2014».
وأضاف يقول في تصريح خاص لـ «الشعب» «إذا تعطّل الاقتصاد جراء تصرفات سلبية سوف نتجه مباشرة إلى صندوق النقد الدولي بفعل اتجاه احتياطي العملة الصعبة للتقلص في ظرف سنتين مع ما ينجر عن ذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية وجيواستراتيجية، لكون أننا لسنا في نفس الوضعية التي كانت عليها الجزائر في التسعينات».
وإذا حصل ذلك بالرجوع مجدّدا إلى قبضة صندوق النقد الدولي «أفامي»، يحذر الخبير من أن ميزانية الدفاع سوف تتأثر بالنصف، ذلك أنه «إذا كنا قد تفاوضنا جيدا مع الصندوق في 1994 وتجاوزنا شرط تقليص ميزانية الدفاع فإن الوضع اليوم مغاير ويحمل تهديدا يستهدف المؤسسة الوحيدة التي لا تزال واقفة هي الجيش».
وعن علاقة حرية التعبير بالتنمية أجاب أنه أمر جدي أن يتم التوجه إلى مساحة أوسع بكثير للحريات، لكن يجب أن لا ننسى الجوانب الاقتصادية التي تكون الأضعف، وبالتالي فإن الطبقات الوسطى تدفع الثمن.
مضيفا أنه «أمر واضح وجيه وقد عشناه في خضم تداعيات اتفاق إعادة جدولة المديونية مع «الافامي» في 1994 وأبرزها تعرض الفقراء والطبقات الوسطى لعملية سحق أزالتها من المشهد».
وأكد أنه «حقيقة هناك رابط بين الديمقراطية والتنمية، مثلما توصل إليه عالم الاقتصاد والفيلسوف الهندي الهندي أمارتيا كومارسن (صاحب جائزة نوبل للاقتصاد في 1998) من وجود لعلاقة جدلية بين الديمقراطية أخذا في الاعتبار انتروبولجيا المجتمع (لكل بلد خصوصيات، وبالتالي ديمقراطية ملائمة لثقافته) من جهة والتنمية من جانب آخر، بحيث تظهر في ظلها قوى مضادة للسلطة مثل تلك التي تكافح الفساد، الذي يعتبر عاملا معطلا للنمو وفي الجزائر حتى أصبح يهدّد الأمن الوطني.
 لذلك كما يوضحه «لما تكون الديمقراطية سائدة تتشكل عدالة اجتماعية عميقة وهي لا تتعارض إطلاقا مع الفعالية الاقتصادية، فكلما يشعر الناس بعدالة اجتماعية عميقة يبادرون حتما بالعمل أكثر».
 بهذا الخصوص يسجل الخبير بأسف أنه بالنسبة للجزائر من يمسكون بالريع هم الأكثر انتفاعا وليس من ينتجون الثروة مثل العامل والإطار والمؤسسة وغيرها.
ويستطرد في تحليله «أن التنمية تعني خلق الثروة والحريات تسمح بتفجير الطاقات المبدعة علما أن الحريات تعني بالضرورة مكافحة البيروقراطية والفساد والذهنيات الريعية»، مما يستوجب كما يضيف» توجيه تحذير، لأن التجارب التاريخية أظهرت في حالة كرويا الجنوبية، فقد كانت هناك دكتاتورية عسكرية مستنيرة، لكن بعد التطوّر الاقتصادي وبروز طبقات وسطى لها تطلع أكثر للحرية، وهنا لا يوجد تعارض بين الديمقراطية والتنمية بل العكس كلما توسّعت مساحة الأولى تطورت الثانية أكثر.
 وهنا لننظر إلى البلدان العربية التي لديها ثروات مالية هائلة ومع ذلك ليست بلدان متطورة. لكن يجب الأخذ في الاعتبار وزن التاريخ مثل التجربة الصينية التي تكتسي أهمية كبيرة، حيث اختارت التوجه إلى اقتصاد سوق متحكم فيه وفقا لمسار تدرجي.
إن كل البلدان التي نجحت في انجاز الانتقال برزت فيها طبقات جديدة ووجوه إصلاحية لكنهم تفادوا الوقوع في خطر تصفية حسابات وأدخلوا المحافظين في ديناميكية التحوّل وألزموهم بالتكيف مع الوضع الجديد.
لذلك يقول الخبير مبتول «الذين يدعون إلى إنهاء كل شيء وإزالة الوضع القائم من أساسه، يقعون في الخطأ لأن للجزائر إطارات تم تكوينهم منذ الاستقلال ويتمتعون بالنزاهة ونظافة اليد وبالتالي ليس الجميع لصوص، لكن المشكل هناك عنصر جدير بالتوقف عنده هو خطر وضع الشباب في مواجهة الكهول لأن أي شاب منصهر في فكر محافظ أخطر من كهل إصلاحي».
ويخلص إلى حتمية وجوب إعطاء الأولوية للشباب لكن يجب الحذر من السقوط في صراع بين محافظين وإصلاحيين غير أنه يجب أن تكون الأولوية للإصلاحيين حتى يمكن تجسيد تطلعات الشباب ويجب الحرص على  أن لا تحوم شائبة حول القائمين على مقاليد السلطة في البلاد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024