احتياطي الصرف يتراجع بوتيرة تدق ناقوس الخطر

تعديل آليات مرافقة تركيب السيارات واستيراد الحليب والحبوب

سعيد بن عياد

«المتعاملون يحققون مداخيل هائلة تتطلب وتيرته الحالية إعادة ضبط معادلة السوق خاصة وان الدولة تساعد في كلفة الإنتاج من عقار وتحفيزات وطاقة مدعمة»

لا يخفي الحراك الذي يستهلك الوقت ويعرض تطلعات النمو للركود مدى الخطر المحدق باحتياطي الصرف بالعملة الصعبة. هذا الأخير تراجع إلى أقل من 80 دولارا بخسارة حوالي 4 ملايير في ثلاث أشهر، بعد أن كان في حدود 82 مليار في نوفمبر الماضي.
 يتوقع أن يتواصل منحى التراجع خلال السنة الجارية بالنظر لحجم الاستثمارات ومعدل سعر برميل النفط الذي بقدر ما يحقق تحسنا نسبيا بقدر ما يستدعي تفعيل خيار التحول الطاقوي.
اجراءات صعبة اتخذت مؤخرا تتعلق باعادة التحكم في واردات تدخل في خانة الصناعة والغذاء للحد من استنزاف الموجود من الأموال، تحسبا لمواجهة مرحلة قادمة تحمل تهديدات للأمن المالي، علما أن المؤسسات والمتعاملين يحققون مداخيل هائلة تتطلب وتيرته الحالية إعادة ضبط معادلة السوق، خاصة وان الدولة تساعد في كلفة الانتاج من عقار وتحفيزات وطاقة مدعمة.
الإجراءات تخص في هذا الظرف إعادة هيكلة مسار استيراد الحليب والحبوب والأكثر اثارة للجدل وقف استيراد قطع تركيب السيارات بعد ان استهلكت الحصة المالية المخصصة بأكثر من 2 مليار دولار.
 ليس بدعة أن يتم اللجوء الى اعادة رسم التوجهات الوطنية لقطاع السيارات من خلال تصويب مسار التركيب وصياغة ورقة طريق تعوض النقص المتوقع وتؤسس الأرضية لبداية تصنيع أكثر من البقاء في مرحلة التركيب التي لا تنتج القيمة المضافة.
المرافقة حسب نسبة الاندماج المحلي
لكن الظاهر أن التصويب العقلاني يبدأ من وزارة الصناعة نفسها بإدخال شفافية أكبر على دواليب تسيير ملفات الاستثمار في كافة الفروع وخاصة السيارات، من حيث مدى القدرة على فرض احترام دفتر الشروط. ومن ضمن الخيارات التي يمكن ان تساعد على بناء ارضية ملائمة للوضعية المالية الراهنة دون كسر الديناميكية التي تعدها السوق، مراجعة اولويات العلامات التي يتم تركيبها باعتماد تفضيل تلك التي تستجيب لمعادلة السعر واقتصاد النفقات وابعاد ولو مرحليا العلامات التي تصنف في خانة الماركات الكبيرة.
للاشارة يوجد خلل بيّن على مستوى درجة التزام مركبي السيارات بدفتر الشروط فيما يخص نسبة الاندماج المحلي التي لا تزال في مستوى يكاد يساوي الصفر، لعدد من المحسوبين على الصناعة الميكانيكية، وهنا تبرز مسؤولية وزارة الصناعة بالنسبة لمدى الحرص على مراقبة التزام المؤسسات المستفيدة من السوق بانجاز شرط الاندماج من غيره. ولعل افضل آلية لقياس درجة المطابقة مع معادلة الاستجابة لذلك ان يتم التعامل معهم وفقا لدرجة تجسيد هدف الاندماج في ارض الواقع.
بالنسبة لهذه يمكن لاصحاب القدرات المالية ان يستوردوا مركبات فخمة مباشرة من المؤسسات الأم في اوروبا بأموالهم الخاصة عن طريق توطينها بالبنك بالسعر الموازي ودفع رسوم نظير الرفاهية في زمن الازمة.
أما بالنسبة لاستيراد السيارات أقل من ثلاث سنوات، فإنها تبدو مسألة تتطلب التريث، إلى حين ضبط الآليات التنظيمية خاصة المالية منها، التي تسمح بتفادي الوقوع في مطبّات مكلفة للبلاد والمواطنين.
 من بين ما يثير الانشغال، وهوأمر طبيعي، أن يقوم الطرف الآخر وراء البحر بالتقاط حجم الطلب فتنتعش عصابات تجارة الخردة هناك من خلال إعداد وتهيئة مركبات قديمة وربما مهترئة (قد لا يعني الأمر السوق الألمانية) يتم تزويرها وإعادة طرحها في السوق من خلال استعمال وسائل تخفي التدليس والغش.
للعلم تعاني أوروبا، خاصة البلدان الصناعية، حاليا من مشكلة عبء الحظائر التي تتشكل من السيارات والمركبات القديمة، ولا تجد مكانا اليوم في ظل الاقتصاد الأخضر، لإتلافها تحت طائلة قوانين حماية البيئة، وبالتالي لا يمكن أن تمنح لهم فرصة العمر للتخلص من الخردة وبأموال الجزائريين.
 يمكن في هذا الإطار توسيع مجال النقاش مع المهنيين قصد رصد مؤشرات الأسواق وخاصة الشركات التي تتجه الى جيل السيارات الكهربائية للتفاوض من مركز مقبول.
العمل حول برامج لتربية الأبقار
بالنسبة للحبوب وخاصة المطاحن بالتوجه إلى مراجعة منظومة الدعم بطريقة تقود إلى عزل الأطراف التي تستغل الطابع الاجتماعي للدولة، لاستثمار ظاهري يستنزف الموارد. ومن ثمة انه من الضروري الدفع بأصحابها، بعد أن استغلوا السوق لعشريات، للاستثمار في إنتاج المادة الاولية محليا نظير استفادتهم من سوق رابحة وبأي حجم من المداخيل التي تحققها معامل لا يتعدى دورها إعادة تحويل المادة الأولية المدعمة لتصبح منتجات من مختلف العجائن بدون قيمة مضافة في الشق الاقتصادي.
لا يعقل ان تستمر الجزائر في التعامل مع الحبوب، خاصة القمح وباقي الثمار التي توفرها الارض، كزبون دائم تابع بشكل أعمى لبلدان وجدت في السوق الجزائرية طوق نجاة من ازمة تسويق عالمية. ويمكن أن يساهم أصحاب المطاحن الحقيقيين في تنمية برامج استثمارية انتاجية على مستوى مواقع فلاحية خصبة في الهضاب العليا والجنوب، فتتحقق مكاسب للجميع، في وقت لم يعد الوضع المالي يحتمل العبء المتزايد على ميزانية الدولة في زمن شح المداخيل النفطية.
نفس المعالجة تشمل العاملين في قطاع الحليب، فقد حان الوقت، وإن ضاع منه الكثير، لينكب محولو الحليب على العمل حول برامج لتربية الابقار والرفع من طاقة انتاج الحليب محليا، في وقت يفتح فيه المجال أمام استثمارات جادة في هذا الفرع الاستراتيجي، بحيث يتم حينها الفرز بين المضاربين في السوق، من دعاة الكل يستورد، والذين لديهم قناعة راسخة بالانتقال الى الانتاج المحلي وتجاوز العراقيل وبقايا البيروقراطية، التي تغذي المستفيدين من الريع البترولي من أصحاب الحلول السهلة، التي تدر في حساباتهم ثروات البلاد بمختلف طرق الفساد خاصة عن طريق تضخيم الفواتير.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024